لا شك أن زيارة أحمدى نجاد للقاهرة مثلت لحظة تاريخية فى العلاقة بين النظام الإيرانى وبين مصر لكونها الزيارة الأولى لرئيس إيرانى إلى مصر منذ قيام ثورة الخومينى فى 1979، وعلى مدى 34 عاماً ظلت العلاقة بين البلدين فى أدنى مستوياتها، فقد أعلن السادات عداءه للجمهورية الإيرانية منذ أن تم إقصاء الشاه وحافظ المخلوع على نفس الخط العدائى، وكان طبيعياً أن تنقطع العلاقات بين البلدين فى ظل دور مصر كركيزة للمحور الإسرائيلى الأمريكى وكعراب للسلام الصهيونى طوال العقدين الأخيرين، مثلت إيران دوماً عدواً فى الخطاب الإعلامى الحكومى، وكانت هى الشماعة التى علقت عليها الكثير من المؤامرات الوهمية، وفى ذات الوقت لم تتخل إيران يوماً عن طموحها فى وصل أواصر الود مع مصر، وأخيراً وجدت فى الثورة المصرية فرصة هائلة فى تطبيع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع النظام المصرى الجديد بعد الثورة، وجاءت زيارة الرئيس مرسى لطهران فى أغسطس الماضى لتفتح الباب واسعاً أمام الإيرانيين للولوج إلى القاهرة وتطبيع العلاقات معها ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً، مما يدعو للتساؤل: هل أضحى الإيرانيون فى سبيلهم إلى اختراق العمق المصرى بالفعل؟ - بداية فإن زيارة الرئيس مرسى إلى طهران جاءت فى إطار حضوره لقمة عدم الانحياز، وبالمثل جاءت زيارة نجاد للقاهرة فى إطار حضوره لمؤتمر منظمة التعاون الإسلامى، فلم يكن هنالك زيارات بصفة ثنائية، وهو ما ينزع عن الزيارتين صفة الودية والحميمية، كما أن مستوى التمثيل الدبلوماسى بين البلدين لم يتطور، فما زال فى مستواه الأدنى فليس لمصر سفارة فى طهران، بل ما زالت (بعثة رعاية مصالح)، وهو ما يعنى عدم وجود رغبة مصرية واضحة فى تطوير العلاقات مع طهران بشكل جدى، على الرغم من الإلحاح الإيرانى المتواصل على تطبيع العلاقات بين البلدين. - جاء افتضاح المواقف الإيرانية الطائفية والتوسعية خلال ال10 سنوات الأخيرة ليفقدها دعم الإسلاميين السياسى، منذ دعمها لغزو العراق ثم سيطرتها عليه عبر عملائها، ولا ننسى هنا التصريح الشهير لرافسنجانى ((لولا دعمنا للأمريكان لما استطاعوا احتلال أفغانستان أو العراق))، ثم مشاركتها فى تذبيح أطفال سوريا ووأد الثورة السورية حتى لا يسقط بشار المجرم ونظامه العلوى الطائفى، وهو ما أدى إلى انقلاب فى موقف الحركات الإسلامية، وخاصة الإخوان المسلمين من التعاطف مع النظام الإيرانى فى وجه نظام صدام حسين فى حرب الخليج الأولى (1980-1988)، إلى اكتشاف مدى طائفيته وإجرامه فى مذابح العراق وسوريا، وهو ما ظهر بوضوح فى خطاب الرئيس مرسى فى طهران فى أغسطس 2012، الذى أكد فيه على حتمية سقوط نظام بشار المجرم، وعلى إدانة كل من يدعم هذا النظام، بالإضافة لترضيه على الصحابة الأخيار ما يشير إلى إشارته لضرورة توقف مراجع الشيعة عن مباركتهم لسب الصحابة وأمهات المؤمنين. - كان واضحاً للإيرانيين حجم الرفض الشعبى والرسمى لزيارة نجاد للقاهرة، وهو ما تمثل بوضوح فى موقف شيخ الأزهر ومتحدثه الرسمى الشيخ حسن الشافعى الذى أحرج نجاد خلال المؤتمر الصحفى حين صرح ((أن الطيب أكد رفضه المد الشيعى فى بلاد أهل السنة والجماعة"، وطالبه بعدم التدخل فى شؤون دول الخليج، وباحترام البحرين كدولة عربية شقيقة، وكذلك بضرورة العمل على إعطاء أهل السنة والجماعة فى إيران، خصوصاً فى إقليم الأهواز حقوقهم الكاملة كمواطنين، كما طالب الطيب نجاد باستصدار فتاوى من المراجع الدينية تجرّم وتحرّم سب "الصحابة" حتى يمكن لمسيرة التفاهم أن تنطلق))، ومع قيام مظاهرات تندد بالزيارة بجانب حدوث محاولتين للاعتداء على نجاد مما يصعب معه التهوين من حجم السخط الشعبى على السياسات الإيرانية الطائفية فى المنطقة. - لماذا تتجه مصر لتحسين العلاقة مع إيران؟ الأمر متعلق أولاً باستقلال القرار الوطنى ووجود مصالح مشتركة اقتصادية وتكنولوجية يمكن تحقيقها من التعاون مع إيران دون قبول بوجود اختراق شيعى للمجتمع المصرى أو إلحاق مصر فى ركاب الحلف الشيعى العلوى، ولا ننسى هنا تصريح الرئيس مرسى فى زيارته الأولى للسعودية: (إذا كانت السعودية هى راعية المشروع الإسلامى السنى فإن مصر هى حامية هذا المشروع)، ويمكن تشبيه الأمر بعلاقة مصر بالاتحاد السوفيتى فى منتصف القرن ال20، فلم نكن نملك خياراً إلا الاعتماد على السلاح السوفيتى، ولو حكم مصر نظام إسلامى فى ذاك الوقت، لقام بنفس الأمر فى وقت تدعم فيه أمريكا إسرائيل دعماً غير محدود، بالرغم من الاختلاف الكامل مع الشيوعية الملحدة التى قتلت المسلمين فى أواسط آسيا وبعثت بهم إلى معسكرات الاعتقال فى سيبيريا، وهكذا فإن تكوين علاقات براجماتية مع إيران لا يعنى القبول بمذهبها الدينى أو السماح بتغلغله فى مصر، كما لا يعنى مباركة مواقفها المجرمة ضد أهل السنة فى العراق وسوريا، ولا ننسى هنا أن الرئيس الإيرانى يستقبل بكل الحفاوة والتكريم فى عواصم دول الخليج، وعلى رأسها الرياض، وأن التمثيل الدبلوماسى بينهم على مستوى السفارات وحجم التبادل التجارى بين إيران ودول الخليج فى 2012 تجاوز ال30 مليار دولار. - هل تيأس إيران من اختراق مصر؟ بالطبع لا، فالاختراق الشيعى للمجتمع المصرى عبر تمويل الجمعيات الشيعية وعبر استقطاب الصحفيين والإعلاميين والسياسيين جارٍ على قدم وساق، ويبدو أن الإيرانيين قد خسروا كثيرا بصعود الإسلاميين إلى سدة السلطة فى مصر على حساب حلفائهم التقليديين من اليساريين والناصريين (التجمع – الناصرى – الكرامة)، (سامح عاشور – أحمد حسن – صباحى – السناوى.. وغيرهم)، الذين يجاهرون بدعمهم لنظام المرشد خامنئى!! وبرفضهم لسقوط نظام الأسد المجرم!! والخلاصة.. فإن إيران لن تكف عن محاولات اختراق العمق المصرى، لكن الأهم أن تحدد مصر ماذا تريد من العلاقة مع إيران؟ وكيف تؤسس لسياسة خارجية وطنية مستقلة عن الهيمنة الغربية وحصينة تجاه الاختراق الإيرانى. @ShahinFawzy