انتهت احتفاليات الرقص والتصفير والمظاهرات الهاتفة بالشعب يريد إسقاط النظام في جمعيات المستشار أحمد الزند بنادي القضاة إلى أن شهدت مصر أغرب حركات استهبالية في تاريخ القضاء بها، حيث قرر قاضٍ "صغير" في محكمة الأزبكية أمس أن يلغي إحدى القضايا لأنها تحولت إليه من قبل النائب العام المستشار طلعت عبد الله، وقرر القاضي "الصغير" أنه لا يعترف بالنائب العام الجديد وبالتالي لا يعترف بأي قضايا تحال إليه من خلاله وقرر الإفراج عن المتهم المحال إليه، والقاضي "الصغير" تصور أنه في عزبة والديه فيحدد جنابه هيكل مؤسسة القضاء ويغتصب جنابه سلطات المجلس الأعلى للقضاء لكي يحدد من هو الشرعي وغير الشرعي في النيابة أو القضاء، وكان الأكرم له والأكرم للقضاء وهيبته إن كان لا يعجبه شيء أو لا يريد أن يعترف بشرعية الهيكل القضائي الحالي أو جزء منه أن يعتذر ويقدم استقالته على الفور ويجلس في نادي أحمد الزند لتزجية وقت فراغه أو تفريغ شحنات الكراهية في داخله في جلسات دردشة مع أمثاله، أما أن يجلس على منصة القضاء ليتصرف فيها كدكان بقالة أو جلسة مصاطب فهذه إهانة للقضاء وإهانة لتاريخ القضاء وهيبته في مصر، والحقيقة أن هذا ما كنا نخشاه تمامًا، من موجة التسييس والشحن التي يندفع فيها قطاع من القضاء المصري، ولو تصورنا أن الموجة الآن عكسية وأن القضاة المؤيدين للطرف الثاني قرروا التصرف بنفس السلوك ونفس المنطق فلن يكون لدينا قضاء وإنما "مقهى شعبي". إنني أناشد مجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي أن يكون لهما موقف حاسم وصارم تجاه هذا القاضي "الصغير" لكي يفيق من غيبوبته ومن سكرته، ويعرف أنه يعمل في مؤسسة لها هيبة وتقاليد، وأنها رمز للالتزام وقوام الدولة، وإذا كان قد حصل على وظيفته المرموقة تلك بسهولة لم يتعب فيها، بالتماسات والده التي حرم بسببها آلاف الخريجين الذين هم أفضل منه علمًا وجهدًا وأخلاقًا وجدية مما جعله لا يشعر بمعنى هذا "التكريم" الذي منحته له مؤسسة العدالة، فينبغي إفاقته، وإبعاده عن هذه المؤسسة المهيبة والمحترمة لأنه ليس أمينًا عليها، وأن يذهب إلى العمل في أي "بيزنس خاص" يتيح له أن يستخدم مكاتبه للتعبير عن مواقفه السياسية أو يتظاهر في الميادين والشوارع وليس في منصة القضاء. وبهذه المناسبة أتوجه بوافر التقدير والإكبار لجدية والتزام سيادة المستشار طلعت عبد الله النائب العام الذي قرر استبعاد المحامي العام لنيابات شرق القاهرة بعد قراره بالإفراج الفوري عن جميع المتهمين المقبوض عليهم في أحداث قصر الاتحادية رغم مئات القتلى والجرحى الذين سقطوا والأسلحة والمضبوطات التي شملتها أحراز القضية، فمن أراد أن يلاعب رئيس الجمهورية فليلاعبه في حزب سياسي أو ساحة تظاهر، ولا يستخدم أدوات العدالة والأمانة التي حملها له الوطن في مثل هذه السلوكيات، وإذا كانت البلاد تعيش حالة من الانفلات والجرأة على القانون والنظام العام، فلا ينبغي أن تكون العدالة أو أجنحتها جزءًا من هذه الفوضى والسلوكيات المستهترة.