كما أن الأمثال الشعبية هى إنعكاسات لثقافات الشعوب وتطلعاتهم وأحلامهم وكما أنها تعبر فى كثير من الأحيان عن رضائهم أو سخطهم عن موقف أو شخص أوحالة بعينها كذلك أيضاً الصيحات والهتافات التى تنطلق من حناجر وقلوب الشعوب الثائرة هى أيضاً تخرج معلنة إما عن رضائها أو غضبها من حاكم أو عن سياسة معينة أو وضع لا يرتضى به الشعب من قرارات وإجراءات لا يقبل بها . أفرزت ثورة الخامس العشرين من يناير العديد والعديد من الهتافات التى تعبر عن مدى بغض الشعب لمبارك ونظامه كما عبرت فى بادئ الأمر عن ترحيبها لمجلس الجنرالات وتوالت بعد ذلك العديد من الهتافات التى تعبر عن رأى الشعب فى مواقف معينة ولا أعرف كيف يتجاهل المسئولين والمرشحين لمنصب رئاسة الجمهورية نلك الهتافات التى تعد إنعكاساً وتعبيراً واضحاً عن ما يجيش فى صدور ثوار الوطن الشرفاء والتى تمثل فى حد ذاتها إنذراً وظلاً أحمر لغضبة الشعب القادمة الذى بات على وشك الإنفجار لإحساسه بأنه على وشك أن يفقد ثورته وهو يراها وهى تسرق أمام عينيه جهاراً نهاراً تلك الثورة التى ضّحى من أجلها بالغالى والنفيس .
وحتى يتسنى لنا أن نتأكد من مدى أهمية تلك الرسائل التى يرسلها الثوار من خلال هتافاتهم يتوجب أن ننظر بنظرة تحليلية مدققة لتلك الهتافات حتى يتعين علينا فهم وقراءة المشهد القادم إذا بقي الوضع الراهن عليه كما هو عليه الأن ولم يحدث أى تغيير يعيد قراءة المشهد من جديد .
أطلق الثوار منذ بدء الشرارة الأولى للثورة العديد من الهتافات منها على سبيل المثال وليس الحصر :
( الشعب يريد إسقاط النظام – مسلم ومسيحى إيد واحدة – الشعب والجيش إيد واحدة – يسقط.. يسقط حكم العسكر - الشعب يريد إسقاط المشير – بيع .. بيع الثورة يا بديع – الشعب يريد صباحى يبقى رئيس – الشعب يريد رئيس من الميدان ) .
هذه بعض الشعارات والهتاقات التى أطلقها ثوار مصر والتى تحمل بين طياتها ما يستوجب علينا النظر لها بعين الإعتبار فكل شعار من تلك الشعارات له العديد من الأسباب التى أدت إلى إنطلاقه من أغوار القلوب:
الشعب يريد إسقاط النظام : كان هذا هو أول هتاف هتف به أبناء مصر إعلاناً عن رفضهم لإستمرار نظام المخلوع ولما يعبأ مبارك فى بادئ الأمر كثيراً بهذا الهتاف وظن أنها كما يقال (زوبعة فى فنجان) فكانت النتيجة هى إسقاط مبارك من فوق كرسى الحكم الذى إعتلاه طوال ثلاثين سنة كاملة كما نجح الشعب فى خلخلة أركان هذا النظام الذى لم يسقط حتى الآن وأغلق الحزب غير الوطنى إلى الأبد .
مسلم ومسيحى إيد واحدة : وهو من أقوى الهتافات التى أطلقها ثوار الوطن كأبلغ رد على محاولات النظام لإيقاع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد وفى حقيقة الأمر لم يكن مجرد شعار أطلق فى الهواء بل كان حقيقة مؤكدة على أرض الواقع فقد رأينا إخواننا المسيحيين وهم يلتفون بأجسادهم حول إخوانهم المسلمين لحمايتهم أثناء الصلاة وكذلك رأينا نفس المشهد من المسلمين مع إخوتهم المسيحيين أثناء إقامة القداس فى الميدان وأيضاً حول الكنائس فى الأعياد وتلك كانت أبلغ رسالة أرسلها أبناء الوطن الواحد لأركان ذلك النظام الذى لم يبيد بعد وأحداث ماسبيرو كانت خير دليل على مدى تماسك المصريين .
الشعب والجيش إيد واحدة : هذا هو الهتاف الذى إستقبل به الثوار القوات المسلحة حين بدأت الإنتشار فى الشوارع والميادين حفاظاً على الأمن بعد هروب وتخلى الشرطة عن واجبها وظهرت حفاوة المصريين بقواتهم المسلحة فى مظاهر عدة تمثلت فى الترحيب الشديد بهم وإعتلاء ظهور الدبابات والمدرعات والتسابق للإلتقاط بعض الصور التذكارية مع رجال الجيش فكانت تلك المظاهر أبلغ رسالة يعبر فيها الشعب عن مدى حبه وترحيبه لقواته المسلحة فماذا كان رد فعل مجلس الجنرالات تجاه تلك الرسالة ؟
هذا ما سنعرفه الآن .
يسقط .. يسقط حكم العسكر : هذا هو الهتاف الذى أطلقه الثوار عندما تأكد أن مجلس الجنرالات لم يعر ذلك الترحيب أى إهتمام وكأنه شيئ عادى وطبيعى بل من المفروض عليه القيام بذلك و لم يأخذ فى حسابنه أن الحب قد ينقلب فى أى لحظة إلى كراهية وبٌغض إذا حدث ما يستوجب ذلك وهذا هو ما حدث بالفعل فرأينا مدرعات الجيش وهى تدهس المواطنين وقنابل الغاز تفتك بهم وحدثت جرائم كشوف العذرية وضرب و سحل بنات الوطن فما كان من الثوار إلا أن يخرجوا مرددين هتاف يسقط .. يسقط حكم العسكر فى رسالة جديدة إلى مجلس الجنرالات مفادها أن وجودوهم أصبح غير مرغوب فيه وأن الشعب لن يقبل الحكم العسكرى مرة أخرى فهل إستوعب مجلس الجنرالات تلك الرسالة أم لا ؟ .
الشعب يريد إسقاط المشير : أعتقد أنه هتاف لا يحتاج إلى تعليق فرسالته أبلغ من أى توضيح !!! .
بيع .. بيع الثورة يا بديع : هذا الهتاف إن دل على شيئ فإنما يدل على مدى فطنة هؤلاء الثوار فهو يكشف حقيقة جلية وهى أن الإخوان قد باعوا الثورة من أجل تحقيق مكاسبهم الخاصة والدلائل على ذلك كثيرة منها على سبيل المثال تخلى الإخوان عن الثوار فى الميدان وعن المليونيات التى تتعارض مع أهدافهم وتهكمهم أيضاً عليهم وإلصاق تهم العمالة بهم كذا تمرير المادة (28) التى تحصن قرارات اللجنة العليا لإنتخابات الرئاسة وهى المادة التى يعانى منها الإخوان الآن ، أيضاً تخليهم عن الثوار فى أحلك المواقف مثل أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء التى راح ضحيتها الكثير من شهداء الوطن وبعد أن فطن الإخوان إلى تردى شعبيتهم فى الشارع المصرى هرعوا مرة أخرى للتحايل على الثورة من أجل تحقيق هدفهم بالجلوس على كرسى الحكم بالدعوة إلى مليونية جديدة تحت زعم إنقاذ الثورة والتى لم يستجب أى من الثوارأوالقوى الوطنية لها وكانت هذه رسالة أخرى من الثوار إلى الإخوان مفادها (عفواً لقد نفد رصيدكم) ولعل إكتساح الفريق شفيق لأصوات الناخبين فى محافظة الشرقية والتى هى مسقط رأس الدكتور مرسى وأحد أكبر معاقل الإخوان المسلمين إلى جانب ضعف القوة التصويتية للإخوان عن الإنتخابات البرلمانية أفصح وأبلغ من أى كلام يمكن أن يقال .
الشعب يريد صباحى يبقى رئيس : حينما إستشعر الشعب مدى صدق حمدين صباحى وإستعرض تاريخه الوطنى وبعدما تأكد من نظافة يده وإنه يعد بحق كما يقول شعار حملته ( واحد مننا ) خرج الثوار هاتفين له مطالبين به رئيساً للجمهورية ، نعم قرابة ال5 مليون مواطن أعطوا أصواتهم لحمدين بدون أى مقابل أو رشاوى إنتخابية أو زجاجة زيت فحمدين فقير وحملته فقيرة مادياً لكنها غنية بحب الناس له أولئك الذين كافحوا ومازالوا يكافحون من أجل أن يصبح حمدين رئيساً .
إن كل تلك الأصوات التى حصل عليها هذا الرجل بدون أن أى مقابل تشير فى حقيقة الأمر أن الشعب يريد صباحى يبقى رئيس .
الشعب يريد رئيس من الميدان : هذا هو أحدث هتافات الثورة التى تتردد حالياً وهو يعلن صراحة أن الشعب لايريد رئيساً من الفلول أو من الإخوان إنما يريد رئيساً يرضاه هو من الميدان وإنه لن يقبل أن يوضع بين خيارين مجبراً على إختيار أحدهما فى الوقت الذى يعتبر الشعب أن كلا الخيارين مرّ ..
فهل سيتفهم مجلس الجنرالات تلك الرسالة ويتخذ الإجراء الملائم قبل فوات الأوان ؟ هل سيقتنع الإخوان بأن جلوسهم على كرسى الرئاسة أصبح أمراً غير مقبول ؟ هل سيدرك الفلول أن قبولهم مرة أخرى فى المشهد السياسى أمر مرفوض وأنه يعد من المستحيلات ؟