كواليس محاولة الانقلاب على الرئيس محمد مرسى، والتى تتكشف يومًا بعد الآخر بعد انفراد "المصريون" بتفاصيلها، وتطابق شهادة مراسل الجزيرة بالقاهرة صابر مشهور مع روايتها، يضع الكثير من علامات الاستفهام حول مستقبل الديمقراطية الوليدة فى مصر التى أطاحت بحكم حسنى مبارك بعد ثلاثة عقود من الاستبداد وتزوير الانتخابات. التساؤلات مشروعة، والمخاوف منطقية إزاء أول تجربة ديمقراطية فى العالم العربى يديرها رئيس ذو خلفية إسلامية، وسط ترقب وتربص من قوى داخلية وإقليمية ودولية، ترفع "الفيتو" فى محاولة لإجهاض فرص النجاح المتاحة أمام "مرسى"، الأمر الذى من شأنه وقف ثورات الربيع العربى وتفريغها من مضمونها، وكسر البوصلة الجماهيرية التى تتجه إلى اختيار الإسلاميين فى صناديق الاقتراع. المشهد المصرى مليء بالتعقيدات والتناقضات، ويطل برأسه خلف الكواليس المال السياسى والإقليمى محاولاً رسم خارطة طريق متعثرة تعجل بفشل المشروع الذى تتبناه التيارات الإسلامية، على غرار ما حدث لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" إبان فوزها بالأغلبية فى الانتخابات التشريعية عام 2006، وما أعقبه من حصار مالى واقتصادى للحركة والقطاع، ومقاطعتها دوليا، لتوصيل رسالة للشعب الفلسطينى مفادها أن اختيارك خاطئ وستدفع الثمن. ما بين التحرير والاتحادية، تحاول أطراف سياسية مصرية وخليجية وغربية، صياغة وفرض معادلة جديدة على الشارع المصرى، يتم بموجبها "لبننة مصر"، أو استنساخ التجربة اللبنانية بين قوى الموالاة، والمعارضة، وهو مصطلح سياسى لبنانى فى المقام الأول، لكن تم استدعاؤه مؤخرا على صدر الصحف المملوكة لرجال النظام السابق، فى محاولة لإسقاط المشهد اللبنانى على الشارع المصرى، والقفز بعيدًا عن نتائج صناديق الاقتراع. اللافت فى المشهد، والمثير للاستفهام، أن ثلاثة من المرشحين الخاسرين فى انتخابات الرئاسة يتصدرون المشهد السياسى الآن، منهم اثنان خرجا من الجولة الأولى "عمرو موسى، حمدين صباحى"، والثالث هو الفريق الهارب أحمد شفيق، والذى خسر فى الجولة الثانية، وسارع بالسفر إلى دبى خشية فتح ملفاته، وبات يدير معركته من الخارج عبر تأليب أنصاره وحشد كتلته التصويتية لإسقاط "مرسى" على أمل العودة مرة أخرى للمشهد. ثلاثة آخرون يدعمون المرشحون الخاسرون فيما يطلق عليهم إعلامياً "نصف دستة أشرار"، أبرزهم الدكتور محمد البرادعى، والذى كان مرشحاً بقوة لخوض معترك الرئاسة لكنه انسحب فى الأمتار الأخيرة، وخرج من المشهد، إلا أنه عاد بشكل مفاجئ مطالبًا برحيل "مرسى" فى أكبر ضربة لإرادة صناديق الاقتراع، فضلاً عن محاولات دءوبة لاستدعاء الجيش للمشهد، وحث واشنطن وعواصم غربية على التدخل. مخطط مرشحى الرئاسة الخاسرين سانده بقوة قاضيان، هما تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، المعينة بتوصية من سوزان مبارك قاضية بعد أن كانت موظفة بالشئون القانونية بجامعة طنطا، ونجحت فى تسييس دور المحكمة، ودفعها لإصدار أحكام بحل المجالس المنتخبة طالما جاءت بأغلبية إسلامية، والمستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة الذى يلعب دور الكومبارس للحشد والتعبئة لتجييش القضاة ضد الاستفتاء على الدستور، الذى يرى فيه المصريون، اللبنة الأولى والحقيقية لبناء دولة جديدة تطيح بأنقاض الدولة العميقة. كومبارس الانقلاب كثر، ويمكن القول بأنه فى ضوء قراءة نتائج أربعة استحقاقات انتخابية مرت بالمصريين خلال عامين منذ ثورة 25 يناير "الاستفتاء على التعديلات الدستورية مارس 2011، انتخابات مجلس الشعب، الشورى، الرئاسة"، تبدو البوصلة فى غير اتجاه القوى المسماة ب"المدنية والليبرالية"، إذ أثبت الإسلاميون حضورًا جماهيريًا واسعًا فى الشارع، ونجحوا فى حسم المعارك الأربعة لصالحهم، ما يؤهلهم لحسم الجولة الخامسة فى الاستفتاء على الدستور الذى تبدأ بعد غد السبت. المراقبون للمشهد يرون فى نتائج الاستفتاء فى حال التصويت ب"نعم" بنسبة كبيرة، نهاية لجبهة المعارضة، وتعزيزاً لشرعية الرئيس محمد مرسى، وإنهاءً للانقسام الذى فرضه الإعلام المصرى على المجتمع، وتصوير خطوة الاستفتاء على أنه غزوة جديدة للإسلاميين، بينما التصويت ب"لا" سيمنح قوى المعارضة شرعية جديدة فى الشارع سترفع أسهمها بالتأكيد، ويؤكد قدرتها على الحشد. نتائج صندوق الاستفتاء ستحسم الكثير من الملفات، ويمكن القول بأنها ستطوى صفحة الانقلاب، وسترسم مع إنهاء معترك الانتخابات التشريعية، ملامح الخريطة السياسية فى مصر لسنوات، مع فرض معادلة جديدة فى المنطقة إما لصالح التيار الإسلامي أو لمناوئيه.