لا يمكن لنخبة أن تقود وتوجه رأياً عاماً وتكتسب شعبية وهى لا تعرف ماذا تريد وأين المسير، ولا تثبت على رأى معين وفلسفة يمكن معها بلورة مواقفها بالشكل الذى يقتنع به البسطاء لينالوا التأييد اللازم ليصبحوا أغلبية، وهذا راجع لعدم تأهيلهم ومعرفتهم المسبقة بسيكولوجية الشعب المصري، وأى الأوتار يعزفون عليها لينالوا رضاه.. فالمعترضون اليوم على "جبروت مرسى" وتحصينه لقراراته بشأن اللجنة التأسيسية ومجلس الشورى.. هم من صفقوا وهللوا بالأمس لحل مجلس الشعب المنتخب، وهم أنفسهم من سخروا من اختيار الشعب فى استفتاء 19 مارس 2011.. واعتبروا أن من قال نعم حملت يداه السكر والزيت والسمن والعسل من مخازن الإخوان ليصوت بنعم.. ليس هذا فحسب فإنهم يهللون لكل انتكاسة, الشعب مصدرها كشرعية واختارها عن قناعة وهذا كأحد "ثوابت الديمقراطية"، لأنها لم تكن من اختيارهم معتقدين أن آراءهم فرض عين على الأغلبية الساحقة، ويدهسون اختيارات الشعب بالحذاء، مما أفقدهم مصداقيتهم تماماً لدى قطاع كبير من الجماهير هو الأفهم وأدرى بمصلحة الوطن، فالعيب فينا ونعيب زماننا.. فلا ثمة حلول منتظرة من هؤلاء ولن يقبلوا بأى طروحات قد تخرجنا من نفق مشتعل هم من يصرون للزج بنا جميعاً فيه، بعدما شعروا أن دورهم الفارغ من مضمونه أصلاً يُسدل عليه الستار وتأكد للجمهور ما هم إلا كومبارس ارتضى لنفسه أن يكون مكملاً لمشهد بقى على الساحة طويلاً، وتوقفت طموحاتهم فقط عند شىء معين بتوجيه سهام النقد المستمر للإخوان والسلفيين وكل من يختلف معهم.. وهنا الخلل، فأنت لا تجعل من نفسك مؤهلاً للقيادة ولا تدع الفرصة لغيرك ليقود، وحولوا اللعبة لعسكر وحرامية من فينا العسكري ومن فينا الحرامى! فرجل مثل الدكتور محمد البرادعى آثر الانسحاب من سباق الرئاسة فى البداية، معللاً ذلك بأنه لو جاء بالاقتراع من قِبل الشعب سيكون رئيساً بلا صلاحيات، وهو ما يرفضه ولن يقبل به.. ليأتى الآن ويقف فى وجه مرسى مجرد أنه أعطى لنفسه الصلاحيات التى بحث عنها فى السابق، ليستطيع أن يعبر بالسفينة إلى المرفأ الآمن، وكما يقول المثل الشعبى البليغ: "أسمع كلامك أصدقك. أشوف أمورك أستعجب"، وسبق له أيضاً أن قال نصاً بعد أحكام البراءات التى نالها قتلة الثوار "الآن تتعرض الثورة للإجهاض وعلى الرئيس مرسى اتخاذ قرارات ثورية"، وعندما اتخذها أصبح حاكماً بأمر الله.. شىء محير حقاً..!، هذه عينة فقط لشخصية توقع لها البعض أن تكون المنقذ لخبراتها المتراكمة ليتضح أنها خبرات لا تصلح لإدارة دولة.. فمشكلة النخبة ليست إلا معارضة كيدية مجحفة لا منصفة ولا تخرج عن ذلك، وضعف مواجهة وقلة حجة فمن أراد أن يقود أمة بكاملها عليه أن يبحث عن كيفية القيادة ويضع البدائل والحلول لا يتفرغ للمكايدة والمكابرة فى الوقت الذى لم ينل التأييد من أبناء هذه الأمة بأن يقدموه ويجعلوه اختيارهم، واستمرارهم على هذا النهج الكيدى، قد يصل بهم إلى ما أبعد من دور الكومبارس بالارتضاء بدور المتفرج، فالديمقراطية التى يريدونها تقتضى بأن يصدر الرئيس مرسى ما يشاء من قرارات ومنها الإعلان الدستورى الأخير، طالما تم حل مجلس الشعب المنتخب من الملايين، والرجل تصرف بحسب اختصاصاته والتى اكتسبها بغباء النخبة التي هللت لحل مجلس الشعب فى السابق وأوجدت كل المبررات لقرار المحكمة الدستورية التى أهملت رأى الملايين، ولا يمكن بحال من الأحوال أن نعيب علي الرجل استخدام حقه الدستوري في التشريع، فعندما استخدمه توقع أنه سيلقى الدعم من هؤلاء، فى طريقه لعودة الاستقرار والتأكيد على حق المواطن أن يعيش آمناً فى بيته، وقد يتفق البعض معى أو يختلف لكن أقول بكل ثقة إن مرسى يسير فى الطريق الصحيح لعودة دولة المؤسسات، وترسيخ مبدأ الديمقراطية الذى اختاره الشعب منفذاً ما وعد به قبل انتخابه.. رغم الصعوبات التى واجهته منذ توليه حتى الآن، والتى لم يساعده أحد فى التغلب عليها، بقدر ما أوجدوا له المنغصات التى تعطله بعدما شعروا أن كل ذلك حتماً سيلغى دورهم، ويخرج من الدولة العميقة لعمق الدولة الديمقراطية الناشئة الباحثة عن نقلة تأخرت عنها ما يزيد على النصف قرن،.. وإذا كان مرسى هو من انتخبه الشعب وجاء به فن الطبيعى أن يكون له معارضون أيضاً رغم أنه لم يأت بالفاحشة، شرط أن يكونوا معارضين منصفين لا مجحفين، فأنتم من طالبتم فى السابق بإقالة النائب العام، والآن لا تريدون.. فهل من تفسير لذلك؟! الإجابة: التفسير عند الشعب فهو من يقرر.