لا أرى فى واقع سياسة النظام المصرى الحالى أسباباً جوهرية لكل هذه الأزمات المثارة حوله والتى يراد لها أن تمسك بتلابيب صانع القرار وتشل تفكيره وقدرته على الحركة، وتخلق تياراً شعبياً ضده. بمعنى أن قرارات النظام ذاتها لا تستحق كل هذه المعارضة.. بل المعارضة قائمة قبل اتخاذ القرارات، ومهما كان نوع القرارات التى يتم اتخاذها، ومهما كانت آثارها.. لأننا أمام نوع من المكايدة والخصومة السياسية التى تضع هدفها بالدرجة الأساس إفشال الخصم دون نظر للمصلحة العامة.. فما دام الرئيس قد خرج من رحم الإخوان المسلمين، فمن حيث المبدأ(!!)، كل نواياه مشكوك فيها، وكل قراراته خاطئة، وكل سياساته كارثية!! .. دلنى على قرار واحد اتخذه الرئيس مرسى نال استحسان التشكيلة إياها من المعارضين أو حتى سكتوا عنه. حتى قرار انتزاع السلطة من المجلس العسكرى، والذى كان أحد مطالب المعارضة اعتبروه دليلا على رغبة الرئيس فى الاستحواذ على السلطة المطلقة، مع التخويف من مخاطر الجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وكأن الديمقراطية كانت تنام هانئة فى أحضان المجلس العسكرى، ثم جاء مرسى ليقض مضجعها. وكذلك الحال بالنسبة لمجلس الشورى والجمعية التأسيسية، ومن قبلهما مجلس الشعب. فمادام الإخوان أغلبية فى مجلس الشورى، فقرارات التعيينات الصحفية مرفوضة، ورؤساء التحرير الجدد «نسخة مخفية» من الإخوان، أو هم يدينون بالولاء للإخوان، حتى لو كان بعضهم من المعارضين للإخوان بل حتى لو كان بعضهم من وثيقى الصلة بالنظام السابق، وأمانة التنظيم فى الحزب المنحل. أما الجمعية التأسيسية فهى مرفوضة بتشكيلها الأول لأنها ضمت أغلبية من الإسلاميين الذين انتخبهم الشعب فى البرلمان (لو أجريت انتخابات خاصة لأعضاء الجمعية التأسيسية آنذاك لكانت الأغلبية أيضاً للإسلاميين)، ثم حين جرى تعديل تشكيل الجمعية فإن مجرد رضا الإسلاميين عن التشكيل الجديد يعد سبباً لرفض تشكيلها وإثارة الشكوك حولها، ناهيك عن التشكيك فى مخرجات الجمعية قبل أن ترى بنود الدستور المقترح النور، وقبل أن يقول الشعب كلمته فى مشروع الدستور المقترح. وضمن سياسة خلق الأزمات يلجأ البعض إلى أسلوب التحرش والاستفزاز والاتهام والسب والاستهزاء.. الخ، وهو سلاح ذو حدين؛ إن سكتَ عليه أصابك، وإن اعترضت عليه تعالت صيحات الاستغاثة من محاولات تكميم الأفواه وتكبيل الصحافة. ويا للإثارة لو صدر حكم قضائى بمصادرة بضعة أعداد من صحيفة أو صدر قرار من محكمة بحبس صحفى، فإن تلك الأحكام القضائية يتم تصويرها على أنها جزء من سياسة التكميم والتكبيل، رغم أنى أرى أن قرار حبس الزميل الصحفى إسلام عفيفى يوم الخميس الماضى، وقبل يوم واحد من مظاهرة الجمعة (أمس)، إما أنه قرار قضائى «أعمى» لا علاقة له بالواقع السياسى، أو قرار له غرض سياسى لا لخدمة الرئيس أو الإخوان.. بل للإضرار بهم.