(الزنّ على الودان أمرّ من السحر) هل الذى نحت هذا المثل البلدى كان يعنى (أمرَّ) من المرارة أم من التمرير؟ بقليل من التدقيق والتحليل تجد نفسكَ أكثر مَيلًا للثانية، مع أنّ كلّ مَن ناقشتهم من آبائنا كبار السنّ الخبراء بتلك الأمثال رجَّحوا الاحتمال الأول. عمومًا ليس هذا موضوعنا، ولكنى وجدتُ المثل (يزنّ على وادنى) كثيرًا هذه الأيام بعد أضحوكة (جمهورية المحلة الانفصالية)، ولا ريب أنَّ مُطلقيها يعلمون تمام العلم أنَّها أضحوكةٌ، سيتلقفها المصريون (ولاد النكتة) بعشرات النكت الفيسبوكية من عيّنة اللاعب الأجنبى المحترف وائل جمعة، والجرين كارد الذى يتيح لك أن تزور (طنطا) من (المنصورة) بدون مشكلات، وتنظيم جمهورية المحلة لكأس الأمم الأفريقية 2020، والمقعد النسيجى الذى ستحصل عليه جمهورية المحلة فى الأممالمتحدة، والنسيج الوطنى المحلاوى الذى يبدأ ب(حلّوا يا حَلّة ...خلاص جبنا المحلة)...إلخ هذا العبث والهراء الذى لن ينتهى. قد يقول قائل: إنها أضحوكة شيطانية تهدف إلى ضرب كرسى فى الكلوب الإخوانى، وتُظهر عهد الإخوان على أنه عهد تقسيم البلاد، وهذا - من وجهة نظرى - ليس السبب الحقيقىّ. فما السبب إذن؟ لقد صارت مخطَّطات التقسيم التى تُحاك للبلاد العربية والإسلامية عمومًا، ومصر خصوصًا، صارت واقعًا لا يمكن إنكاره بدعوى رفض نظرية المؤامرة، وصار ذلك متواترًا لدرجةِ أنَّ منكره يُعدُّ منكرًا لما هو معلوم من الواقع والتاريخ والجغرافيا بالضرورة. ولكنَّ المتربصين بأوطاننا يقنعون فى كلِّ جيلٍ بأقلّ القليل، بمبدأ (بطىء لكن أكيد المفعول)، وهو مبدأ يأتى فى سياق المثل المشار إليه (الزنّ على الودان أمرّ من السحر). والخطوة الأولى التى يمارسونها: تكرار كلمة (الانفصال) و(التقسيم) بغزارة فى وسائل الإعلام، وعلى ألسُن العامة، حتى يصير معناها مألوفًا مُتخيَّلًا، وحتّى تدرس مراكز البحوث الاستراتيجية لديهم - التى لا تكلّ ولا تمل - تدرس ردود أفعال المصريين تجاه التقسيم وتصنِّفه كميًّا وكيفيًّا من الأدنى للأعلى، وعلى ضوء النتيجة يتمّ التخطيط للمرحلة التالية، التى ربَّما تكونُ تمويلًا وتسليحًا لجماعات انفصالية سواء كانت طائفية أو جغرافية، ولا يهمُّ أن يتحقق الانفصال فى هذه المرحلة، ولكن المهم أن يُفرَض واقع (الخرَّاج) على بدن الوطن، فإمَّا الاستئصال وإما الانفصال، والاستئصال سيترتب عليه تهويل وتدويل وتسويغ لوجود قوّات دولية وتدخلات احتلالية مُقنَّعة، ثم يأتى الانفصال النهائى فى المرحلة الأخيرة. وهذا ما حصل بحذافيره فى أكثر من مكان، ليس آخرها جنوب السودان. يمكنك الآن أن تضع فى سياقٍ واحدٍ بعض الأحداث الصغيرة التى مرت بنا مؤخرًا: (1) منال الطِيبى ممثلة عن الأقلية النوبية، وهو فى حدّ ذاته إشعارٌ وإيقاظٌ للرغبة الانفصالية عند فصيلٍ أصيلٍ من الشعب المصرى، ثمَّ هى نفسها تصرح بأنَّ أباها نوبى وأمها مصرية أو العكس (لا أذكر)، فى إشارة واضحة لكونها تتعامل مع (مصر) على أنها دولة شقيقة مجاورة! (2) أقباط المهجر والدولة القبطية، وتصريح بعض منسوبى الكنيسة بما يدلُّ على الفكرة الانفصالية إلى دولة قبطية ودولة مسلمة، ولا يخفى أنَّ ممارسات الكنيسة الأخيرة تدفع بقوة فى هذا الاتجاه. (3) التزييف الممنهج الذى كانت تمارسه قنوات الفلول والمعارضة المزعومة حول أحداث سيناء، بما يوحى بأن سيناء على وشك إعلان الانفصال، بل لقد صرّحت بعض التقارير – المضروبة – لبعض هذه القنوات الضرارية بأنّ الثانى والعشرين من ديسمبر الجارى هو موعد انفصال سيناء، والغريب فى الأمر أن سيناء وأخبارها اختفت تمامًا من خريطة برامج تلك القنوات بعد أن وجدت السبُّوبة الدسمة فى أحداث الفوضى الأخيرة، وهو ما يعنى بالضرورة أنَّ كلّ ما أثير عن سيناء والحركات الجهادية ومعسكرات التدريب الأمريكية بها كل ذلك ما هو إلا فقرة الساحر فى سيرك الإعلام المصرى الخائن المنصوب لمكايدة الرئيس ومؤيديه. (4) كوميديا المحلة الكبرى. وبالطبع لن تكون الأخيرة، إلا إن كان لهؤلاء المتربصين من الخارج وأذيالهم فى الداخل رأى آخر بنقل المخطط إلى الخطوة الثانية. والحل الوحيد للتصدى لهذا المخطط هو الضرب بيد من حديد على كلّ من تُسوِّل له نفسه أن يلعب فى تلك المنطقة المحرمة، وأن يعلم الجميع من خلال الردع القانونى الفورى أنَّ وَحدة (مصر) خطٌّ أحمر، ولتكن البداية مع مخابيل المحلّة المعروفين بالاسم لكل صغير وكبير.