استرعت زيارة الرئيس الايراني أحمدي نجاد لمصر الانتباه ليس على المستوى المصري والايراني ، ولكن على المستوى الدولي أيضاً ، نظراً لانها الزيارة الأكبر والأهم منذ انقطاع العلاقات بين مصر وإيران عام 1979 بعد زيارة قام بها الرئيس مرسي لإيران للمشاركة في قمة "عدم الانحياز"، حيث تعد زيارة نجاد الأولى لرئيس إيراني للقاهرة منذ نحو 34 عاماً. وتأتي تلك الزيارة بعد ان شهدت العلاقات بين القاهرةوطهران جموداً في العقود الأخيرة خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك ، إلا أنها اتخذت صعوداً بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وشهدت جهوداً لإعادتها إلى مسارها الطبيعي، كان آخرها فتح مصر لكود الاتصالات لأول مرة منذ سنوات مع إيران ، ومن واقع سجلات مطار القاهرة طوال العقود الماضية تعد زيارة نجاد الأولى لرئيس إيراني منذ عهد شاه إيران والثورة الإسلامية 1979 .
إلا أن تلك الزيارة لم تلقى ترحيباً من البعض ، وهناك من دعا لتظاهرات مناهضة لتلك الزيارة ، إلا أن هناك من يرحب بها باعتبارها فرصة لاستعادة العلاقات بين البلدين . إعادة العلاقات
وتأتي زيارة نجاد بناءً علي دعوة رسمية تلقاها من مرسي للمشاركة في القمة الإسلامية. ويعتقد أن هذه الزيارة قد تمهد لعودة العلاقات بين البلدين، فقد أعلن الرئيس الإيراني قبل مغادرته طهران أنه سيحاول "فتح الطريق أمام تطوير التعاون بين إيران ومصر". وعقب توليه منصبه في يونيو / حزيران الماضي، أشار الرئيس محمد مرسي في عدة مناسبات إلى رغبة مصر في تحسين العلاقات مع إيران، مشددًا في الوقت ذاته على أن ذلك لن يكون على حساب أمن الخليج الذي تتميز علاقات بعض دوله بالتوتر مع إيران.
من جانبه، أطلق الرئيس الإيراني تصريحات ودية تجاه مصر منذ قيام ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، مؤكدًا على رغبة بلاده في الاستثمار فيها، وعلى أن قوة العلاقات بين البلدين قادرة واتفاقهما على تحرير فلسطين سيؤدي إلى هذا التحرير، بحسب قوله.
واهتزت العلاقات بين مصر وإيران عقب توقيع مصر اتفاقية سلام مع إسرائيل وقيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 التي احتفت بخالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، وأطلقت اسمه على أحد أكبر الشوارع فيها.
ولا توجد علاقات على مستوى السفراء بين البلدين،حيث يقوم بإدارة الأعمال الدبلوماسية في القاهرة قائم برعاية المصالح الإيرانية، وبنفس مستوى التمثيل توفد مصر قائم برعاية المصالح المصرية في طهران.
دعوات للتظاهر
وقد دعت العديد من الائتلافات والحركات الإسلامية لوقفة أمام سفارة إيرانبالقاهرة عصر الأربعاء، للتعبير عن رفضهم لزيارة أحمدي نجاد لمصر وقالت الحركات الموقعة على بيان الدعوة والتي أبرزها الحزب الإسلامي، إئتلاف المسلمين للدفاع عن الصحابة وال البيت، حركات ثوار مسلمون وأمتنا وصامدون وعائدون إلى الشريعة، السلفيون الثوريون، "عارا علينا ان نسمح للسفاح احمدى نجاد ان يدنس بقدمه ارض مصر الطاهرة قاتل المسلمين فى سوريا و فى الاحواز راعى إمبراطورية الشر الشيعية راعى سب الصحابة و امهات المؤمنين رضى الله عنهم اجمعين".
وقال يحيي الشربيني منسق حركة ثوار مسلمون أن وقفتهم تأتي ثأرا لأمهات المؤمنين ودفاع عن عرض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ودفاعا عن صحابته الاطهار ابى بكر وعمرو وعثمان رضى الله عنهم.
يأتى هذا فى الوقت الذي لاقت فيها الدعوة إعتراضا من بعض المنتمين لهذه الحركات حيث قال "أبو الحج حسين" :أن مرسي ذهب لزيارة إيران وتم إستقباله إستقبالا حافلا على الرغم من أنه خطب خطبة اهانتهم جميعا فى عقيدتهم ولم يسيئوا له، إضافة إلى أن المصريين شعب بطبيعته ليس عدائي وأن هناك مصالح سياسية مشتركة مع إيران فهم زراع ردع لامريكا واسرائيل ولديهم ما ينقصنا من السلاح".
وقال أحمد الحلوانى أن مرسى اعلن سنتة هناك اول الخطبة واعلن امام الجميع دفاعة على احرار سوريا ضد بشار متمنيا أن يستطيع مرسي الضغط على إيران بعدم مساعدة بشار ومطالبا ترك الرئيس يعمل دون تعطيل أو مشاحنات أو قلاقل تنقل صورة سيئة لمصر لدى العالم.
رفض الزيارة
من جانبها أصدرت الدعوة السلفية بياناً أكدت فيه رفضها للزيارة ، وأنها تأتى في ظل المخاوف الكثيرة من تجاوز الغرض المعلن للزيارة من حضور اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي إلى تقارب سياسي قد يأتي على حساب مصالح عليا لمصر، ولأهل السنة والجماعة الجسد الأصلي للأمة الإسلامية.
وطالب البيان برفض الطلب الإيراني الخاص بزيارة نجاد إلى ميدان التحرير لما يحمله الكثير من الرسائل السلبية، لاسيما في تلك الظروف الحرجة التي تشهدها البلاد، ، مناشدا أن لا تكون جولة الرئيس الإيراني في المساجد والأماكن التي يزعم الشيعة أنها تمثلهم وإلا لاعتبرت هذه سقطة تاريخية للدبلوماسية المصرية.
وطالبت الدعوة السلفية الرئيس محمد مرسي، بتحريم زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد الى المساجد وميدان التحرير. كما حذرت الدعوة السلفية من تجاوز زيارة الرئيس الإيراني لمصر للغرض المعلن عنه من حضور اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي، إلى تقارب سياسي قد يأتي على حساب مصالح عليا لمصر ولأهل السنة والجماعة، الجسد الأصلي للأمة الإسلامية.
وطلبت الدعوة ضرورة أن تتحدث مصر مع الرئيس الإيرانى بوصفها أكبر الدول السنية، ويجب ألا ينسى أن التزام مصر بحماية كل الدول السنية من أى اختراق سياسي أو ثقافى أو عسكري جزءٌ من التزامات مصر الدولية، ثم هو جزء من برنامج الدكتور محمد مرسى الانتخابى.
كما طلبت أيضا ضرورة أن تتم مواجهة الرئيس الإيراني بملف اضطهاد أهل السنة فى إيران وملف سوريا ومدى مسئولية النظام الإيرانى عن قتل النساء والأطفال هناك، عن طريق الدعم العسكري والسياسي لنظام بشار الأسد.
ضوء أخضر
وأكد محمد نور المتحدث الرسمي باسم حزب الوطن - رفضه لزيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لمصر لحضور قمة التعاون الإسلامي ، والتي من المقرر أن تعقد يومي الأربعاء، والخميس المقبل. وأشار إلى أن الزيارة في هذا الوقت بمثابة ضوء أخضر للتغلغل الشيعي في مصر ، وهو أمر مرفوض ، خاصة وأن الموقف الإيراني واضح من القضايا العربية كسوريا ولبنان .
وأضاف "نور" أننا لا نمانع من إقامة علاقات مع إيران ولكن بعد احترامها لحقوق أهل السنة في إيران ، واحترامها لأهل البيت ، فضلا عن دعمها للشعوب الإسلامية ، مشيرا إلى أن الحزب لم يقرر بعد ما إذا كان سيكون هناك فعاليات سلمية في الشارع لرفض الزيارة آم لا ، مؤكدا أن أي تظاهر سلمي هو حق مكفول للجميع . من جانبه وصف الناشط السياسي الدكتور حازم عبد العظيم زيارة أحمدي نجاد ولقاءه مع الرئيس محمد مرسي بانه لقاء التقية الشيعية المتمثلة في نجاد والتقية السنية الاخوانية المتمثلة في مرسي .
تداعيات الزيارة
هذا وقد حذرت القوى الوطنية من الآثار المترتبة على زيارة نجاد للقاهرة مؤكدين أن تلك الزيارة تأتي في إطار الخطة الإيرانية لاختراق مصر ، بالإضافة إلى أنها فرصة ذهبية لها لنشر المذهب الشيعي ، لافتين إلى أن جماعة الإخوان لن تسعى إلى تطوير العلاقات مع إيران بشكل كامل حتى لا تغضب الجانب الأمريكي، وأن الهدف من الزيارة من جانب القاهرة هو توجية رسالة للغرب بعدم الضغط على جماعة الإخوان في ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
أكد سمير غطاس رئيس مركز مقدس للدراسات - أن الزيارة تأتي في إطار حضور مؤتمر القمة الإسلامية وليست زيارة خاصة لمصر ، وتشبه إلى حد كبير زيارة مرسي إلى طهران ، التي استمرت أربع ساعات في إطار تسليم مصر لقيادة دول عدم الانحياز، مضيفًا أن مرسي حاول خلالها ارسال رسالة هامة وهي أنه معبر عن السنة العرب من خلال التعبيرات في خطابه؟.
وأكد غطاس أن إيران تخترق مصر من خلال طريق آخر وهو إرسال خلية حزب الله، والتي تم زرعها في مصر ليس لدعم الفلسطينين في غزه كما ادعوا لأنهم ليسوا في حاجه لذلك، وإنما تأتي لبناء قواعد ارتكاز لإيران في سيناء وهى موجودة حتى الآن ولها علاقات مرتبطة بفيلق القدس بقيادة "سامي شهاب" الذي تم تحريره من السجون المصرية، وسافر إلى السودان ثم لبنان وبالتالي فالهدف هو بناء قواعد اتكاز جديدة.
وقال إن هناك طريقًا آخر للسيطرة الإيرانية وهو تهريب الأسلحة عبر ممر السودان والتي اعترفت به الأخيرة، وإسرائيل نفسها قامت بقصف قواعد السلاح، مؤكدًا أن إيران لم تكف عن ذلك، فبالتزامن مع زيارة نجاد لمصر ضبطت اليمن سفينة أسلحة مرسلة للحوثيين ضد نظام اليمن فهى تحاول إرسالها لإثارة القلاقل ومحاولة أن تلعب دورًا إقليميًا وتكون الدولة المحورية الأولى بديلاً للعرب وإسرائيل.
وعبر السفير حسين هريدى مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الآسيوية عن عدم اعتقاده فى أن يكون لهذه الزيارة تأثير كبير فى تطوير العلاقات بين البلدين، وقال "هذه الزيارة تأتى فى أطار مشاركة نجاد فى القمة الإسلامية"، لافتا إلى أن الإطار الإقليمى الذى يحكم العلاقات المصرية الإيرانية لم يتغير؛ بسبب تحالفات مصر الدولية، وبالتالى فإنه من غير المتوقع أن تسفر الزيارة عن جديد فى العلاقات.
مجرد تلويح
وقال الدكتور عماد جاد نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام - إن زيارة نجاد للقاهرة بناءً على دعوى من الدكتور مرسي، والهدف منها توجية عدة رسائل من قبل جماعة الإخوان المسلميين التي تتصدر المشهد السياسي إلى الغرب، ومنها إذا استمر الضغط الخارجي على النظام المصري في مجال الحريات ومطالبته بالديمقراطية فسوف يتجه إلى إقامة علاقات مع العدو الاستراتيجي للغرب وهو إيران.
ولفت جاد أن الزيارة لا تعدو أن تكون مجرد تلويح فقط بإقامة علاقات ولكن لن يتطور إلى تطبيع كامل مع إيران بسبب الخلافات المذهبية العميقة بين إيران والإخوان ولسبب آخر هام هو حرص جماعة الإخوان على عدم إغضاب الجانب الأمريكي.
وعلى المستوى الدولي قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند :"إن زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لمصر فرصة للحكومة المصرية لإعطائه نفس الرسائل القوية التي يقدمها المجتمع الدولي حول سلوك إيران النووي وسلوكها الإرهابي".
ونوهت نولاند خلال المؤتمر الصحفي للوزارة الإثنين، بأن الرئيس محمد مرسي كانت لديه مخاوف قوية جدا إزاء السلوك الإيراني.
زيارة رمزية
وفي تعليق اسرائيل على الزيارة ، زعم الدكتور يرون فريدمان، أستاذ العلوم السياسية والشئون الإسلامية في معهد التيخنون الإسرائيلي الشهير أن الزيارة المقررة للرئيس الإيراني أحمد نجاد إلى مصر لا تمثل أي خطر أو تهديد على إسرائيل كما يروج البعض.
وقال فريدمان في مقال له بموقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن هذه الزيارة في النهاية رمزية فقط، وسيأتي أحمد نجاد لحضور مؤتمر القمة الإسلامية الذي يعقد وللمرة الأولى في مصر من أجل دعم المؤتمر والتأكيد فقط على مساعي إيران الحثيثة للتواصل مع مصر، إلا أن الواقع السياسي المصري أو الإيراني لن يخدم هذا الهدف ولن يؤدي إلى وجود أي أنجاز حقيقي على الأرض يساهم في دعم العلاقات الثنائية بين الدولتين.
واضاف فريدمان إن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يواجه أزمات سياسية واقتصادية داخلية قوية، الأمر الذي دفعه إلى القيام بهذه الزيارة للتأكيد على أنه الرئيس الإيراني الأول منذ 34 عاما الذي يزور مصر، ويستغل التطورات السياسية بها من أجل توثيق العلاقة معها، ويوضح أن نجاد يأمل في أن ينهي فترة رئاسته الثانية هذه السنة بهذا الإنجاز السياسي ليس أكثر.
ويؤكد أن الكثير من القيادات الإخوانية تشك في سياسات إيران في المنطقة، وتنظر بعين الارتياب للمخططات الإيرانية الهادفة إلى نشر المذهب الشيعي في الشرق الأوسط والعالم، وهو أمر سيقف أمام اي طموح سياسي يحاول التقارب بين مصر وإيران، بالإضافة إلى هذا هناك تباينا قويا بين الدولتين خاصة في الملف السوري، الأمر الذي سيعطل أي مسعى للتقارب بين الدولتين الآن أن هناك تباينًا قويًا بين الدولتين خاصة في الملف السوري، الأمر الذي سيعطل أي مسعى للتقارب بين الدولتين الآن.
وعلى المستوى الايراني أشار سفيرها في الكويت روح الله قهرماني إلى ان "زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لمصر لا تثير قلق أحد بل يرسخ مبدأ التعاون والتعايش العربي والإسلامي"، مشدداً على ان "التقارب المصري الإيراني لا يثير قلق أحد ولا يشكل خطراً على أمن الخليج".
وفي تصريحات له لوكالة "الأناضول" التركية تعقيباً على زيارة نجاد للقاهرة قال ان "تلك الزيارة تجسد الانفتاح الإيراني على جميع الدول العربية والإسلامية"، متوقعاً ان "تفتح زيارة نجاد للقاهرة آفاقاً رحبة من التعاون بين البلدين لخدمة شعبيهما بعد فترة إنقطاع طال أمدها".
كما أشار إلى ان "إيران إنطلاقاً من رئاستها الحالية لمنظمة عدم الانحياز، تسعى لتوطيد علاقات المودة والصداقة مع العالم الإسلامي والمشاركة والتعاون الفعال مع المنظمات الدولية"، لافتاً إلى ان "التطور النووي السلمي والمنجزات العسكرية الأخيرة تصب في خدمة دول المنطقة".