كلما قرأت أو شاهدت عبر الفضائيات أزمة جديدة تلف جزءًا جديدًا من الوطن الإسلامي الفيسح استدعى الذهن حال الضعفاء من الأطفال والنساء والشيوخ في هذا البرد، ففي سوريا تتوارد الأنباء عن سقوط مئات الطيور الخضراء من الأطفال نتيجة البرد في مخيمات الجوار لوجودهم في بيئات ربما تكون أقرب للعراء! وبالرغم من الجهود التي تبذلها الحكومات العربية ومن قبلها الجمعيات الأهلية في دول الجوار، وبالرغم من جهد الأهالي الذين يمدون يد المساعدة لإخوانهم، ويفسحون لهم من بيوتهم وقلوبهم، بالرغم من كل هذا تبقى الوطأة شديدة، وشديدة جدًا على الضعفاء (الأطفال والنساء والشيوخ). وبالرغم من أن دول الجوار تبذل ما في وسعها حكومات وشعوب على المستوى الإنساني، فإن قرارًا رسميًا عربيًا يبدو مترددًا في الحسم على أرض المعركة، وذلك راجع للموقف الدولي شرقًا وغربًا الذي يتلكأ قسم منه في معاقبة سفاح سوريا، ويتصدى قسم آخر للدفاع عنه، وهو ما يفاقم أزمة الشعب الممزق والمشرد في صورة لم نكن نتخيلها! هذه الصورة المؤلمة التي نشاهدها ونعيش فصولها يوميًا في سوريا، نرى فصلًا جديدًا منها قد بدأت مقدماته بدولة "مالى" الإفريقية، ويبدو فيها الحسم الغربي، ضد المسلمين واضحًا وناجزًا وسريعًا، على عكس ما يحصل في سوريا. ومايزيد من الوطأة أن بعض الدول العربية تفتح أراضيها كمنصات للأعداء ضد البلد الإفريقي، الذي يعد جزءًا من العالم الإسلامي، في الوقت الذي تخاذلت هذه الدول نفسها عن تقديم يد العون الرسمية بجدية مع الأشقاء السوريين! إننا أمام أزمة وشدة واحدة تتكرر عبر الأزمان منذ سقوط دولة الخلافة الإسلامية متمثلة في تكالب الغرب على الوطن الإسلامي الفسيح، بمساندة داخلية ممثلة في الصمت أو تقديم القدر الذي يضمن بقاء الضحايا على قيد الحياة! إن الجديد في هذه الأزمة والشدة القديمة الجديدة، أنها تحمل شدة واحدة وتقدم لنا فائدتين، أما الشدة فمتكررة منذ زمن كما أوضحنا. وأما الفائدتان؛ فالأولى أن الأجيال الجديدة سيتولد لديها رفض موقف هذه الدول الاستعمارية، وقطع الصلة النفسية وصلة التقدير وربما الأبوية التي تم تكرسيها عبر ثقافتنا وصحافتنا حين تم تقديم الدول الغربية كنموذج للحرية والعدل والمساواة؛ بل والجمال المطلق، لأننا نكتشف يومًا بعد آخر حجم القبح الذي يلف هذه البلاد، وحجم الظلم المجحف ضد المسلمين. الفائدة الثانية وهي الأهم أن الشعوب الإسلامية تتقارب وتتوحد على موقف واحد، وعقيدة واحدة، وبدأت تقدم إرهاصات الصرخة الواحدة في وجه كل من يريد شرًا بالمسلمين في أي مكان على وجه الأرض. وبدأت هذه الشدة تعزز الشعور بمدى قوة المنهج الذي يقدمه الإسلام كأسلوب للحياة يشتمل الجمال الصافي، والعدل والمساواة والرحمة، التي ينشدها العالم المعذّب، وطالما ضلّلنا عنها العالم الغربي الذي لم تمت بداخله رغبة الفناء والهلاك، على إطلاقها ويثبت كل يوم أنه نظام إقصائيٌّ تمييزيٌّ يرى بعين واحدة، ويعصف بالضعفاء!