شاءت الاقدار ان ينتقل الملك فهد الى جوار ربه, ويتأجل عقد القمة العربية الاستثنائية في شرم الشيخ, بدعوة من حكومة مصر, ومعها جامعة الدول العربية. وقد جاءت الدعوة المصرية عقب العمليات التخريبية الارهابية في مؤسسات شرم الشيخ السياحية. تلك العمليات التي اصابت موسم السياحة في تلك المنطقة في مقتل, واشارت تحريات سلطات الامن المصرية الى ان عمليات شرم الشيخ جاءت استكمالا لعمليات طابا من قبل. ويبدو ان استجابة الحكومات العربية للدعوة المصرية كانت ايجابية وسريعة لانها باتت تشعر انها مهددة من جماعات التطرف التي كثرت تسمياتها, وتنسب الى القاعدة في كل الاحوال, ولا احد يجزم ان جماعات العنف والتطرف كلها تنتمي الى تنظيم القاعدة انتماء مركزيا وفنيا, بل ان الاقرب الى الصحة انها تلتقي مع القاعدة في توجهاتها الفكرية ازاء الغرب والولاياتالمتحدة بخاصة, انطلاقا من ان الغرب عموما قد الحق الاذى بالعرب والمسلمين, وما زال هذا الاذى موجودا بصورة احتلال عسكري مباشر في فلسطين والعراق, وبصورة هيمنة على القرار السياسي في الاقطار العربية. لقد كتب عدد كبير من الكتاب في الصحف اليومية حول القمة العربية الاستثنائية وقد اسماها البعض بقمة مكافحة الارهاب, مذكرين بان شرم الشيخ قد شهدت انعقاد قمة دولية لمكافحة الارهاب. وقد ابدى الكتاب في مقالاتهم واعمدتهم يأسهم من نتائج انعقاد القمة, منطلقين من تجربة القمم السابقة وخاصة القمم الاخيرة في الجزائر وقبلها في تونس والقاهرة وبيروت. اذ ان قراراتها ظلت حبرا على ورق, ولم تر النور. وانا في هذه المقالة لا يمكنني ان اتعارض مع الكتاب الاخرين وابدي تفائلا خادعا, لا سيما ان القمة سوف تخصص لموضوع الارهاب وانسحاب اسرائيل من قطاع غزة والوضع في العراق. وهذه الموضوعات بعامة هي الموضوعات المركزية في القمم الاخيرة, ورغم كل التوصيات التي خرجت بها تلك القمم, الا ان الوضع ما زال على حاله, عنف وارهاب صهيوني ضد الشعب الفلسطيني, وتحد سافر للرأي العام العالمي, ولقرار محكمة العدل الدولية بشأن الاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري, وخاصة في منطقة القدس, كما ان الاحتلال الامريكي - البريطاني للعراق, خلق اوضاعا مأساوية للشعب العراقي, وجعل من العراق قاعدة قوية للقوى التي اختارت اسلوب العنف الدموي ضد الاحتلال وضد الحكومة التي صنعها المحتلون الغزاة. لا بد ان نقر بان اعمال العنف الدموية تصاعدت بعد ان اختارت الولاياتالمتحدة طريق الصدام والمجابهة مع العرب والمسلمين, وناصبت الاسلام والمسلمين العداء واضمرت للمسلمين الشر سواء من يعيشون في ديار الغرب ونالوا جنسيات دوله, او الذين يعيشون في بلدانهم. صحيح ان الولاياتالمتحدة مستهدفة بالدرجة الاولى, ومعها دول اوروبا التي اختارت طريق الاستعمار واذلال الشعوب طوال القرون الماضية التي اعقبت الثورة الصناعية الاولى. مستهدفة من قبل الجماعات الضعيفة والفقيرة التي لم تملك سوى اجساد اعضائها لتكون قنابل موقوتة متفجرة في اهدافها. ولو اختارت دول الغرب طريق الاصلاح - كما تدعي - ونشر الديمقراطية وفق الظروف الوطنية لكل دولة من دول الجنوب, ورصدت جزءا من الاموال التي تنفقها على التسلح والعدوان والانتشار العسكري في القواعد والبحار والمحيطات, لكي تعالج فيها مشكلات الجنوبيين وخاصة الفقر والجهل والمرض, لضمنت ولاء تلك الدول لها ولمنهجها السياسي الليبرالي. ولكن فرض الاصلاح بالقوة والتهديد في اوضاع بلدان لا تقوى على الاصلاح السياسي والاقتصادي, هو مقصد فاشل وله اغراض سياسية واستراتيجية كونية. مما تقدم ماذا يمكن ان يقول العرب في القمة المقبلة. الكل سوف يشجب الارهاب بعامة, ويشجب ويستنكر العمليات الارهابية في مصر والسعودية ولبنان, ويترحم على ارواح ضحايا العمليات الارهابية. ولكن يظل السؤال اين يصرف هذا الاستنكار والشجب ..?! ان مثل هذه التوصية سوف تبهج الحكومات الغربية, وهذا لا غرابة فيه, ويمكن ان تخرج القمة بقرار جماعي يدعو الى مكافحة منظمات الارهاب في البلدان العربية. ومثل هذا القرار سيقود الى اقرار حالة طوارئ في البلدان العربية, ولا سيما ان اجهزة الامن والمخابرات فيها, تنتظر مثل هذه الفرصة لكي تعود الى حالة الطوارئ والاجراءات القمعية ضد من يشتبه به الانتماء الى الجماعات الارهابية, وقد يكون الاشتباه بالافكار والاقوال, وحتى بالشكل والزي والطقس. انا لست ضد الوقوف بحزم ضد كل من يريد التخريب وافساد الامن في البلدان العربية, ولكن اسلوب المجابهة العنفية لا يحل المشكلة, فكلما تم اعتقال واحد يظهر خلفه عشرة او اكثر, وبهذا الاسلوب يتم تحويل قطاعات كبيرة من المجتمعات الى ارهابيين, ولا سيما في ظل اوضاع الفقر والبطالة وغلاء الاسعار. ان القرار العربي الذي يحد من الارهاب والارهابيين هو الاتفاق على رأي واحد يخاطب الغربيين والولاياتالمتحدة بخاصة, وبصوت عال, لوضع حد لما يجري في فلسطين والعراق. فالانسحاب من غزة هو قرار صهيوني منفرد, بهدف مقايضة القطاع بأراض في الضفة الغربية. ولا يجوز ان يكون الانسحاب صفقة على حساب الثوابت المبدئية وخاصة موضوع القدس وعودة اللاجئين, ولا بد من دعوة اللجنة الرباعية لاخذ دورها في انفاذ خارطة الطريق ودعوة الادارة الامريكية للخروج من العراق لوقف حمام الدم فيه, وترك المجال للعراقيين لاعادة اعمار بلدهم ماديا, وتحقيق وحدتهم الوطنية دون استثناء, ومثل هذه القرارات تحتاج الى متابعة سياسية من عدد من الزعماء العرب, يأخذون على عاتقهم الاتصال بالمعنيين الدوليين ومطالبتهم بازالة مسببات الارهاب ودوافعه في المنطقة العربية, وغير ذلك سوف تتصاعد اعمال العنف ولو جهزت جيوش العرب والغرب في مواجهة الارهابيين. ----- صحيفة العرب اليوم الاردنية في 7 -8 -2005