محمود حميدة يأمر ابنه بتوزيع أكواب العرقسوس على المارة عندما يؤذن المغرب في رمضان هكذا كان المشهد في فيلم دكان شحاتة الذي أخرجه خالد يوسف، ورغم أني لست ناقدًا سينمائيًا متمرسًا ولا أزعم في نفسي العبقرية التي يزعمها المخرج المشهور دائمًا في نفسه وفي أصدقائه وفي أعماله إلا أنني لاحظت أن الشمس كانت ساطعة في المشهد أثناء آذان المغرب، وكنت أشاهد اللقطة بالصدفة أثناء تقليبي القنوات لعلي أجد فضائية مهنية مصرية آنس إليها، سألت أخي أليس هذا فيلم دكان شحاتة قال نعم، قلت هم يتحدثون عن إفطار رمضان وسقاء المارة، نظر إليّ وقال ضاحكًا لعلك تقصد سطوع الشمس في المشهد قلت له نعم قال انتظر أيضًا حتى بعد أن يتناولوا الإفطار ستظل الشمس ساطعة وللأجسام ظل واضح، قلت هل هذا هو خالد يوسف الذي ملأ الفضائيات والصحف حوارات عن قدراته الفنية وإبداعاته السينمائية؟ وعندما ضاق بموهبته الفذة فضاء الفن السابع اتجه إلى السياسة ليؤازر شبيهه في العبقرية حمدين صباحي فكان أداؤهما السياسي أشبه ما يكون بالمشهد الفاشل الذي تناول فيه محمود حميدة وأولاده الإفطار في رمضان والشمس في كبد السماء، هذا الفشل المهني كافٍ في أي دولة فيها الحد الأدنى من التذوق الفني لتكتب شهادة النهاية المهنية لهكذا مخرجين أو حتى أي عامل في مهنة شبيهة؛ لأن فهم ظروف الحال والأماكن والأشخاص بديهيات في تلك الصناعة، التي لم تعد مجرد مهن يرتزق منها العاملون بها وإنما هى بالدرجة الأولى وسائل توعية وإرشاد وتنمية للفكر وإثراء للحضارة ولذا فلابد من توطئة سبلها الشرفاء والنبلاء والنابهين أما ترك مجالها بالكلية لمثقفي الحظائر وفقهاء الحمامات وخبراء الملابس الداخلية ليصلوا بتلك الصناعة الخطيرة إلى هذا الحد من الفشل والإسفاف وكأن المشاهدين ورواد دور السينما ليسوا سوى مراهقين متطلعين إلى مشاهدة غانية أو متابعة ساقطة دون الاهتمام بتفاصيل العمل وفنيات الصناعة بل ومتابعة مردودها الاجتماعي والحضاري والثقافي. قامت ثورة يناير المجيدة والسينما في مصر عبارة عن مجموعة من العصابات المتنقلة تتحرك بكامل هيئتها من عمل إلى عمل بأسلوب أشبه بحركة المجموعات العسكرية المتخصصة، فعصابة متخصصة في الترويج للخيانة الزوجية وتسويقها على أنها مجرد تغيير من الزوج أو الزوجة داخل "الشلة" وبين الأصدقاء وعصابة أخرى تعتمد الترويج للشذوذ ولا ضير من أن تتخذ من القضايا السياسية والاجتماعية مطية طيعة تجوب بها العقول والأنفس الغافلة عن المرض الاجتماعي الخطير والذي ما أن أصاب دولا كبرى حتى دمر فيها كل شىء حي، وعصابة ثالثة تتخصص في الترويج للبطولات الزائفة في عالم الجاسوسية والمخابرات لتقنعنا بأن ما يقرب من نصف المليون يهودي الذين كان يفدون إلى مصر سنوياً من إسرائيل هم جميعًا تحت السيطرة وأن ممثلينا الأشاوس لا يغمض لهم جفن من أثر المراقبة والاستطلاع .. وبعد أن قامت الثورة المجيدة وعلى مدى عامين من ضعف الرقابة ورخاوة القانون نشط هؤلاء فى تصدير عدد ضخم من الأعمال التليفزيونية كانت المشاهد الإباحية فيها هى سيدة الموقف وابتذلت المرأة المصرية من خلال تلك الأعمال الإجرامية كما لم تبتذل من قبل وظهر الفن السابع إما إباحيًا أو كوميديًا ومن خلال سيطرة نفس العصابات التي صنعتها أعين المخابرات الغربية والإسرائيلية من قبل لزرع الأفكار الشيطانية من ناحية ومن ناحية أخرى لاصطياد شخوص السياسة والاقتصاد والإعلام في العالم العربي عامة ودول الخليج بصفة خاصة من خلال ساقطات الفن السابع، وذلك عندما وضع وزير الإعلام في أواخر السبعينيات والثمانينيات الرائد "موافي" استراتيجيتها التي لم تزل تعمل بها حتى الآن. واليوم نرى السينما المصرية عاجزة بالكلية عن مواجهة التحديات الاجتماعية التي تضرب الوطن والشعب بل نراها معول هدم بشخوصها وأفكارها وحركتها ومنهجها لذلك كان لابد لنا أن نتساءل.. هل إلى خروج من سبيل؟ وكم يبلغ الوقت الذي يمكن خلاله تخريج كوادر سينمائية حقيقية تستطيع حمل أعباء الوطن وفي نفس الوقت تضطلع بفنيات الصناعة وأسس عملها. [email protected]