في المنازل الريفية المحاطة بالمزارع والترع في القرى تنتشر الأبراص على الحوائط وتتجول الضفادع في الشوارع، وقد توارث البسطاء من أهالينا كيفية التعامل مع الكائنين، فالضفادع تمشي وتتقافز بأمان واطمئنان لا يمكن لأحد أن يؤذيها أبدًا أو يمد يده لها بأي سوء، رغم أنه لا ينتفع منها بشيء. أما البرص فما إن يلوح إلا وتبادر إليه الكبار قبل الصغار بالشباشب والكل يرجو أن ينال شرف قتله بالشبشب ليس سواه. لفتت نظري وأنا طفل تلك المفارقة والكيل بمكيالين مع هذين الكائنين، وسألت عن السبب، فقيل لي: إن لذلك سببًا قديما جناه كل منهما منذ آلاف السنين، يوم أن أشعل الكفار نارًا لإحراق سيدنا إبراهيم عليه السلام، فقد كانت الضفدعة تملأ فمها من الماء وتحاول أن تطفئ النار، أما البرص فقد كان ينفخ في الجمر ليزداد اشتعالاً. إن لأهلنا من البسطاء فلكلورًا وحكايات وأساطيرَ وأمثالاً شعبية تعتبر موروثا ثقافيا هائلا، لا يهم كثيرا أن تكون الحكاية حقيقية أو وهمية، المهم ما تتركه من دروس تنطبع في الفهم والأذهان وتوجه السلوك للوجهة الصحيحة؛ فالحكاية السابقة تؤكد حقيقة مهمة جدًّا وهو أن الذي ينفخ في جمرة نار الحقد والكراهية وإفساد مستقبل الوطن يجب أن نتصدى له بالشباشب، ونسارع في التخلص منه، أما الذي يطفئ تلك النار فعلينا أن نعامله باحترام وألا نسيء إليه أبدًا. إن الذين يراهنون على بساطة الغالبية من شعبنا وأهلنا في القرى والنجوع فينفخون في النار ليل نهار، في الفضائيات وعلى صفحات الجرائد من شتى التيارات، ويظنون بذلك أنهم يكسبون قلوبهم ويلعبون بعقولهم، هم خاسرون لا محالة؛ لأن الناس بفطرتهم –وما أنقاها- حتى ولو لم يبرحوا قراهم إلى مدارس أو جامعات يعرفون المخلص من غير المخلص، ويستطيعون أن يفرقوا جيدًا بين البرص والضفدعة من مجرد طلتهم على الشاشة. أعلم أن بعض الناس قد ينخدعون بما يقال لهم، ولكنهم بفطرتهم السوية سرعان ما ينتبهون ويفرقون بين الزيف والحقيقة، فمن ينجح في أن يخدع الناس بعض الوقت لن يستطيع أن يخدعهم طول الوقت، وما أكثر الذين خسروا من مؤيديهم بأيديهم. إنني لا أتهم أحدًا بعينه، وإنما أقول للجميع أن محاولة إشعال النيران في كل مكان في الوطن والنفخ في جمرها بكل الوسائل هي محاولة مكشوفة ومفضوحة لأغلب الناس حتى البسطاء منهم، وفي النهاية لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله؛ أقول هذا لكل الأطراف المغالية، فلا الإخوان المسلمون ومن معهم خونة ومستعمرين، ولا الدكتور البرادعي وجميع من حوله عملاء لدول شرقية وغربية، إن لم يثبت ذلك بالدليل القاطع، وبالتأكيد هذا مستحيل ولن يثبت إن شاء الله تعالى، فلم يزل ظننا بأهلنا خيرا رغم وسوسة شياطين الإنس التي لا تكل ولا تمل. يبقى من الحكاية السابقة تكملة بسيطة، وهي أن البرص حين يُضْرب بالشبشب، ينفصل ذيله عن جسمه، وقد يموت في الحال، وقد يفر هاربا مقطوع الذيل، فيدخل أحد الشقوق ويظل الذيل يلعب أمامك، ويُقال إن البرص يدرك أنه ميت لا محالة، فيرسل روحه إلى ذيله متشبثا بالحياة..! أما الذي لا يعرفه الكثيرون أن البسطاء من أهلنا عندما يرون تلك الذيول وهي تتلاعب، ينظرون إليها بابتسامة ساخرة أو مشفقة، وهم يعلمون أنها لا قيمة ولا وزن لها، وأن ما تفعله ما هو إلا من حلاوة الروح. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]