الحرب على الدستور وعلى الاستفتاء الذى سيجرى عليه بعد أيام لن تنتهى، وستتحول فى مراحل متقدمة إلى أشكال أكثر عنفاً وقسوة. أهم ما فى هذه الحرب أنها ستظهر كل شيء على حقيقته. بعض هذه الحقائق نعرفها مسبقاً، لكن الجديد أنه يوماً بعد يوم تتكشف حقائق مريعة، وأفكار مقززة مثيرة للاشمئزاز "والقرف". سأنقل لكم نصًا تلقيته من أحد الأصدقاء يشيد فيه بالفكر الواعى للشباب الذى يتطلع لمستقبل أفضل للوطن. النص التالى مترجم لأن صاحبه المصرى ربما يستنكف أن يكتب بالعربية، أو أنه لا يريد أن يقرأ أفكاره سوى المتعلمين أصحاب الفكر المستنير. يقول: "التصويت على الدستور يجب أن يكون "فقط" للمتعلمين. الشخص الذى لا يستطيع القراءة ولا الكتابة لا يمكنه أن يصوت على أحد الأشياء المهمة التى ستشكل مستقبل أطفالنا ومستقبل الأجيال لعقود قادمة. نحن نواجه نفس المشكلة مرة أخرى. الناس الفقراء الذين لم يتلقوا تعليمًا والذين هم ضيقى الأفق سوف يصوتون (وفى الغالب سيقولون نعم) بينما هم لا يفهمون حتى الجمل البسيطة. نحن نمثل النسبة المتعلمة والتى تفهم المعانى غير المباشرة للجمل العربية والتى من الممكن أن تفهم بأكثر من معنى. لا أمل فى التقدم لأمتنا طالما ظل تفكيرنا بهذه الطريقة". انتهى النص. ليس هذا أسوأ ما فى الموضوع، التعليقات على هذا النص العنصرى تحمل مفاجآت أكثر عنصرية. وكلها تشيد بالفكرة وبصاحبها، وتقترح أفكارًا أخرى لا أقدر على ذكرها حرصًا على القارئ من الإصابة بمشاكل صحية قد تنتج عن حالة التقيؤ اللاإرادى بسبب الروائح الكريهة الصادرة من عبارات الاحتقار والاستعلاء. أحتفظ أيضًا باسم صاحب النص وأصدقائه المتحضرين خوفاً على حياتهم وعلى أطفالهم المدللين من انتقام الشعب المصرى الجاهل والهمجي. لا يظن أحد أننى سأتناول الكلام السابق بالنقد والتحليل، لكننى بصدد إحالة النص وصاحبه إلى علماء النفس والاجتماع والسياسة والقانون وكل التخصصات الأخرى، وذلك حتى يشرحوا لنا أسباب ظهور كائنات ترفض أن تعتبر نفسها جزءًا من الشعب، وتستنكف أن تتساوى بأهلها وأبناء وطنها، وتضع نفسها فى منزلة فوقية متعالية لها الحق وحدها فى توجيه بقية المخلوقات البشرية الفقيرة. أطالب أيضًا بتدخل رجال الدين لشرح السنن الإلهية فى الأمم التى يمارس فيها الاستضعاف من قبل قلة مستكبرة، ويظهر فيها الاضطهاد من قبل فئة منتفخة متشبعة بالغرور، ومجموعة منتفشة ممتلئة بالشرور. بدلاً من أن يسعى هؤلاء إلى الجلوس إلى الشعب المسكين، ويجتهدوا فى التواصل مع البسطاء والفقراء، ويشرحوا لهم الدستور، ويبينوا لهم مواطن الخلل والنقص، ويحذروهم من الموافقة عليه. بدلاً من ذلك راحوا يسلكون الطريق الأسهل، وهو إقصاء نصف الشعب، وتهميش معظم أبناء البلد، فهذا لا شك يتيح لهم الحصول على نتائج جيدة والبقاء فى الغرف المكيفة، مع الاستمتاع "بطقطقة" الأصابع على الكيبورد، أو التلذذ بحركة الأيقونات وهى تتراقص بخفة على شاشة الموبايل "التاتش". يجب أن يفطن المشتغلون بالسياسة أيضًا إلى أن فكرة احتقار الشعب هى أساس الداء، وسبب البلاء فى مسيرة الديمقراطية المتعثرة. استعراض قصة الثورة فى مصر - مع الأخذ فى الاعتبار فكرة احتقار الشعب الإجرامية - سيجلى بوضوح الفرق بين المطالبة بالمجلس الرئاسى المختار من أقلية هامشية وبين الإصرار على إجراء انتخابات رئاسية تعكس الرغبة الحقيقية للشعب. كما يجيب على التساؤل المتكرر بخصوص إصرار البعض على مقولة "الدستور أولاً"، وهى الإجابة التى تتلخص فى الرغبة الملحة من جانب أصحابنا المثقفين فى اختزال الشعب فى أشخاصهم، يتولون كتابة الدستور بالنيابة عنه، ورغمًا عنه. ولكن الشعب لن يسمح لهم باغتصاب إرادته، وسيلقنهم دروساً فى محراب النضال الوطنى غير تلك التى تلقوها فى مدارس أبناء الطبقة العالية. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]