أعتذر لكل الأصدقاء الأعزاء من كتاب صحيفة "المصريون" الذين اتصلوا أو كتبوا لى يستبشعون عنف وتدنى تعليقات أنصار جماعة الإخوان المسلمين على مقالاتهم التى تنتقد الجماعة أو تنتقد بعض سياسات الدكتور محمد مرسى، أحدهم قال لى أمس هاتفيًا من خارج مصر: لم أكن أتصور أنهم يحملون كل هذا التطرف والتعصب الأعمى، وأضاف أنه أصبح أكثر اقتناعًا بأنهم يمثلون خطرًا حقيقيًا على البلاد وعلى فكرة التعددية والقبول بالآخر والتداول السلمى للسلطة لأن الديكتاتورية تبدأ أفكارًا متعصبة وإرهابية كهذه ثم تستبيح العباد بعد أن تملك أدوات السلطة وبطشها، زميل آخر كتب لى أن هذه العقول المهووسة تمثل كوادر الجماعة التى يمكن أن تتولى مسؤولية القرار الصغير أو الكبير بعد ذلك فى الدولة، وهو ما ينذر بخطر كبير، موضحًا: إنهم يستحلون تلفيق الاتهامات والأكاذيب علينا الآن ولو سيطروا على أدوات الدولة ستتحول تلك التلفيقات إلى إجراءات وملاحقات رسمية تنتهى بنا إلى السجون والمعتقلات وربما حبال المشانق، قدمت اعتذارى للزملاء جميعا واستشهدت بما ينالنى أنا وأنا رئيس التحرير من شتائم وخوض فى العرض والكرامة والشرف عند أول خلاف أو محطة نقد، وعرضت عليهم أن أمنع التعليقات إن شاؤوا، وبعض الكتاب يفعلون ذلك بل يشترطونه فى الصحف التى يكتبون فيها، وإن كانت نصيحتى ترك كل شيء على عفويته، لأنه يكشف لنا خريطة العقل المصرى الآن وأين يكمن المرض وربما ينبهنا إلى أبعاد لم نكن نعرفها بوضوح، والتعليقات تساعد أصحاب الرأى والمحللين على وضع أيديهم على وجوه الأزمة بشكل دقيق، وهو ما يفيد كثيرًا فى تصويب المسارات أو علاج مشكلات التفكير والوعى السياسى والفكرى سواء، والحقيقة أن كثيرًا مما يكتب من أنصار الإخوان مهين للتيار الإسلامى ويعطى صورة شديدة السوداوية عن أخلاق الإسلاميين وتربيتهم وهم الذين يملكون إرثاً أخلاقيًا وقيميًا من هدى النبوة جعل هذا الدين وأهله نبراسًا للبشرية، وفتحوا بأخلاقهم العالم قبل أن تذهب السيوف، لا يصح أن يهجر أبناء التيار الإسلامى فى خضم التعصب البغيض ذلك الإرث الكريم ويندفعوا فى هوة سحيقة من البذاءة واستحلال الكذب والصفة البغيضة التى حذر منها النبى الكريم "... وإذا خاصم فجر". أعرف أن بعض ما أكتبه مؤلم لمحبى وأنصار جماعة الإخوان، والحقيقة أحياناً تكون مرة، ولكنى والله لا أبحث نهائيًا عما يؤلم القارئ ولا حتى ما يريحه، لأن كلا الأمرين ضار إن قصدته قصدًا، وهذا يصلح للسياسى الذى يبحث عن أصوات ناخبيه فيرضيهم ويترضاهم، أما الكاتب فهو فى مقام الرائد الذى لا يصح أن يكذب أهله حتى لو كان مؤلمًا لهم تحذيره، فتلك مسؤوليته ورسالته وأمانته، وأحياناً تكون مسافة الرؤية بين الكاتب والقارئ هى سبب الخلاف، فمن ينظر مآلات الأمور على بعد سنوات سيختلف تقديره للخطر عمن ينظر مسافة أمتار قليلة أو تحت قدميه، ومن تتحرر رؤيته من أسر الجماعة أو التنظيم أو الرفقة أو المألوف سيختلف تقديره عمن لا يرى الكون إلا من ثقب الجماعة والحزب والتنظيم، وتتحول الجماعة عنده إلى الكعبة التى يطوف حولها هو والكون كله فلا يعرف الحق والباطل والصواب والخطأ إلا بقدر قربه أو بعده منها، ولقد آليت على نفسى منذ زمن بعيد أن أعتصم دائمًا بجميل ما تعلمته من تراثنا الخصيب ومنه الكلمة الآسرة "الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك"، ومنذ أمسكت بالقلم وقد قررت أن أتصدق بعرضى ككاتب عند من لا يعجبه قولى أو يسيء الظن به، وسامحت وأسامح كل من خاض فى عرضى وطعن فى شرف قلمى الذى لم ولن يكتب إلا ما يعتقد أنه يبيض وجهه إن شاء الله يوم أن نلقاه، وأسأل الله الهداية لأولئك الذين استباحوا الكذب على وعنى بسهولة من يشرب كوبًا من الماء، ولقد كنا فى أحلك الأوقات نقف مع المظلومين وندافع عن المضطهدين، ونعرض أنفسنا للخطر فى مالنا وأنفسنا وأهلينا، دفاعًا عن هؤلاء، ومنهم من يشتموننا الآن ويطعنون فى شرف القلم الذى دافع عنهم وقت المحنة، وفى مرحلة الثورة وقفنا مع الدكتور مرسى عندما وجدناه مبشرًا بالأمل والانفتاح والجدية ودعمناه بكل قوة، ووقفنا ضده عندما وجدناه محبطاً ومنغلقاً على جماعته ويفتقر للمبادرة والجدية، لا يعنينا شخصه أبدًا، وإنما يعنينا أداؤه وسلوكه السياسى كرئيس يفترض أنه يضع مصلحة بلده فوق مصلحة أى كيان آخر، فمصر أهم عندنا من مرسى، والوطن أغلى عندنا من أى جماعة، وأشواقنا لمستقبل أفضل "للإنسان" فى بلادنا أكثر جاذبية ورهبة من أى نقد ينالنا أو شوك يدمون به كرامتنا ولو ظلوا يشتموننا سنوات أخرى، نحن فى مفتتح حلم انتظرناه ستين عامًا، ولن نسمح لأحد كائناً من كان أن يضيعه منا بأى مبرر أو وفق أى حسابات خاصة، وإلا كنا خائنين لله، وللوطن، وللشهداء، ولآدميتنا.