يحلو لعدد ممن يتشحون بوشاح الاستنارة والعقلانية أن يهمسوا في أذن الحكومة ، ويدعون أنهم أهل الخبرة وأنهم أتوا بما لم يأت به الأوائل ، وإن في أيديهم وحدهم حل أزمة " العنف الديني " في مصر. ومن بين هذه الحلول " العبقرية " إسداء النصح للنظام علي أن يقدم علي ما أسموه " تجفيف المنابع " ولا يدري هؤلاء العباقرة أن نصيحتهم كانت فخاً نصبوه بوعي أو بغير وعي وقع في شراكه المجتمع المصري ككل أو بعض مؤسسات الدولة ، اتخذت من هذه النصيحة ذريعة لوضع " التطرف والاعتدال " في سلة واحدة. وباتت علي إثر ذلك العقيدة الأمنية ولفترات طويلة، مؤطرة داخل رأس واحد لا يقبل ، وفيما يبدو الجدل أو الأخذ والرد ، وهو أن الاعتدال خرج من تحت عباءته التطرف ! وبناء علي ذلك تحولت سياسية " تجفيف المنابع " تدريجياً إلي ممارسة تهدف إلي إخلاء المجتمع من القوي الإسلامية المعتدلة في المدارس والجامعات وبعض الوظائف الحكومية وغيرها ..والبعيدة بطبيعة الحال من رقابة وقبضة الأمن لوضوحها وعدم سريتها أفضي ذلك إلي وجود فراغ مادي وثقافي مقاوم لفكر وأدبيات التطرف ، ملأ هذا الفارغ ونشطت فيه ليست قوي التطرف وحسب ولكن مظاهر الخروج عن الآداب العامة وعدم الاكتراث بالمرجعية الأخلاقية والقيمية للمجتمع، وتسلل قيم وتقاليد وثقافة المجتمع الغربي التي تدعو إلي الرذيلة والجرأة علي اقتراف المحرمات ويكفي أن نشير إلي أنه لوحظ في السنوات الخمس الأخيرة تنامي ظاهرة ارتداء الفتيات في الجامعات الملابس الساخنة والاختلاط بين الجنسين علي النحو الذي لا يراعي حرمة المكان والطريق ومراعاة المشاعر وهي ظاهرة لم تكن موجودة في أوائل السبعينيات عندما كانت الصحوة الإسلامية لا تزال غضة وتتلمس الطريق نحو التعبير عن وجودها ولا ندري ماذا سيكون عليه الحال بعد خمس سنوات أخري ؟! كيف يمكن أن نفسر تعاطي مخدر البانجو علانية في الشارع وبدون حياء وكيف ظهرعبدة الشيطان في بلد الأزهر الشريف ؟ كيف نفسر عودة الإيمان بالخرافة والشعوذة في علاج العقم واصطفاف كبار السياسيين والصحفيين والفنانين في طابور المترددين علي الدجالين وبائعي الوهم وقارئي الكف وضاربي الودع ؟! انه الفراغ الذي خلفته سياسة " تجفيف المنابع " والتي أظنها كانت نصيحة من " مستنير" وهو مغيب في ساعة " مزاج ".