ما حدث يوم أمس 26/1/2013، في بورسعيد، كان نتيجة طبيعية، لتأصيل مبدأ الاحتكام إلى القوة في انتزاع الحقوق.. والسكوت عنه ثم إضفاء الشرعية على "المنتصر" في النهاية. ولا يمكن بحال فصل رد الفعل البورسعيدي على الحكم بإعدام أكثر من عشرين متهمًا في أحداث مجزرة بورسعيد، عن السياق الحالي الذي آلت إليه منزلة مؤسسة العدالة في الضمير العام. والحال أن تزامن الحضور الطاغي ل"شرعية القوة" مع تنامي "نزعة التسيُّس" داخل جناح المستشار أحمد الزند، والتي انتهت بكارثة حصار وكلاء النيابة لمكتب النائب العام، والاعتداء عليه، وحمله على الاستقالة تحت التهديد بالسلاح الميري الذي كان يحمله بعض أعضاء النيابة العامة.. أثمر هذا التضافر اهتزاز ثقة الرأي العام في "العدالة العمياء" وباتت القناعة بحضور السياسة في القضايا وثيقة الصلة بالرأي العام، هي المرجعية التي يستند إليها المصريون في تلقي الأحكام بشأنها. حجم الجرائم التي ارتكبت بحق العدالة المصرية، يتحمل مسؤولياتها رئيس نادي القضاة الحالي أحمد الزند، وعدد من القضاة الذين ارتبطوا به في علاقات "مصالح" باتت مهددة ب"تثوير" مؤسسة العدالة بعد الثورة التي وصلت للقضاء متأخرة. لا يمكن بحال فصل رد الفعل البورسعيدي على الحكم، عما شهده المصريون جميعًا، من تحول نادي القضاة إلى "حزب سياسي" ينحاز إلى هذه التيار ضد ذاك.. ما وضعت منصة القضاء موضع الطرف غير المحايد، وأحالت القضاء المصري للأسف الشديد في الوعي العام إلى "لاعب سياسي" يناور ويستخدم سلطاته في تصفية الحسابات السياسية والأيديولوجية ضد الخصوم. أحداث بورسعيد الدموية، كانت شاهدة على حجم الجرائم التي ارتكبها سياسيون وإعلاميون ونخبة انتهازية لا ضمير لها، ضد العدالة وحيدتها وهيبتها.. حين لم يدخروا وسعًا في توفير "الغطاء السياسي" للانتهاكات التي مارسها بعض قضاة أحمد الزند، وتوظيفها في إيذاء السلطة التي جاءت على غير هوى ومزاج ورغبة البعض.. رغم أنها سلطة مدنية شرعية ومنتخبة.. مهما كان حجم الاختلاف معها وحولها. اليوم يدفع البورسعيديون والشعب المصري كله ثمنًا باهظًا وفاتورة دم غالية بسبب أحلام وأشواق البعض في السلطة أو في مغانم أو من أجل "الترمخة" على قضايا فساد متورط فيها شخصيات تملك سلطات مالية وقضائية وإعلامية وأمنية رفيعة المستوى كلها "مخفية" داخل أضابير النيابة العامة وما زالت تنتظر قرارًا جسورًا وقويًا بفتحها بعد إقالة "خازنها" و"القيم عليها" النائب العام السابق عبد المجيد محمود. مصر هذه الأيام تتطهر من الفساد ومن المحسوبية ومن الخيانة بدم شهدائها النازف في الميادين وفي شوارع بورسعيد.. تلك المدينة الرومانسية الحالمة التي تخضبت بدماء ضحاياها.. فيما تتحول تلك الدماء إلى شيكات وحسابات بنكية وشهرة ونجومية لتجار الدم من "نخبة مبارك".. و"أثرياء" فضائيات أحمد شفيق. [email protected]