حالة من القلق والاضطراب المتسارع تنتاب مسؤولي " المطبخ " الانتخابي لحملة الرئيس مبارك الرئاسية ، وذلك أن التقديرات الأولية لأعباء أول انتخابية تعددية لم تكن تحسب حسابا لذيول هذه العملية ، والتي تجعلها ، رغم كل إمكانيات التدخل والتلاعب ، خاضعة لمعايير جديدة وآليات مختلفة يمكن أن تسبب حرجا كبيرا للرئيس مبارك ، فبعد محاولة سد باب القلق من انفراد أيمن نور بالترشيح في حالة غياب الرئيس مبارك بعد غلق باب الترشيح ، والوصول إلى " سد " هذا الاحتمال بترشيح الدكتور نعمان جمعة ، بدأت دوامة جديدة من التوتر والقلق متعلقة بنسب التصويت المنتظرة ، وأخطر ما فيها القلق من أن لا تتجاوز نسب التصويت في عموم مصر حد الخمسين في المائة ، وهو الأمر الذي يعني أن يدخل الرئيس مبارك جولة إعادة مع أقرب منافسيه ممن يحصل على ثاني أكبر عدد من الأصوات ، وهو الاحتمال الذي أصبح يثير رعبا في دوائر الحزب الوطني الحاكم ، باعتبار أنها ستمثل إهانة كبيرة لمرشح الحزب ، ولذلك تم توجيه أوامر شديدة الصرامة لكوادر الحزب بالقاهرة والمحافظات من أجل حشد الناخبين إلى الصناديق بكل سبيل ، مع وضع خطط بديلة يمكن بها إجراء عملية إنقاذ " قسرية " إذا بدا من مراقبة سير العملية الانتخابية تدني نسب التصويت بصورة تهدد إمكانية إعلان فوز الرئيس من الجولة الأولى . على جانب آخر ، حذرت مصادر سياسية ، قريبة من دوائر صنع القرار ، في تصريحات خاصة بالمصريون ، من وجود مخاوف جدية لدي القائمين على الحملة الانتخابية للرئيس مبارك من تدني نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة ، وذلك تجنبا لحدوث مأزق آخر أخلاقي ومعنوي من أن يحكم الرئيس مبارك فترة ولايته الخامسة بشرعية لا تتجاوز 10 أو 15 في المائة من أصوات الناخبين ، وهو ما سوف تستغله المعارضة والقوى المطالبة بالإصلاح للطعن في شرعية النظام بأكمله . وشككت المصادر في قدرة الحزب الوطني وكوادره على حشد الناخبين للتوجه إلى مكاتب الاقتراع لرفع نسبة المشاركة ، وتوقعت أن تتراوح نسبة المشاركة الفعلية ما بين 10 إلى 15 % من إجمالي عدد الناخبين ، لافتة إلى أن قدرة الحزب على استغلال معاقله التقليدية في الريف والصعيد ، من خلال التحالف مع العائلات الكبيرة والعمد والمشايخ ، سوف تكون محدودة بالنسبة للانتخابات الرئاسية ، مقارنة بالانتخابات البرلمانية ، حيث تلعب التربيطات والعصبيات دورا كبيرا في تحفيز الناخبين للذهاب إلى مكاتب الاقتراع . وأوضحت المصادر أن الحزب الوطني ورغم اعتماده في الانتخابات والاستفتاءات الماضية على حشد العاملين في الجهاز الإداري بالدولة وعمال الشركات والمصانع الحكومية ، إلا أن نسبة التصويت لم تكن تتجاوز 15 % وهو ما كان يدفع الحكومة لتزوير النتائج وتسويد البطاقات الانتخابية في مئات اللجان . وأضافت المصادر أن تدني نسبة المشاركة يعني أن الرئيس المقبل سوف يحكم بشرعية الأقلية ، وهو ما يتيح للمعارضة والقوى المطالبة بالإصلاح الطعن في شرعية أي قرارات مهمة يتخذها ، لافتة إلى أن ذلك سيكون ختاما غير لائق لفترة حكم الرئيس مبارك ، التي تعد الأطول في تاريخ حكام مصر . ولفتت المصادر إلى أن تسريبات قيادات قريبة من لجنة السياسات ، وكذلك إشارات صدرت من الرئيس مبارك نفسه في حوارات تليفزيونية وصحفية تشير إلى أن الحزب الوطني يرتب لهيكلة فوز " مقبول " للرئيس مبارك بنسبة قد تتراوح بين 65% ، 70% وأكدت المصادر على أن هذه النسبة لا يمكن بلوغها عمليا إلا إذا نجحت كوادر الحزب في اختراق الرقابة القضائية وغيرها خاصة في الدوائر البعيدة وإجراء عملية تزوير على نطاق واسع . على جانب آخر رجحت مصادر " المصريون " على أن الصراع على المركز الثاني ينحصر بين الدكتور أيمن نور رئيس حزب الغد والدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد ، وأن نتيجة هذا الصراع سوف تبقى رهنا بعوامل عديدة منها موقف جماعة الإخوان من الانتخابات ، لافتا لوجود احتمالات عدم مقاطعة الإخوان للانتخابات وأن تدعو الجماعة أعضاءها ومؤيديها للتصويت لصالح جمعة على خلفية ترتيبات مبكرة بين الوفد والوطني والإخوان لانتخابات مجلس الشعب المقبلة ، وهو ما سيحسم معركة المركز الثاني لصالح مرشح حزب الوفد . وشددت المصادر على أنه حتى ، لو قرر الإخوان المشاركة ، فان ذلك لن يؤثر كثيرا في نسبة التصويت ، التي لم تتجاوز 24 % خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2000 ، بينما قدر التقرير الذي أعده نادي القضاة عدد المشاركين في الاستفتاء على التعديل الدستوري بما يتراوح ما بين 10 إلى 15 % من إجمالي المقيدين بجداول الناخبين . ولفتت المصادر إلى أن تدني نسبة المشاركة يؤكد أن الشعب المصري قد طلق السياسة ، نتيجة القيود التي تفرضها الحكومة بموجب قانون الطوارئ على العمل السياسي ، والتي تم تكريسها من خلال التعديلات الأخيرة لقوانين الممارسة السياسية .