عامان على الثورة المصرية، لم يحدث حتى الآن التغيير المنشود الذى طالما تاق إليه الإنسان، تغير أشخاص واستبدلوا بآخرين، وحتى وإن كانت وسائل المجىء بالجدد ديمقراطية ونزيهة، فإن النظام المخلوع لم يسقط حتى الآن. كثيرون اعتقدوا أن النظام سقط بسقوط رموزه، خاصة أولئك الذين كانوا فى السلطة، لكن النظرة الأوسع والأكثر دقة تقول إن النظام ليس مجموعة الأشخاص الذين تحكموا وحكموا، وإنما أيضًا نخبته التى نظرت ودافعت عنه، وأيضًا التى عارضته، وهى جزء لا يتجزأ منه. فالنظام الاستبدادى يتكون من فئة تحكم وفئة صاحبة مصالح تدافع عنه، وأخرى تجمل صورته، وتبدو للناس أنها معارضة، لكن الواقع يقول إن سقوط النظام دون سقوط نخبته، يمثل عائقًا أمام نجاح الثورة.. أفراد الحكم انتهوا و لن يعودوا، لكنهم تركوا وراءهم نخبة فى مجملها فاسدة، تطبعت بطباعه وأصابها فساده وإفساده، وبما أن الثورة المصرية هى ثورة شعبية بامتياز، خرجت من القاع لتصل إلى القمة دون أية قيادة من تلك الكيانات والشخصيات الهزلية التى تواجدت كمعارضة وقتها، فإن ذلك يتوجب أن تسقط تلك الكيانات والشخصيات مع سقوط النظام. مصطلح النخبة فى مصر أصبح مصطلحًا مشبوهًا، مثل كثير من المصطلحات التى استخدمها النظام الساقط، ومنها كلمة "السلام" عند تبرير خيانة الشعب الفلسطينى، و كلمة "حماية محدود الدخل" عند تبرير نهب الشعب المصرى لصالح قلة منحرفة، وغيرها الكثير من المصطلحات التى أصبحت رغم روعة جوهرها ومعناها، مصطلحات مشبوهة وغير مستحبة فى ذهن المواطن، لا لمعنى الكلمة ومقصدها، وإنما لاستخدامها من قبل طغاة يبررون بها أفعالهم فى حق الشعب. وكلمة النخبة الفاسدة أصبحت تتردد باستمرار على ألسنة المصريين، وعندما تتوالى الأزمات، يزداد وعى الشعب المصرى، وأصبحت النخبة، الطافية على السطح حاليًا، ناضجة أكثر من أى وقت مضى لعملية كشط و إزالة، باعتبارها شوائب عكرت مياه طاهرة، لكنها بدلًا من أن تهبط إلى الأعماق وتختفى عن الأنظار، طفت على السطح، مستغلة ظروف المرحلة ونظريات الثورات لتطل على الناس من جديد، بدلًا من أن تسقط مع نظامها الساقط. الوقت فى مصر أصبح مناسبًا للثورة على النخبة، بكل أشكالها وأنواعها، خاصة تلك المسيطرة على وسائل الإعلام، وتتصدر المشهد، وهى نوع من الشخصيات ملأ الدنيا ضجيجًا بتفاهات وسخافات لا تتحملها المرحلة ولا يتحملها الشعب، وهو فى طور بناء دولة عصرية حديثة، وفى مصر كما يحدث فى الدول التى مرت بظروف مشابهة من التحول السياسى والاجتماعى، تصدر المشهد شخصيات وأحزاب غير حقيقية، لتمثل معارضة لأحزاب حقيقية مازالت فى بدايات حكمها باختيار شعبى. هذه المعارضة نقلت فعلها الذى يفترض فيه رقابة السلطة الجديدة وتقويمها، من حالة المعارضة إلى حالة العبث، وتحولت من المنطقية إلى السفاهة، وهو ما يمثل بالتأكيد خسارة للمجتمع المصرى، لعدم و جود معارضة حقيقية وجادة، فمن غير المقبول أن تكون المعارضة فى مصر تعنى بتوافه الأمور والشكليات وتثير الضجيج أكثر من تقديم الأفعال الداعمة للتحول السياسى فى هذه الأوقات. النخبة الثقافية و السياسية والإعلامية فى مصر، حان وقت رحيلها، فلا الزمان زمانها، ولا المرحلة مرحلتها، وهى بالضرورة تمثل عبئًا على الشعب المصرى ومعوقًا لتطلعاته، والمشهد السياسى ملىء بمئات المواقف والمشاهدات التى تجعل الشعب يفقد الثقة تمامًا فى مثل هذه الشخصيات التى أصبحت فى غفلة من الزمن تتحدث باسم المصريين، مصر الآن فى حاجة إلى نخبة جديدة تنبع من الشعب لتعبر عنه، نخبة جادة تحكم وتعارض، وتقود البلد إلى الأمام لا تعود به إلى الخلف مثل نخبة الخراب التى تتصدر الآن، وحان وقت رحيلها. http://www.facebook.com/ahmed.k3oud كاتب وصحفى مصرى أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]