لعله أهم اختراع فى مسيرة الحضارة الإنسانية، فالمطبعة كانت الباب الأكبر الذى انطلقت منه مسيرة الحضارة بخطى واسعة نحو التقدم الإنساني، وتعود بداياتها إلى عام 1045م، حين قام طبّاع صيني يدعى "بي شنغ"، بصنع أول حروف متحركة، حيث قام بتشكيل كل حرف من قطعة منفصلة من الصلصال، ولم يتطور استعمال هذا النوع من الحروف، لأن اللغة الصينية بها الآلاف من حروف الهجاء، فكان لزامًا على الطباعين أن يصنعوا أعدادًا كبيرة من القطع، لذلك فضلوا الطباعة من القوالب الخشبية. وبينما كان أهل الشرق يقومون بالطباعة من هذه القوالب، كان الناس في أوروبا ما زالوا ينسخون كتبهم يدويًا، وأفنى أفراد كثيرون حياتهم في دأب شاق، وهم ينسخون الكتب بالريش والأقلام التي يبرونها من سيقان النباتات، واكتشف الأوروبيون الطباعة بالقوالب الخشبية، وأقدم نسخة مطبوعة من قالب خشبي كانت صورة سانت كريستوفر، وطُبعت في عام 1423م، وفي ذلك الوقت بدأ الأوروبيون في إنتاج الكتب المطبوعة بطريقة القوالب، وهي مجلدات تضم رسومًا مطبوعة. في تلك الأثناء بدأ عصر النهضة يجتاح أوروبا، وبازدياد الرغبة في المعرفة ازدادت الحاجة إلى الكتب، ولم يكن بمقدور النسخ اليدوي وطباعة القوالب الخشبية أن يفيا بالطلب المتزايد على الكتب، ثم جاء حل المشكلة عن طريق الحروف المتحركة. بدأ الألمانى يوهان جوتنبرج (1398 1468) ومعاونوه باستعمال حروف معدنية منفصلة للطباعة البارزة، وكانت أول تجربة ناجحة فى مثل هذا اليوم عام 1440م، ثم طور جوتنبرج مطبعة من آلة كانت في الأصل معصرة للكروم، وأعد حروفه المعدنية داخل إطار ثم قام بتحبيرها، ووضع عليها لوحًا من الورق، وبعد ذلك أدار عمودًا لولبيًا ضخمًا من الخشب دافعا به لوحا خشبيا على الورق، واستطاعت مطبعة جوتنبرج إنتاج حوالي 300 نسخة يوميًا، وفي عام 1456م تم طبع نسخة جوتنبرج الشهيرة من الإنجيل، ورتبت متونها في أعمدة كل منها يتكون من 42 سطرًا من الأحرف المصفوفة. ارتاب كثير من الناس في أن الفن الطباعي الجديد كان من أعمال السحر الأسود الشيطانية، فلم يكن بمقدورهم أن يتصوروا إمكانية إصدار الكتب بتلك السرعة، وأن تتشابه نسخها بذلك القدر، ولكن بالرغم من خوفهم فقد انتشرت الطباعة بسرعة مذهلة، وبحلول عام 1500م كان بأوروبا مايربو على الألف مكان للطباعة، وعدة ملايين من الكتب.