مصطلحات كثيرة تتردد هذه الأيام تتناول العلاقة القائمة بين الدين والسياسة ، مثل " تجار الدين " ، " المتاجرون بالدين " المتأسلمون " ، "الحركات الأصولية " ، " الحركات الإسلامية " ، " أفكار أصولية " ، " الأصولية الإسلامية " ،" الإسلام السياسي " ، " الإسلام الوسطي " ، " الإسلام المعتدل " ، الإسلام المتشدد " بل وصل الأمر بأحدهم أن يصف من يتبنون الفكر الإسلامي بالخوارج أمثال قتلة علي بن أبي طالب رضي الله عنه والملاحظ لهذه المصطلحات وأمثالها أنها جاءت من عند غير المسلمين ، أو من عند من يهاجمون التيار الإسلامي وفرضوها بقوة إعلامهم وكثرة ترديدها وتكرارها ، وللأسف انساق جميع من ينتمون للتيار الإسلامي لهذا المنزلق واستخدموا نفس المصطلحات السيئة في كتاباتهم وردودهم ، على اعتبار أننا نتحاور مع المخالفين بنفس مصطلحاتهم ، وفي المقابل هذا يجعلنا نتساءل لم لا نجعلهم يتحاورون معنا بنفس مصطلحاتنا . ألهذه الدرجة وصلنا إلى هذه المرحلة من الهزيمة النفسية ؟! ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلو ن إن كنتم مؤمنين ) آل عمران – 139 -. ومن أكثر هذه المصطلحات تداولاً على ألسنة وكتابات الإعلاميين مصطلح " الإسلام السياسي " إن لم يكن أكثرها على الإطلاق فما تكاد تطالع مقالاً في صحيفة أو موضوعاً في مجلة أو تحقيقاً في جريدة ، أو تستمع إلى برنامج في محطة إذاعية أو قناة فضائية يتناول الأحداث الجارية بالوصف أو التحليل أو النقد ( تأييداً أو معارضةً ) إلا وتجد هذا المصطلح يقرع أذنيك إن كنت مستمعاً أو مشاهداً أو يقتحم عينيك إن كنت قارئاً ، بل إن هناك كتباً كثيرة للمؤيدين والمعارضين تحمل هذا الاسم . إن خطورة هذا المصطلح تكمن في عدة أشياء 1) أنه جاء من عند غير المتخصصين ، بل رأى بعضهم أن أول من جاء به هو " هتلر " عندما قابل الشيخ " أمين الحسيني " مفتي فلسطين الأسبق وقال له " إنني لا أخشى من اليهود ولا من الشيوعية ، بل إنني أخشى الإسلام السياسي " 2)هذا المصطلح الخبيث يحمل في طياته قلباً للحقائق ويجعل الصفة موصوفاً والموصوف صفة ، فالإسلام لا يوصف بكونه سياسياً أو اقتصادياً إنما السياسة والاقتصاد وغيرهما توصف بكونها إسلامية أو شرعية إن كانت تتفق مع مبادئ الإسلام ومقاصده من إقامة العدل وحسن معاملة الناس والعدل بينهم والمساواة بين البشر ومراعاة مقتضى الحال وحفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض وتوسيد الأمر إلى أهله وحسن إدارة الأمور وإقامة علاقات حسنة مع الغير بندية تحفظ علينا عقيدتنا وسيادتنا وثقافتنا دون تبعية مهينة ، أو انبطاح مذل ، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها ، والإسلام مع المصالح المرسلة ، وحيثما توجد المصلحة فثم شرع الله ، ودائرة المباحات أوسع من دائرة المحرمات . 3)هذا المصطلح يجزئ الإسلام ، فمعنى أن هناك إسلاماً سياسياً فهناك أيضاً إسلام غير سياسي وإسلام اقتصادي وإسلام دعوي وإسلام اجتماعي .....الخ وهم بذلك يشتتون الشامل ويعددون الواحد ويفرقون الجمع . إن الإسلام دين شامل لكل مناحي الحياة العبادية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية .......الخ أيها السادة إن ترديد المصطلح دون وعي يكسبه شرعية وقوة و حيوية وحياة . والحروب الثقافية تبدأ بحرب المصطلحات . إننا ننهزم عندما نصدق دعواهم ونتبنى مصطلحاتهم . فهلا انتفضنا وحولنا الهزيمة إلى نصر خاصة وأننا أصحاب الحق ونمتلك أسباب النصر شريطة أن تكون لدينا الثقة في أنفسنا . إنني أهيب بإخواني ممن ينتمون للتيار الإسلامي ألا يستخدموا هذا المصطلح الخبيث مرة أخرى وأن يكفوا عن ترديده ، وإن ذكر أمامهم في حوار أو مناقشة عليهم أن ينبهوا المتحدث إلى خطأ هذا المصطلح وعدم تبنيهم له ، وبالاستمرار على ذلك يموت هذا المصطلح الخبيث كما مات قبله مصطلح " المحمديون " الذي كان يسمى به المسلمون ، فقد كان المستشرقون يستخدمون كلمةMuhammadanism بمعنى مسلم ( راجع على سبيل المثال قاموس ( Oxfordوعندما أصر علماء الإسلام ومفكروه على رفض هذا المصطلح الخبيث انصاع المستشرقون للأمر الواقع واستخدموا المصطلح الصحيح . إننا نريد أن يتكرر هذا الأمر مع مصطلح السياسة الشرعية أو مصطلح السياسة الإسلامية أن نخضع الغير لمصطلحاتنا لا أن نخضع لمصطلحاتهم ، فأهل مكة أدرى بشعابها ، وأهل كل فن وعلم أدرى بمصطلحاته . أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]