يرتبط اسم الرئيس الامريكي جيمي كارتر بعملية السلام في الشرق الاوسط، ومناطق أخري من العالم، التي شهدت وربما تشهد صراعات ملتهبة ولكن قليلين في مصر والعالم العربي هم الذين يعرفون أنه من خلال المركز الذي يحمل اسمه قد أصبح من أهم المدافعين عن الديمقراطية وحقوق الانسان في العالم، كذلك من أنشطته التي بسببها حصل علي جائزة نوبل عام 2002 هي قيادة بعثات للأمم المتحدة أو مركز كارتر لمراقبة الإنتخابات وخاصة في البلدان التي استقلت حديثا أو تلك التي تنتقل من أنظمة حكم شمولية إلي أنظمة حكم ديمقراطية. من ذلك أن كارتر هو الذي قاد فرق المراقبين لأول إنتخابات فلسطينية، رئاسية وبرلمانية عام 1996، والإنتخابات الرئاسية الأخيرة بعد رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات (نوفمبر 2004) والتي انتخب فيها محمود عباس (أبو مازن) رئيسا جديدا للسلطة الفلسطينية في يناير 2005 وقبل هذا وذاك قاد كارتر مثل هذه الفرق في أول إنتخابات تشهدها جنوب أفريقيا بعد سقوط الحكم العنصري، وهي الانتخابات التي فاز فيها الزعيم الأسطوري نيلسون مانديلا عام 1994، وفي هذه وتلك شارك مصريون من المجتمع المدني ومن السلك الدبلوماسي، منهم السفيران حسن عيسي (الرئيس الحالي للنادي الدبلوماسي)، ومحمود قاسم (رئيس لجنة الشؤون الخارجية بحزب الوفد). ولا يستثني الرئيس كارتر وطنه الولاياتالمتحدة من الرقابة الصارمة، وخاصة في مجال حقوق الانسان فقد لاحظ الرجل أن الحريات والحقوق المدنية في بلده تتعرض للتآكل والإنتهاك بدعوي الحرب علي الإرهاب في أعقاب أحداث سبتمبر 2001، وكان كارتر أول من أطلق صفارات الإنذار ضد سلوك بلاده في سجن جوانتنامو، حيث حبست مئات الأسري الاسلاميين الذين اعتقلوهم في أفغانستان، منذ أواخر عام 2002، ولم تقدمهم للمحاكمة او تفرج عنهم، ونبه كارتر الي استغلال أنظمة الحكم المستبدة، وخاصة في العالم الثالث، وهو الآن من دعاة التخلي عن قاعدة جوانتنامو، وإغلاق سجنها، ومحاكمة المعتقلين أو إطلاق سراحهم. كما انه من دعاة إعادة النظر في كل القوانين الاستثنائية (الطواريء التي صدرت في أجواء الصدمة والهلع بعد نكبة 11 سبتمبر) وفي لقاء دولي نظمه مركز كارتر في مدينة أطلانطا مؤخرا ( 5- 7 /6/2005) شارك حوالي المائة من المهمومين بقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان من آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا وروسيا والعالم العربي. وعرضوا تجربة بلدانهم خلال السنوات الأربع التالية لأحداث سبتمبر في نيويورك وواشنطن وكان معظمهم ممن تعرضت حقوقهم الأساسية للانتهاك وأمضوا جزءا من حياتهم في السجون. لذلك كانوا يتحدثون من واقع خبرتهم الحياتيه المريرة، في مواجهة الأنظمة المستبدة في بلادهم. وهي أنظمة لا تتورع عن استخدام أي وسيلة بما في ذلك الأكاذيب والادعاءات الباطلة ومن ذلك أنها في الخطوط الأمامية في مواجهة التطرف والارهاب، بينما في حقيقة الأمر أن ممارساتها الإستبدادية هي التي تدفع الناس في بلادهم إلي اليأس والقنوط كما تدفع البعض من شبابهم إلي التطرف والإرهاب. وأكد بعضهم أن الديمقراطية هي السياق الامثل لحماية حقوق الانسان ومناهضة الارهاب. وعند هذه النقطة تحدث المشاركون العرب والافريقيون من زيمبابوي عن ازدواجية المعايير الغربية عموما، والأمريكية خصوصا فيما يتعلق ببلدانهم وتحديدا كيف أن الديمقراطيات الغربية تتحدث عن حقوق الانسان والحريات العامة في خطابها الرسمي العلني ولكنها من خلف الستار وفي الحقيقة ترقص مع الطغاة من أجل مصالحها الإستراتيجية والنفطية والتجارية، وإنهم يتوقعون من شخصية عامة مثل جيمي كارتر أن يهب إلي نجدتهم، وأن يساعد في فضح هذا التناقض والنفاق. وتحدث الرئيس الأمريكي السابق بنبرة وقورة، ولكنها مفعمة بالحزن والألم فقال (انه يشاركهم الخيبة في حكومة بلاده والحكومات الغربية وأعاد تذكرتهم بأن إدارته كانت أول من جعل حقوق الإنسان العمود الفقري للسياسة الخارجية) (1976-1980)، وربما لهذا السبب لم يعد انتخابه لفترة ثانية ولكنه منذ تركه منصبه الرئاسي كرس حياته لمحاربة الفقر والمرض في أفريقيا وحماية حقوق الإنسان ودعم التحول الديمقراطي في العالم حيثما يستطيع ذلك ومن ذلك قبوله للتوسط في تسوية الصراعات الدولية الملتهبة والمزمنة، وكذلك قبوله لمراقبة الانتخابات في 70 دولة خلال العشرين سنة الاخيرة وأنه كان علي وشك شد الرحال الي فلسطين لمراقبة الإنتخابات البرلمانية، التي كان مقررا لها شهر يوليو 2005 إلا انه سمع قبل يومين من الرئيس الفلسطيني أبو مازن بتأجيل الانتخابات إلي سبتمبر، إلي ما بعد اتمام الانسحاب الاسرائيلي من غزة. وعلي مائدة العشاء، جاء جلوسي بين الرئيس كارتر والسيدة لويس آربور، مندوبة الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان. وبعد التحيات والمجاملات والإجابة عن تساؤلاتهما حول تجربتي في السجن والأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس لاتخاذ قرار اعتقالي سألت المندوبة السامية عن حالة السجون وممارسات التعذيب ثم سأل الرئيس كارتر عن الموقف السياسي الداخلي وعما إذا كان تعديل الدستور المصري يمكن أن يؤدي إلي انتخابات تنافسية عادلة؟ أجبته بأنني علي يقين انها ستكون تنافسية ولكنني لست علي نفس اليقين بأنها ستكون عادلة، إلا إذا تمكن القضاء المصري من استعادة استقلاله، وتم تمكينه من الإشراف الكامل علي المراحل الخمس للعملية الانتخابية بدءا من تنقية الجداول الانتخابية وانتهاء بفرز الاصوات، وإعلان النتائج، سأل الرئيس كارتر: وماذا عن المراقبة الدولية؟ هل يمكن أن تساعد وما حقيقة أن القضاة المصريين لا يقبلون المراقبة الدولية كما ذكر رئيس وزرائهم أثناء زيارته الاخيرة لأمريكا. أجبته أن المراقبة الدولية يمكن قطعا أن تردع الحكومة عن الغش والتزوير الفاضح وقال الرئيس كارتر كما تعلم، ان لمصر مكانة خاصة في قلبي وفي قلب زوجتي منذ أيام كامب ديفيد وعملية السلام. ومازلنا نحمل للسادات وجيهان أجمل الذكريات... وأمنيتي الآن وقد تجاوزت الثمانين أن أختم حياتي العامة بالإسهام في دعم الديمقراطية، كما أسهمت في دعم السلام ولو بشكل متواضع ، وترقرقت دمعة خاطفة في عيني جيمي كارتر وقلت للرجل لماذا لا تكتب للرئيس مبارك بهذه الخواطر لعل أن يرق قلبه، ويقنع دكتور نظيف ان لا يتحدث باسم قضاة مصر فلهم ناديهم ورئيسهم الذي يتحدث باسمهم وسأل الرجل: وهل تعتقد انه سيستجيب؟ قلت: الله أعلم. ------ صحيفة الراية القطرية في 4 -7 -2005