منذ صدر كتابه "فلسطين.. السلام وليس الفصل العنصري" والذي يحقق حتي الآن أعلي المبيعات في أمريكا وأوروبا والعاصفة لم تهدأ ضد جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الديمقراطي الأسبق. والعاصفة أثارتها وتثيرها الدوائر الصهيونية والأمريكية المرتبطة بها خاصة المسئولين في وزارة الخارجية الأمريكية السابقين من أمثال دينيس روس وروجر كوهين وغيرهم من كبار المسئولين في الخارجية الأمريكية التي امتلأت بهم ومازالت الوزارة خاصة إدارات الشرق الأوسط. وجيمي كارتر هو واحد من الرؤساء الأخلاقيين الذين اتسموا بقدر من الموضوعية والصدق والميل الي العدالة الاجتماعية والدولية وربما كان ذلك السبب الرئيسي لعدم انتخابه لمرة ثانية في البيت الأبيض وهو عراف كامب ديفيد كما يطلق عليه وهو الذي أعلن بعد المغامرة التي تورطت فيها وزارة الدفاع والمخابرات الامريكية في مأساة تحرير الرهائن الأمريكية في طهران والتي فشلت بشكل ذريع ومخجل ومقتل العشرات من الجنود الأمريكيين -بعدها قال كارتر ان علي أي رئيس أمريكي أن يعي جيدا ما قاله الرئيس دوايت أيزنهاور في خطاب الوداع إن أخطر ما يهدد امريكا هو التحالف بين الخوذة ورأس المال أي بين الجنرالات وشركات الأسلحة.. لقد كان أيزنهاور الجنرال الحموري هو أول رئيس أمريكي يندد بهذا اللوبي الذي يقوم علي قاعدة واسعة من المسئولين المتحكمين في أجهزة القرار ويحذر من صنع السياسات الأمريكية ودفعها إلي سياسات عدوانية مقهورة وجاء بعده رئيس ديمقراطي هو جون كنيدي الذي دفع حياته ثمنا لمعركته ضد تحالف الخوذة ورأس المال بعد أن استوعب الدرس بعد فشل الحملة التي نظمتها المخابرات الأمريكية ضد كوبا لاسقاط نظام فيدل كاسترو والمعروفة بمعركة خليج الخنازير. وقد شرع كنيدي بالفعل في تشكيل مجموعة لدراسة هذه الأوضاع ولكن رصاصات المتآمرين كانت أسبق لتفجر رأس كنيدي في مشهد درامي مؤثر في مدينة دلاس أمام مرأي ومشهد الجموع التي احتشدت علي الجانبين للترحيب بالرئيس المحبوب. ومشكلة جيمي كارتر او جريمته من وجهة نظر خصومه ليست فقط لانه اصدر كتابه الأخير الذي تعرض فيه للاضطهاد والعدوان المعضل علي الشعب الفلسطيني والأراضي الفلسطينية ومقارنة سياسية اسرائيل باقامة السور بسياسة الكانتونات والفصل العنصري الذي كان يقوم بها النظام العنصري في جنوب افريقيا بل ايضا للسياسات التي واصلها ونشاطه بعد ترك البيت الأبيض حيث قاد من خلال مركز كارتر للدراسات الإنسانية فرق عمل ومراقبة الي المناطق الملتهبة والساخنة مثل كوبا والشرق الأوسط والقرن الافريقي وكان في كل أنشطته وتحركاته وتصريحاته منحازا الي العدالة الدولية. فحينما احتدم الصراع المسلح بين اثيوبيا واريتريا قاد مجموعة من المراقبين الدوليين للتوسط لانهاء هذا النزاع ونجح في مساعيه في جلوس الطرفين علي مائدة المفاوضات واسكات طلقات المدافع وحينما أحس في السنة الأولي لولاية جورج بوش الابن ان هناك اتجاهات عدوانية سافرة للقيام بعمل عسكري ضد كوبا قاد مجموعة من اعضاء الكونجرس والحكماء لزيارة هافانا والاجتماع بفيدل كاسترو والقيادات الكوبية ونجح في نزع فتيل الأزمة. أما في الشرق الأوسط وتحديدا في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة واصل كارتر سياساته في التعاطف مع آلام ومعاناة الشعب الفلسطيني والمطالبة بضرورة قيام دولة فلسطينية ذات سيادة علي الأراضي التي احتلت سنة 1967 كما قام بالاشراف علي الانتخابات التي جرت في غزة والضفة الغربية وسجل نزاهتها وشفافيتها. وكانت كل هذه الجرائم من وجهة نظر اللوبي العسكري واليهودي كفيلة بوضعه في القائمة السوداء وانزال اللعنات عليه والتشكيك في نزاهته واقواله ثم جاء كتابه الأخير ليرفع الخطأ عن المستودع الممتلئ بالكراهية له ولسياساته واتهامه بالعداء للسياسة. ان كارتر يسجل في كتابه لتاريخ وتطور المشكلة الفلسطينية.. يركز علي الفترة اللاحقة لاحتلال اسرائيل للضفة الغربيةوغزة وغيرها من الأراضي العربية في مصر وسوريا والسياسات التي اتبعتها اسرائيل في تلك الأراضي المحتلة من مصادرة الاراضي وانشاء المستعمرات علي الاراضي الفلسطينية وتطبيق شكل من أشكال نظام الفصل والاضطهاد العنصري ضد الفلسطينيين وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية ثم بناء هذا السور الذي يكمل سياسة محاصرة الشعب الفلسطيني. لقد أدي ذلك وبعد ظهور الكتاب الي هجوم شرس ومتصل حتي اليوم من كثير من الصحف واجهزة الإعلام الامريكية والتي يسيطر عليها اخطر تجمعين "لوبي" وهو اللوبي العسكري واللوبي اليهودي واتهام كارتر بانه كذاب ومزور وجبان ومعاد للسياسة كما قدم عدد من اعضاء مركز كارتر للدراسات استقالاتهم احتجاجا علي ما جاء في الكتاب. وتطوع رجال مثل دينيس روس الذي كان يتولي الملف الاسرائيلي الفلسطيني في وزارة الخارجية وروجر كوهين باتهام كارتر بالتزوير في بعض الخرائط وفي انحيازه السافر للفلسطينيين وللجماعات الإرهابية حسب تعبيرهم أما روجر كوهين فقد ردد في مقالاته ان ما جاء في كتاب كارتر هو عودة الي اتهام الصهيونية بالعنصرية ومساواتها بالنظم المستبدة العنصرية التي كانت سائدة في جنوب افريقيا وألمانيا. وكان دفاع كارتر ينصب علي ضرورة ان يعرف الأمريكيون الحقيقة والاوضاع المتردية في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة واستهشد بتقرير الأممالمتحدة الذي كتبه جون دوجار استاذ القانون في جنوب افريقيا والذي رأس مجموعة من الخبراء ارسلتهم الأممالمتحدة لتقرير اوضاع السور الذي اقامته اسرائيل حيث جاء في التقرير لقد قسم السور الضفة الغربية الي ثلاث قطع: منطقة شمال جنين ونابلس في الشمال ومنطقة رام الله في الوسط ومنطقة الجنوب الامر الذي يشبه الي حد كبير ما قام به النظام العنصري في جنوب افريقيا في تقسيم المناطق التي يسكنها السود الي كانتونات معزولة ومحاصرة من كل جانب. الغريب في الأمر انه مع الهجوم الضاري الذي تعرض له الرئيس الأمريكي الاسبق جيمي كارتر من جانب اسرائيل واوساط مهمة في الولاياتالمتحدة لم توجه اليه دعوة من أي نظام عربي أو حتي مراكز الابحاث والدراسات وحقوق الانسان المنتشرة علي طول الوطن العربي ولا حتي من الجامعات العربية وذلك لالقاء محاضرات حول القضية وشرح وجهة نظره. مع ان هذه الانظمة ومراكز الابحاث وحقوق الانسان كثيرا ما تستضيف شخصيات غربية وامريكية تحت دعوي تلاقح الحضارات وتكاملها إلاإذا كان الرئيس الاسبق جيمي كارتر مغضوبا عليه ولست اريد أن اذهب الي مدي ابعد للقول بان نفوذ اللوبي العسكري اليهودي اصبح قويا في العالم العربي ومنظماته المدنية الي هذه الدرجة.