وزير الشؤون النيابية يشهد إطلاق المبادرة الوطنية «صحح مفاهيمك»    أنشطة طلابية وحصر غياب.. تقييم أول يوم دراسي في دمياط    تعرف على أسباب رد الرئيس مشروع قانون الإجراءات الجنائية    3.5% ارتفاعا فى الدين المحلي بنهاية الربع الثاني من 2025    محافظ المنوفية يناقش الموقف الحالي لمنظومة النظافة بحي غرب شبين الكوم    كفر الشيخ: 840 فرصة عمل جديدة وتدريب مهني متطور لتمكين الشباب    خبير اقتصادي: «القنطرة غرب» نموذج لتحويل التحديات إلى منطقة صناعية ولوجستية واعدة    محافظ الغربية: لن أسمح بتقسيم الخطوط.. وسيارات النقل الجماعي جاهزة لنقل الطلاب والمواطنين    بعد التحقيق معها لساعات.. إسرائيل تطلق سراح النائبة العربية السابقة بالكنيست حنين زعبي    العراق يشغل أول محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية جنوبي بغداد    السودان.. مقتل مسئول حكومي شمال دارفور ونزوح 7500 شخص بالفاشر    ثلاثي هجومي ثابت للسيتي في مواجهة أرسنال    إيقاف لاعبي الزمالك قبل القمة.. رابطة الأندية تعلن عقوبات الجولة السابعة    قبل انطلاق النسخة ال18 في مصر.. تاريخ بطولة العالم للأندية لكرة اليد    الأرصاد: غدا طقس حار رطب نهارا معتدل ليلا والعظمى بالقاهرة 32    انفجار خط غاز ببحر مويس في قرية عزبة أبو فرج ببنها    تنفيذ قرارات إغلاق لعدد من المحلات المخالفة جنوب الغردقة    تأجيل محاكمة 8 متهمين بداعش الدرب الأحمر    مصرع 3 عناصر إجرامية في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن بالبحيرة    أكرم فريد يختتم ورش الإخراج للشباب في مهرجان بورسعيد السينمائي    الفلوس عندهم أولوية قبل أي شيء.. 5 أبراج مادية بطبعها    في واقعة الإسورة الأثرية.. النيابة توصي بمنع دخول حقائب مرممي الآثار وتفتيشهم عند الخروج وتركيب كاميرات مراقبة    تعرف على دعاء آخر كسوف للشمس في 2025    أوميجا 3 وسر التركيز.. لماذا يحتاج طفلك السمك مرتين أسبوعيًا؟    الصحة تنظم زيارة رسمية لوزير الصحة السنغافوري إلى معهد ناصر    إطلالة شبابية.. نادية الجندي تتألق بفستان قصير في أحدث ظهور    العالم يشهد اليوم كسوفًا جزئيًا في الشمس.. هل تظهر في مصر؟    البيت الأبيض يحدد صفقة «تيك توك» التي تمنح أمريكا السيطرة على الخوارزمية    فوز السكة الحديد وبروكسي.. نتائج مباريات الأحد في الدور التمهيدي لكأس مصر    وادي دجلة يبرز تألق لاعبيه في البطولات المختلفة.. أبرزها التايكوندو والإسكواش    محافظ المنوفية: 550 مليون جنيه استثمارات لتطوير التعليم بالمحافظة    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة يناير 2026    4 أفلام في 2025.. مصطفى غريب يحصد جائزة أفضل ممثل كوميدي من «دير جيست»    لهذا السبب لا يستطيع أحد خداعه.. 3 صفات قوية لا يمتلكها إلا برج العقرب    صافرات الإنذار تدوي في عسقلان وأسدود بعد إطلاق صواريخ من غزة    تعرف على منصب سيد عبدالحفيظ في الأهلي بعد جلسته مع الخطيب    غياب لامين يامال.. قائمة برشلونة لمباراة خيتافي في الدوري الإسباني    التعليم العالي: مؤتمر دولي بمدينة الأبحاث العلمية يناقش أحدث التطورات في أبحاث السرطان والعلوم الطبية الحيوية    مدينة الدواء "جيبتو فارما".. أمان دوائي لمصر واستثمار في صحة المواطن| فيديو    عادات يومية تهدد قلبك وتقلل من إنتاج «أكسيد النيتريك»    مواقيت الصلاه اليوم الأحد الموافق 21 -9-2025 في سوهاج    يخفض حرارة الجو إلى النصف.. 8 صور لقطار فيلارو فائق السرعة قبل تشغيله    تقديم مباراة الأهلي وكهرباء الإسماعيلية بالدوري لدعم المنتخب الوطني    سعر الحديد اليوم الأحد 21 -9- 2025.. الأسعار مستقرة    أستراليا تعلن اعترافها رسميًا بدولة فلسطين    موعد صلاة العصر.. ومن دعاء الصالحين بعد ختم الصلاة    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم الاحد 21-9-2025 في محافظة قنا    تنورة وعروض فنية.. مدارس دمياط تستقبل العام الدراسي الجديد.. ولجنة وزارية تتفقد مدارس المحافظة (فيديو)    وكيل «تعليم بورسعيد» يشهد أول طابور صباحي بالعام الدراسي الجديد (فيديو)    انطلاق برنامج "بالعبرى الصريح" مع هند الضاوي على القاهرة والناس    المدرسة القرآنية بقرية البعيرات تحتفل بتوثيق ختام القرآن الكريم.. فيديو وصور    وائل جسار يعيش انتعاشة غنائية شتوية بين لندن وباريس والمغرب وأمريكا    أمين الفتوى يوضح أوقات استجابة الدعاء    توزيع البلالين والأعلام على التلاميذ يتصدر مشهد أول يوم دراسة ببني سويف    رغم العراقيل الإسرائيلية.. قوافل "زاد العزة" تواصل طريقها من مصر إلى غزة    موقع عبري: إصابة 8 جنود بانقلاب آلية عسكرية إسرائيلية على مشارف مدينة غزة    «أغلى من الياقوت».. مي كمال تكشف تفاصيل علاقتها بأحمد مكي وترد على الشائعات    لم يزره أحدًا منذ أيام.. العثور على جثة متحللة لموظف في شقته بالبحيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جماهير قوات السبايا
نشر في المصريون يوم 20 - 11 - 2009

حرب الشوارع التي تعرض لها المشجعون المصريون في شوارع الخرطوم من قوات "الدرك" الجزائرية، قدمت مؤشرا حقيقيا عن انكماش مصر إلى داخل حدودها الاقليمية، وإهمال امتدادها الاستراتيجي، حتى أن عشرة آلاف من قوات الدرك جاءوا على متن طائرات حربية، استطاعوا أن يحتلوا بسهولة معظم خطوط سير البعثة المصرية، وكادوا يذبحونهم جماعيا بقلب بارد، بطريقة ذبح النساء والمسنين والأطفال في أحراش وقرى الجزائري في ذروة الحرب ضد الجماعات الإسلامية.
كنا نظن أنه لا تزال لنا بقايا وجود في السودان. عندما نريد أن نطمئن يقال لنا إن معظم المصريين المقيمين في الخرطوم وبعض المناطق السودانية، يمكن تصنيفهم تحت بند "جهة أمنية".
أكره الوجود الأمني كما أكره العقرب والثعبان والطريشة، فاحتلال القلوب والنفوس الشقيقة بالحب أفضل وأجدى تريليون مرة. لكن لا بأس في حالة السودان إذا كان الهدف حماية عمقنا الطبيعي، وعمقهم أيضا متمثلا في مصر، فإذا لم يكن لنا وجود في السودان فلن نستطيع حماية نهر النيل العظيم الذي تريد مطامع كثيرة الآن قطعه عنا وعنهم، ليجف الزرع والضرع، وتموت مصر والسودان، وينشطران من حتة واحدة إلى مليون حتة!
اكتشفنا أننا مهزومون في الحب وفي الأمن. الدرك الجزائري وصل قبل ثلاثة أيام من المباراة واتخذ أماكنه الاستراتيجية بمهاراته الإجرامية المعتادة، ونحن في مصر لا حس ولا خبر. سفيرنا في الخرطوم كأن بعوضة النوم لدغته، بقي متمتعا بالنوم في العسل، وعندما ظهر قبل المباراة بيوم في عاصمة أصبحت كأنها ولاية جزائرية، قال لنا: كله تمام!
ولم نجد الحب الذي توقعناه، كأننا نفتش عن خيط دخان في قلوب نصفنا الثاني السودانيين. هل هذه الكراهية سببها أنهم ظنوا أن منتخب مصر يمثل نظامها السياسي الذي وقف مؤيدا للبشير قائد حرب الإبادة ضد مسلمي دارفور، لسبب وحيد أنهم ليسوا عربا!
تعامل إعلامنا حتى الإسلامي منه مع مشكلة دارفور بعنصرية "عربية". فما دام الذين يقتلون من القبائل الأفريقية السوداء، فهم يستحقون القتل والسحل الخطف وسبي نسائهم والاعتداء عليهن.
حدث هذا كثيرا.. وظننا أن السودانيين مثلنا، يقفون مع نظامهم في كل شئ ويبايعونه على حلوه ومره بعنصرية القبيلة والعشيرة، لكنهم في الحقيقة غير ذلك، فهم يدركون خضوعهم لنظام ديكتاتوري دموي كان يجب أن يمثل للتحقيق الدولي في جرائم ثابتة ضده، والشعب السوداني بطبعه مقاوم للديكتاتورية وللظلم، له تجارب قوية مع الحكومات الديمقراطية تتفوق على مصر رغم الفارق الطويل في عمر الدولة المستقلة في كل منهما.
تحدثت مع بعض السودانيين من نخبة المثقفين قبل المباراة فشرحوا لي كيف أن قطاعا واسعا فسر اختيار اتحاد الكرة المصري للسودان على أنه اختيار من النظام السياسي المصري لتعضيد شرحه في السودان وإظهاره دوليا واحة أمن ورخاء وسلام، ورغم ذلك ظهرت لافتات تدعو الفريق الفائز لزيارة دارفور ومشاهدة المواجع فيها.
في الحقيقة ما تفعله قوات تابعة للخرطوم في أهل قبائل دارفور الأفريقية يماثل تماما ما كانت تفعله قوات الدرك الجزائرية في سكان الجبال في بلد المليون شهيد.
من ثم لم يكن مستغربا أن يهتف ضدنا كثيرون من أهل البشرة السمراء الأفريقية، الذين يستعلي عليهم النظام السوداني ويذبح فيهم في دارفور، وهو استعلاء عسكري يوازي الاستعلاء الاعلامي في مصر على من ينتمون لتلك البشرة من أهل النوبة الذين يمثلون جزءا عزيزا وراقيا منا، ومع ذلك تركنا أمثال هيفاء وهبي تشبههم بالقرد، وظللنا طوال عقود من الزمان، ربما منذ أربعينيات القرن الماضي، نكرس صورتهم سينمائيا وتلفزيونيا في البواب العبيط أو الجرسون الذي يعمل لدى علية القوم.
لم نر الحب في الخرطوم لأنهم بدورهم أحسوا أن تلك الجماهير التي جاءتهم يمثلون الطائفة المخملية المدللة.. كوكبة من فنانين وفنانات ومذيعات، بعضهن من اللبنانيات، مع احترامي لهن، ولا يمثلون المصري الفلاح أو الصعيدي أو النوبي.
من هنا كان جنيهان سودانيان يعادلان 4 جنيهات مصرية وزعته قيادات الدرك الجزائري على سائقي التوك توك وبعض الجماهير السودانية كفيلة بتحويل الخرطوم إلى مقبرة لكل من يحمل علم مصر أو يرتدي ألوانه!
ومع هذا لا ينبغي أن نهين القوات السودانية التي وجدت نفسها في مواجهة قوات درك مدربة حملهم السلاح الجوي الجزائري من مواقعهم إلى مواقع استراتيجية في الخرطوم.. فقد تعاملت معهم بامكانياتها المحدودة واستطاعت في النهاية السيطرة عليهم.
ومعلوماتي هنا أن السودان طلبت قبل يوم من المباراة بأن ترسل مصر قوات خاصة بعد شعورها بأن قوات جاءت من الجزائر وسيطرت على أم درمان، لكنهم فوجئوا بأن القوات الخاصة المصرية خصصت لحماية مجموعة من القيادات واعضاء مجلس الشعب ورجال أعمال وعادت معهم فور انتهاء المباراة.
قوة الدرك الجزائري وأهدافه وصلت للقاهرة عبر معلومات نقلتها الخرطوم، لكنها لم تحرك ساكنا، في حين أن السودانيين تحركوا وقاموا بتأمين فوري للمصالح المصرية من متاجر ومكاتب وسفارة وغير ذلك، ولولا ما فعلته لتحولت كلها إلى أثر بعد عين والتهمتها الحرائق.
وبسبب المعلومات المسبقة كانت قيادات الشرطة السودانية تطلب من المصريين الذين نجحوا في الاختفاء داخل بعض البيوت عدم الاعلان عن أماكنهم في استغاثاتهم للفضائيات حتى لا يصل إليهم رجال الدرك.. والسؤال هنا: هل يتابع هؤلاء الفضائيات أثناء مطاردتهم للمصريين في الشوارع، أم على اتصال بجهات معينة في الجزائر أو داخل الخرطوم نفسها تلقي إليهم الأوامر؟!
لابد من تحقيقات أمنية على أعلى مستوى في تلك النقطة.. فالأمر لا يكفيه استدعاءات للسفير الجزائري والآخر المصري لمجرد امتصاص هوجة الرأي العام، ولا بضعة عشرات يتظاهرون أمام سفارة الجزائر في القاهرة.
لماذا سكتنا في البداية عندما قرر السودان السماح لقوات الدرك الجزائرية بالدخول؟.. ولماذا لم نقف أمام القرار الذي سبق ذلك وهو دخول المشجعين الجزائريين بأي عدد وبدون تأشيرة واعفاؤهم من الرسوم.. وما من الذي وضع فينا سد الحنك، فلم نحترس والأخبار تتوارد إلينا من جنوب وادي النيل بأن أكثر السلع رواجا في متاجر الخرطوم طوال ثلاثة أيام قبل المباراة، هي السكاكين والمطاوي والسيوف والشماريخ!
كأننا لا نرى ولا نسمع. تركنا النساء تسافر بدون حماية كأنهن يتنقلن في القاهرة. قالت إحدى المشجعات إن الجزائريين أجبروها على خلع ملابسها الحمراء وإلا ستتعرض للضرب، فأضطرت إلى أن تستتر بسيارة لتفعل ذلك.. أي رعب هذا الذي ندفع إليه الناس جريا وراء مشروع قومي وهمي مستغلين مشاعر الانتماء الحقيقية للوطن التي فطروا عليها؟!
كتبت قبل المباراة محذرا من الدرك الجزائري.. لكن أحدا لا يقرأ ولا يسمع. في جبال الجزائر يعيش آلاف الأبناء الذين أنجبهم جنود الدرك من السبايا اللاتي خطفن من بيوتهن وأزواجهن وعائلاتهن، وكانت هذه التهمة تلصق بالجماعات الإسلامية، بينما حاميها في الحقيقة هو حراميها، وهم هؤلاء المجرمون من الدرك الذين أوكلت لهم مهمة الدفاع عن أمن القرويين.
قضية سبايا الجبال في الجزائر مفتوحة حتى الآن ولا يمكن للزمن أن يضمد جراحها، فالأبناء الجوعى المشتتون الذين لا يعرفون شيئا عن آبائهم شهود على ذلك، والنساء عاد بعضهن إلى بيوت أسرهن، لكنهن يعشن كوابيس يومية مع ذكريات مريرة لعسكري أو ضابط الدرك الذي خطفها من زوجها أو حضن أولادها.
في ظل الهوجة الدائرة حاليا نضع مشكلتنا كلها في جريدة عادية كان من الممكن أن لا يقرأها أحد لولا قنواتنا الخاصة التي تعتمد على مجموعة من الاعلاميين الهواة الذين أصبحوا بقدرة قادر يصنفون ضمن كبار الاعلاميين!
ثم أن الهوجة الحالية يقودها اعلاميون كانوا بالأمس فقط يقودون حملة "وردة لكل جزائري" وعلى رأسهم الزميل مجدي الجلاد رئيس تحرير "المصري اليوم" الذي كان يقول شعر مديح جاهلي في جريدة الشروق الجزائرية، والآن يظهر في القنوات الفضائية وآخرها ليلة الخميس في قناة المحور ليقول أبيات من الشعر الجاهلي في الذم والقدح والسباب لكل ما هو جزائري، والتهديد بارسال قوات خاصة من مائة شخص لاعتقال كل جماهير الجزائر التي كانت في السودان.
أكاد أجزم بأن الزميل لا يعرف شيئا وأنه كتب مقالاته وآرائه من الورد والفل والذي منه في البداية خدمة لمصالح شركات نجيب ساويرس في الجزائر، وعندما أصبحت مهددة فعلا وتوقفت عن العمل وهاجمها الجزائريون، وفرضت عليها أكثر من خمسة مليارات دينار جزائري ضرائب، انقلب إلى الضد بابتسامة باهتة لكنها غير خجولة عندما سأله أحد المتصلين عن سبب الورد الذي كان يحمله في البداية وكيف تحول إلى شوك لا يستطيع أن يلمسه أحد حاليا، فقد وصف كل الشعب الجزائري بأنه همجي.. أخذ الصالح بالطالح!.. هل هذا يصح؟!
للأسف الشديد الأزمة قائمة وستزيد سوءا ما دمنا نسلم أنفسنا للمهيجين والمخمليين ورجال الأعمال وصحافتهم وصحفييهم، وللسطحية والسذاجة.
خسرنا الجزائر وكرامتنا. هزمنا الغوغائيون ورقعونا علقة على البيعة لأننا واجهناهم بغوغائية ونزلنا من برج الدولة الكبيرة إلى خمارات المنتفعين الفاسدين المهيجين.. ونخسر الآن السودان شعبا وقلوبا.. وسنخسر كل العرب.. وسنتقوقع داخل مصر أكثر وأكثر!!
والمصيبة أننا فقدنا ذاكرة الأمن أيضا؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.