منذ فترة طويلة وأنا أرى أن من يسمون بالمفكرين (الاسلاميين) المستنيرين مجرد أكذوبة لا قيمة لها ، ولا وزن فكرى أو ثقافى لهم يستحق عناء مقارعتهم ومناقشة الترهات التى يطلقونها كل حين ضد الإسلام : ثقافة وعقيدة أو حركة وحضارة ؛ كنت دائماً أراهم مجرد جملة اعتراضية يجوز لك - بل ينبغى - أن تقفز عليها ولا تتوقف عندها حتى يستقيم وعيك ، وحتى لا تتشتت رؤيتك وتضيع قضاياك الأساسية وسط طوفان تفاهمات ما يطرحون ، وعقم ما يقولون والذى فى أغلبه يستندون فيه إلى نفايات فكر المستشرقين الذين ظلوا طيلة القرن التاسع عشر والعشرين يطعنون فى الاسلام وفى نبى الاسلام وفى حضارة الاسلام دون كلل ، إلى أن جاء هؤلاء التلاميذ مَّمن أسموا أنفسهم بالمفكرين الجدد المستنيرين ، فحملوا عنهم الرسالة وواصلوها ولكن بأداء أقل جودة ، وبإنتاج أكثر تفاهة وسطحية ، وكانوا ولايزالون بلا مبدأ ، إذ انهم فى فكرهم إذا جاز أن نسمى ترهاتهم تلك فكراً ، وفى رسالتهم ؛ رسالة التشكيك فى الإسلام عقيدة وثقافة وحضارة ، كانوا يعملون بالأجر سواء كان أجراً سياسياً (مناصب ومغانم وامتيازات) أو أجراً مادياً ( أموالاً وتمويلات أجنبية 00 الخ ) ، لم يكونوا أبداً أصحاب مبادىء أو مواقف ، لقد كانوا – ولايزالون – انتهازيون وعملاء حضاريون (وأحياناً عملاء بشكل مباشر) لقوى وهيئات غربية 00 لقد كانوا ولايزالون ، دعاة فتن وفرقة وأدوات اختراق بالأجر وليسوا أصحاب مبادىء يعتد بها 0 * بين أيدينا اليوم ، قصة طريفة ،لواحد ممَّن يسمون أنفسهم بالمفكرين الاسلاميين المستنيرين اسمه سيد القمنى ، ويتردد أنه حاصل على درجة الدكتوراه (لا أدرى فى أى فرع أو فى أى جامعة ولا متى حصل عليها) خرج علينا برواية شديدة العجب والهزل ، ولكنها لا تخلو من طرافة ودلالة ، فلقد قال الرجل أنه هدد بالقتل من قبل تنظيم (القاعدة فى بلاد الرافدين) برسالة جاءته على بريده الالكترونى وأمهلته الرسالة خمسة أيام لكى يعلن التوبة مما كتبه ضد الإسلام فى بعض الصحف والمجلات التى لا تُقرأ مثل (روزاليوسف) ، وأنه أخذ التهديد بجدية ومن ثم فهو قد أصدر بياناً نشرته بعض الصحف ومنها (صوت الأمة) يعلن فيه التوبة والتبرؤ ، مما كتب طيلة حياته 00 لقد استوقفتنى هذه القصة التى تناولتها بعض الصحف بحيادية ، والبعض الآخر صنع منها حدوتة عما أسموها ب " الارهاب الظلامى الجديد " وأعادوا اجترار نفس (اللبانة) القديمة السخيفة التى صدعوا رؤوسنا بالحديث عنها رغم أنها – وبالشكل الذى يقدمونه غير موجودة ، وقد تكون كلها من ألفها الى ياها مفبركة مثل قصة الأخ سيد القمنى !! ومن هذه الصحف كانت المعالجات المبالغ فيها والتى تحمل العديد من التزيد والتطير التى قدمتها صحيفتا (القاهرة) و(الأهالى) يومى 19و20/7/2005 0 * على أية حال دعونا نسجل هذه الدلالات لقصة الأخ سيد القمنى الذى ظل طيلة السنوات الخمس عشرة الماضية يقدم حاله باعتباره مفكراً إسلامياً مستنيراً وشجاعاً ومحارباً للظلامية فإذا بالمفكر الشجاع ينهار ويسقط لمجرد رسالة جاءته عبر (الانترنت) دعونا نسجل الآتى : أولاً : نحسب أن إخواننا من المناضلين ضد الظلامية (طبعاً هذا مصطلح زائف يستخدمونه للمداراة على عدائهم للإسلام : عقيدة وثقافة) يتفقون معنا بأن أى صاحب مبدأ لابد وأن يكون شجاعاً وصلباً فى الدفاع عما يؤمن به من مبادىء سواء كانت مبادىء عقائدية أو سياسية ، وإذا لم يكن يمتلك هذه الشجاعة فمن المؤكد أن ثمة خللاً بليغاً أصاب قناعاته أو أنه ليس صاحب مبدأ من الأصل أو أنه ليس سوى (تاجر شاطر) يبيع ويشترى فى المبادىء والأفكار كما يبيع غيره السلع الفاسدة ؛ إذا ما اتفقنا على ذلك فاحسب أنه لم يكن ينبغى للسيد المفكر الكبير الحاصل على الدكتوراه (لا أدى متى ومن أين) سيد القمنى أن يتراجع عما آمن به ونشره ، وإلا فإنه كان فى الأصل غير مؤمن بما كتبه وأنه كان يكتبه لأهداف آخرى ، بعضها للشهرة وبعضها لأسباب لا نعلمها ونتمنى أن يدلنا عليها ، ونحسب أن كل رفاق الأخ سيد القمنى من دعاة الاستنارة ومحاربة الظلامية ؛ مثله تماماً ، غير مؤمنين بما يقولون ، وهم أقدر الناس على التحول من النقيض إلى النقيض عند أول منعطف أو عند وجود مغريات (انظر إلى أصحاب دكاكين حقوق الانسان والمجتمع المدنى الذين يتمولون الآن من هيئات أوروبية وأمريكية جلها على علاقة وطيدة بإسرائيل 00 أغلبهم ممن كانوا ناصريين وشيوعيين : فهل هى مصادفة ؟!) 0 * إن دعاة الاستنارة هؤلاء ، والسائرين على دربهم ، ليسوا سوى تجار مبادىء وافكار ، وحاملى حقائب لخدمة الآخرين من أعداء الوطن والدين فهل هؤلاء يصلحون أن يكونوا قدوة لشبابنا ولمثقفينا ، هل آمثال هؤلاء يصلحون أن يكون رفاق لنا فى معركة مواجهة الاستبداد والفساد والهيمنة ؟ هل هم صادقون فى ذلك وهل يجوز أن نكلف أنفسنا ما لا طاقة لنا به معهم بأن تقرأ أن لهم مقالاً أو نشترى منهم بضاعة (أقصد فكرهم وصحافتهم) ؟ أسئلة أظنها لا تحتاج إلى إجابة !! ثانياً : أما الدلالة الثانية لحادثة (سيد القمنى) فهى هذا التعامل السطحى والتافه مع القضية من قبل الدولة وأجهزتها ؛ فوفقاً لما أشارت إليه صحيفة الأهالى فى عددها يوم 20/7/2005 فإن أجهزة الأمن فرضت حراسة مشددة حول منزل سيد القمنى وأخذت التهديدات الموجهة إليه مأخذ الجد وعكفت على تحليل رسائل الانترنت التى وصلت إلى (سيد) ، وأسأل لماذا كل هذه الضجة يا حكومتنا المحترمة ؛ وكيف صدقتى تلك الرواية التى قد تكون مفبركة من الألف للياء ؟ هل لأن الأخوة المناضلين من (علمانى آخر زمن) قد شنوا حملة إرهاب فكرى مضادة حماية لرفيقهم الذى ضعف وخذلهم عند أول تهديد ؟ هل هذه الحملة الصحفية المؤيدة لسيد القمنى (المفبركة أيضاً) قد أثرت فى أجهزتنا إلى هذه الدرجة ؟ أم هو الخوف من دوائر الغرب وبخاصة الولاياتالمتحدة أن تغضب لأن مفكريها ورجالها فى مصر قد يطالهم أذى ، وحكوماتنا كما هو معروف تخاف على مشاعر أمريكا جداً ، وهى فى الواقع لا تخشى إلا أمريكا وتحاول أن تسترضيها حتى ولو على حساب الحقيقة واحترام عقل المواطن فى هذه البلاد ؟ وماذا لو كانت الحالة مختلفة وأن أحد الإسلاميين (ممن تكتظ بهم السجون – 15 ألف سجين) هو الذى تعرض لهكذا تهديد هل كانت الدولة وأجهزتها ستهتم بنفس درجة الاهتمام 00 وهل كان صلاح عيسى ورفعت السعيد سيهتمان بنفس درجة الاهتمام وهما اللذان لم يضبطا مرة واحدة يدافعان عن حق هؤلاء الأبرياء (ممن أخذ أحكاماً بالبراءة) أن يظلوا عشرات السنين خلف القضبان لمجرد أنهم إسلاميون ! أليست هذه ثنائية مقيتة للتعامل مع حريات الناس فى بلادنا ؟ أليس هذا كيل بمكيالين لا يليق بنخبة وحكومة ودولة يقول دستورها أن المواطنين سواسية فى الواجبات والحقوق والرعاية والحماية 0 ولكن هل أنت تستطيع أن تسمع من به صمما !! * ان دلالات عديدة ولاشك تحملها قضية التهديد بقتل سيد القمنى يكفى فيها ما ذكرناه ، ويكفى أن نقول فى نهايتها للأخ سيد ومن صار على دربه ما قاله الشهيد المثقف المجاهد مؤسس حركة الجهاد فى فلسطين وهى حركة ضد الصهاينة (فقط يا أخ سيد) : الشهيد الدكتور فتحى الشقاقى 00 الذى قال ذات يوم ( إن المثقف هو أول من يقاوم وآخر من ينكسر 00 بل لا ينبغ له أن ينكسر أبداً ) وقد كان ودفع (الشقاقى) حياته ثمناً لرسالته كمثقف مجاهد ، وليس كمثقف من ورق ، ودخان وكلام فالصو ، وتجارة رخيصة بالعقائد والدين والقيم ، ليس كمثقف تهزه رسالة تهديد بالبريد العادى أو بالبريد الالكترونى ليس كمثقف يقف عارضاً بضاعته فى كل زمان ومكان ، بالشكل والمضمون الذى يريده حاكموا هذا الزمان أو ذاك المكان ، لقد كان الشقاقى ومن صار على دربه هو المثقف الحقيقى يا جماعة التنويريين الجدد أما دونه فباطل التحف خطأ بعباءة المثقفين والمفكرين وهى منه براء 0 والله أعلم 0 E – mail : yafafr @ hotmail . com