تعالوا نبدأ أولاً بالنقد الذاتى من موقعنا الأيديولوچى حيث انتمائنا للتيار الإسلامى العريض. كل مشاكل الإنسان عبر التاريخ المرتبطة باختياراته، من وجهة نظر العبد لله، مرجعها «قفز الفعل فوق الفكر» يعنى التفعيل مع تجاوز التفكير، وهذا يعنى أيضاً عشوائية أو اندفاعاً أهوج أو مقامرةً، ويعنى كذلك وفق مأثوراتنا الشعبية «بختك يا أبو بخيت أو يا صابت يا خابت أو حادى بادى». الفرق عندى بين الأمل والطموح، أن الثانى يستشرف الممكن ويستبعد المستحيل وقد يختار الممكن الصعب وهذا رائع، ثم يبلور رؤيته التى يجب أن تحمل فى طياتها أمرين، الأول آليات وأدوات تحققها، الثانى استشراف آثارها الجانبية ومحاولة تجنبها ابتداءً أو تجهيز الدواء ومن ثم الجاهزية لمداواتها عند تحققها. أما الأمل فهو عندى كالأمنية يظل فى نطاق الحلم، مالم تكن لدى الإنسان إرادة وعزيمة لتحويله إلى طموح ومن ثم الشروع فى تحقيقه، بعد اختبار إمكانيته. الهواجس والشكوك المرضية، من أعدى أعداء المدير الناجح، هذا لا يمنع من تحسبك للاحتمالات السلبية بل وأسوأها، لكن إياك من الشطط إلى الشكوك المرضية، التى ستأسرك وستربكك وستمرضك، أو فى أدنى الأحوال ستعطلك حتماً. من يبنى قراره على إشاعات أو هواجس أو شكوك، سيفقد كل مبرراته الموضوعية التى لم يبرزها ابتداءً، حين تسقط هذه الشكوك ويتم تفنيدها. لكل قرار سياسى فى الدنيا واقتصادى كذلك، أثر جانبى واحد على الأقل، لأنك أبداً لن تستطيع إرضاء الجميع، لكن يمكنك ابتداءً أن تعد دفوعك الموضوعية، الواعية مبكراً والمستشرفة للآثار الجانبية والتداعيات المحتملة، ومن ثم تحصين قرارك من العطلة أو السقوط. الإعلان الدستورى الأخير ورغم ملاحظة أو أكثر عليه، له مبررات موضوعية وجيهة: 1 معارضة وإن عكست أقلية شعبية، لكن تصرفاتها غير المسئولة عطلت ومازالت أجواء الانطلاق إلى العمل المثمر، ساهم الإسلاميون فى هذه العطلة باعتمادهم سياسة «الطبطبة». 2 معارضة لا تتصارع حول مبادئ، ولكنها تعتمد الصراع السياسى «الساذج» الذى يعتمد الأباطيل والأكاذيب التى من اليسير جداً تفنيدها ومن ثم فضحها أمام الرأى العام. بندان كفيلان بعد فضحهما، كانا من الممكن اعتمادهما كمبررين للإعلان الدستورى، على أن يسبق إصداره تفادى أى مؤاخذة عليه. إلى هنا، فما تقدم ما كان لدىَّ اليوم، كنقد ذاتى بإيجاز وبدون جلد الذات، وتعالوا معاً أن ننقد الآخرين. الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى يمكن أن يؤدى إلى انقلاب عسكرى، هكذا قرأت على شريط الأخبار منسوباً للدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية! يا دكتور نافعة أنت هكذا تنحاز إلى أهوائك وأمانيك الزائفة وليس إلى العقل الذى ميزنا به الخالق والعلم الذى حضنا عليه سبحانه، بل ولا حتى إلى تخصصك الذى درست فيه عمراً والمفترض أنه فى العلوم السياسية والتى مفترض أيضاً، أن تلقنها القلة العاجزة أثناء لقاءاتك معها، لا أن تغيب عقلك عنها، لكى تشعر بنشوى واهية، ولتحيى رفاقك معك لحظات فى حلم زائف، يعوضون به نقائصهم وعجزهم. الجيش المصرى يا دكتور نافعة، ليس فقط بتاريخه الوطنى كما يتردد على ألسنة الجميع وهو حقيقة، ولكن أيضاً بوعيه بتحدياته الإقليمية ومسئولياته، وبفهمه كذلك لطبيعة القوى السياسية الرئيسية وبالذات عندما تم الفرز على الأرض بعد ثورة يناير، يدرك تماماً أن الجيش لا يمكن له ابتداءً أن يصادم أهله، كما لا يمكن له أن يشارك فى صراع سياسى، ثم لا يمكن له وهو الأهم، أن يُستهلك فى الداخل بعيداً عن حدودنا الشمالية الشرقية، هكذا كان يقينى دوماً وتأكد أمامى مساء 28 يناير 2011، عندما كتب شبابنا على الدبابات، يسقط حسنى مبارك، ولم يعترض الجنود شبابنا ولا حتى الضباط حالوا بينهم وبين صعودهم أعلى الدبابات، بل وقبلوا أن يجتمعوا مع شبابنا فى صورٍ وثَّقت الحالة والتاريخ والذكرى، وسعدت بمثلها أنا وصديقى الشاب الثائر عمرو شلتوت. يا دكتور نافعة، علمياً تحليلك ساقط قبل أن تتفوه به، ويسقط تحريضك الساذج بعد أن تفوهت به. عيب.. عيب يا صديقى الدكتور نافعة، وكفى. أما من يبشرنا بحرب أهلية، فهى فئة قليلة تمارس بالفعل دوراً تحريضياً وتآمرياً منذ سنة ونصف على الشغب والفوضى، واستخدام أطفال الشوارع والصبية الأحداث وأصحاب السوابق، لتدعم بهم العشرات من الشباب فى محمد محمود ومجلس الوزراء، وتبقى هذه الأقلية العاجزة المحرضة فى صالوناتها بأبراجها العالية، وتترك الشباب الغض الذى يحاول إثبات وجوده دون وعىِ أو خبرة، فتُهدر دماؤه بين تراشقات تدور بين الصبية والمجرمين من جانب والشرطة من جانب آخر، ويبقى المحرض الجبان المتآمر أو المأجور الخائن بعيداً عن المساءلة. أما الجمعية العمومية لنادى القضاة السبت 24 نوڤمبر 2012، حوت العديد من الوقائع التى يُعاقب عليها القانون، كما حوت اعترافاً من المستشار عبدالمجيد محمود أن عمليات الخصخصة فى عهد النظام السابق وغيرها، حوت فساداً وأن ما مفاده أن يده كانت مغلولة وقتها، وهو مبرر لا يقنعنى، ولكنى أسأله لماذا لم تعلن ذلك فى حينه ولماذا لم تستقل فتفضح مبارك، وهل يعفيك القانون أنك علمت بالفساد ولم تتقدم ببلاغٍ بشأنه، على الأقل بصفة المواطنة المصرية الغيورة، لا بصفتك نائباً عاماً مغلول الأيدى أو الإجراءات؟ أما حديثك عن ثلاجة النظام الحالى الموجود بها الآن هذه الملفات، فيستلزم ذلك استدعاءً لك أمام النيابة الآن، على الأقل للسؤال، عن «قديمه وجديده» من فسادٍ قد عاصرته وأنت تتقلد منصباً مرموقاً «محامى الشعب الأول»، ولم تفصح لنا عن هذا الفساد إلا فى صراعك «السياسى» الآن، ولم تقترب من غيره، مثل كيف حوكم بعد الثورة وزير الإسكان الأسبق، بنفس الاتهام الذى حُفظ قبل الثورة، ذلك مثلاً لا حصراً؟! الجمعيات العمومية التى عقدتها المحاكم فى الأيام الأخيرة، مارست دوراً سياسياً لا يجوز لها أن تمارسه، ثم لم تكن لتمارسه لو كان مبارك مازال «رئيسها»، فأبداً لم يكن ليظل «رئيسنا» نحن وقضاة الاستقلال. * أختم بسؤال نوجهه لأنفسنا، كيف تأخذ أى مؤسسة عامة كانت أو خاصة، قراراتها؟ آخر ما يجب أن تفعله أن تصوت على القرار، وأول ما لا يجب أن تفعله، تضييق دائرة المشورة، برأىٍ واحد وبفكرة واحدة. الإبداع فى اتخاذ قرارٍ «مشروع يقيناً أولاً»، أن تستشرف تداعياته فتتخير الأسلوب الأمثل الذى ينزل بها إلى الصفر أو إلى أقل حدٍ يمكن مداواته مع إعدادٍ لدوائه، وهذا لا يتحقق إلا بدائرة حوار مبدع، الخبراء بتنوعهم أعضاؤها، وهكذا فى السياسة والاقتصاد و...، ومقدرات دولة. فهل سنجنح بدءًا من الآن إلى سبب عظيم سخره لنا مسبب الأسباب سبحانه وتعالى، اسمه الإدارة العلمية؟ الاستفتاء القادم على الدستور سيحقق فرزاً سياسياً مطلوباً ومستحقاً بإذن الله، لذلك تخشاه الأقلية العاجزة، التى تدعى أن شعبيتها فاقت الإسلاميين، لذلك تستميت الآن من أجل عدم إجرائه، أو ستهرب من المشاركة فيه، لكن فى الحقيقة سينزل الشعب وسيبقى فقط هؤلاء العجزة نياماً لأنهم لا يستيقظون إلا عصراً استعداداً لمشاركاتهم الفضائية، بينما المتبنون من الشعب لرفض الدستور سينزلون بلا، والأغلبية الكاسحة ستفضح العجزة بنعم بإذن الله. الشعب زهق من وقف الحال الذى تمارسه هذه الأقلية العاجزة المرفوضة عند أهلنا فى البيوت، لذلك أدعو الإسلاميين أن تكون مليونية السبت هى الأخيرة حتى لا نشارك هؤلاء فى الانطباع الجماهيرى السلبى، ويكفينا أننا أظهرنا حجمنا لهؤلاء العجزة. [email protected]