مهما كان رأينا فى القضاء ووجوب إعادة هيكلته ومن ثم تطهيره وهو شأن مستحق وبدونه لن تنهض مصر بل ولن تتحرك إلى الأمام خطوة واحدة معتبرة، إلا أن ما حدث أمام المحكمة الدستورية يوم الأحد 2 ديسمبر 2012 مرفوض تمامًا، وساوى بيننا فى هذه الواقعة وبين الأقلية العاجزة، فبدونا كالعجزة، عندما غشيتنا الهواجس فوجهت حركتنا وأضعفت ثقتنا بأنفسنا، بينما كنا ومازلنا نملك مقومات القوة الشرعية، ولكننا متخبطون للأسف وعشوائيون، والعجيب أن كل فعل طيب نأتي به، تعقبه حركة عشوائية تضيع أثره أو تُخفت بريقه أو تضيع قدرًا من حصاده، فالرئيس بدا أمامنا الجمعة، قويًا واثقًا حاسمًا، حين استلم مسودة الدستور وأعلن عن موعد الاستفتاء، والسبت كان حشدنا رائع وإن لم يسلم من أخطاء سياسية وسلوكية، إدارية إجمالًا، وأتى اليوم الثالث وهو الأحد، أحد الدستورية ليأكل قدرًا من سابقيه، وليتلقفه الخصم ويشتغل عليه عن حق، وباطل كذلك!.. بدأت أخطاؤنا منذ فبراير 2011 حين منحنا المجلس العسكرى «carte blanche» بينما كان علينا على الأقل أن نشاركه السلطة أو فى الأدنى أن نوجهه، وهو ما لم يحدث. لو كانت «لا» فى استفتاء مارس ستؤدى بنا إلى جمعية وطنية «منتخبة» لصياغة الدستور وليست ب «التوافق الغبي» الذى عطلنا، لكنا صوتنا بلا، ومن ثم لأعقبنا الاستفتاء بانتخاب الجمعية الوطنية ولحجمنا الأقلية يومها. لا بأس، اخترنا نعم، وأظهرت النتيجة حجمنا كإسلاميين ليس فقط أمام الداخل بمكونيه السلطة العسكرية والأقلية، ولكن أمام العالم كله، فكيف تصرفنا بعد ذلك؟ لا رؤية ولا نهج فى الحركة ولا استشراف لغد، ومن ثم أقلية عاجزة وساذجة استدرجتنا إلى مستنقع العجز والسذاجة، فأصبحنا مثلها، رغم أن الأغلبية الشعبية فى أوج صورها كانت معنا!.. سأتجاوز فى هذا المقال الحديث عن الفترة من مارس 2011 إلى يناير 2012، والتى حملت فى أبريل 2011 نصائح عديدة، كانت أبرزها سؤال أجبت عنه ووصل إلى قادة العمل الإسلامى، السؤال «كيف تصنع قيادة لثورة بلا قيادة» وكانت إجابتى الموجزة، أن تتبنى أنت مطالبها «الممكنة» وتعلنها وتضغط وسط الثوار من أجل تحقيقها، بالتأكيد وفق رؤية علمية ومنهاج علمي وعملي فى التفكير والحركة، ولم تؤخذ نصيحتى، واعتمدت سياسة «الطبطبة»، والتى عكست غياب الإدارة العلمية عنّا كإسلاميين، وحضور الإدارة عبر الأمانى الزائفة. يناير 2012، وبدون قراءة الممكن وبتعجل من غير درس، طالب الإخوان بتشكيل الحكومة ولم يكن ذلك ممكنًا، فمنحنا بذلك لخصمنا السياسى مادةً «اشتغلنا بها»، فى البداية بمهاجمته للحرية والعدالة، أما الأعجب عندما حرضكم بعدها بشهرين على نقيض ما كان يهاجمكم به، عندما حرضكم على سحب الثقة من الجنزورى بينما هذا أيضًا لم يكن ممكنًا، وهكذا صدمتكم حقيقة اندفاعكم، ومع ذلك لم تتعلموا، وظللتم على نهجكم معه المعتمد على «الطبطبة» وحسن الظن به، بينما كان عليكم أن تنفضوا أيديكم منه بتجاوزه إلى الأمام، عبر خطى واعية، وثقة فى الله ثم فى الشعب الذى اختاركم! أبريل 2012، حكم «غريب» للمحكمة الإدارية، ببطلان تشكيل التأسيسية، كان يمكن استثماره فى اثنتين، الأولى الطعن عليه أمام الإدارية العليا، والثانية إحداث رأى عام يستغرب هذا الحكم الابتدائى ويضغط رافضًا تسييس الأحكام، ولم تفعله هذه ولا تلك! أما الأعجب، فهو أنكم بعد رضوخكم للحكم الابتدائى وعدم الطعن عليه، فإنكم أعدتم فى يونيو 2012 تشكيل التأسيسية بالعوار الذى أورده الحكم الابتدائى «العجيب»، بينما كان فى إمكانكم أن تفوتوا الفرصة على هذه «النوعية من الأحكام العجيبة» بأن تنتخبوا التأسيسية بتنوعِ يشمل المرأة، والأقباط، والفئات على تنوعها، والأطراف الجغرافية الثلاثة سيناء ومطروح والنوبة، والخبراء الدستوريين و....، كل ذلك وبأغلبية إسلامية من المستقلين عبر «السهل الممتنع» فليس هناك خاتم على ظهر المستقل يظهر إسلاميته أو ليبراليته أو شيوعيته أو...، بحيث «يتلكك» قاضٍ مسيس، وقد نصحتكم فى حينه بذلك ولكنكم لم تفعلوا، أما الأعجب فهو أنكم لم تتراجعوا عن سياسة «الطبطبة»! سأكتفى بتلك المحطات القليلة والموجزة من أخطائنا، ولكنها علامات على غياب الرؤية والاستشراف، والأسر فى الرأي الواحد والفكرة الواحدة والانغلاق، ومن ثم حضرت العشوائية والاندفاع، وغاب الفكر والعلم وغابت الإدارة، ومن ثم فى النهاية غاب التحسب، وتعددت المشاكل. وصدقونى لن نبنى إلا إذا استحضرنا أخطاءنا أولًا فاعترفنا بها، على الأقل أمام أنفسنا. ألمح الآن بعض الإسلاميين وهم يريدون أن يقدموا حلًا لهذا الانقسام، فأقول لهم من الصعب إرضاء هذا الخصم إلا بحل يخزينا كإسلاميين وهذا لن يقبله الإسلاميون، فإن كان هناك ضرورة لتقديم حل حاسم، فهو أن يوجه الرئيس الفريقين بأن أمامكم أسبوعًا للاختيار بين التوافق على الدستور أو أن نستفتى الشعب على المواد الخلافية، وهنا سأمنحكم مهلة مناسبة لصياغتها، أما إن لم تستطيعوا الاتفاق على هذه أو تلك، فلن يكون أمامنا بعد هذا الأسبوع المنتهى، إلا التوجه وفى خلال شهرٍ إلى الشعب لكى ينتخب جمعية وطنية لصياغة الدستور، وهنا يصدر الرئيس إعلانًا دستوريًا جديدًا بهذا الشأن الجديد، يلغى الإعلان السابق عدا إقالة النائب العام واستكمال مجلس الشورى لمدته. ويبقى أنه حال الذهاب إلى استفتاء 15 ديسمبر ومع احتمال نظرى بالتصويت برفضه، فنرجو مستقبلًا أن تكون الجمعية المنوط بها صياغة دستور بديل، منتخبة شعبيًا وليس بالتوافق المزعج والغبى. وفى هذه الحالة يمكنى أن أتحدث فى مقالٍ قادم بإذن الله عن رؤيتى لكيفية انتخاب الجمعية الوطنية لصياغة الدستور. إلى هنا انتهى ما كتبته وأرسلته ل «المصريون» صباح الأربعاء الماضى، قبل أن نستمع عصرًا، للرجل الحكيم والسياسى القدير المستشار محمود مكى، فكان ولا بد أن أرسل للجريدة بهذه الملاحظة. [email protected]