هو تطور بلا شك، لكنه طفيف بلا شك أيضاً، ما يحدث في أداء التلفزات الحكومية المصرية بشأن تغطيات أنشطة مرشحي الانتخابات الرئاسية، وتوفير مساحات زمنية لهم، متوازنة إلى حد ما. والمفارقة أن هذا كان غير متوقع، بحسب تقرير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في تشخيصه أداء الصحافة الحكومية (القومية؟) التي تميل إلى حد مكشوف إلى المرشح حسني مبارك، والذي لن يهدد فوزه المؤكد ذلك التطور الطفيف المشار إليه، حيث بالكاد تستطيع جموع المصريين تعداد أسماء المرشحين التسعة بالكامل، ومن هؤلاء من يغشاه حبور كثير في ظهوره على التلفزيون الرسمي، حيث الموسم تلفزيوني تماما، وليس سياسيا أبدا، كما يذهب منتقدون، على بعض الحق فيما يقولون ويلاحظون. تجدد هذه اللحظة المصرية المناسبة لمعاينة الإعلام في بلاد عربية كثيرة، حيث يتصنف إلى حكومي، أو رسمي أحيانا، وآخر غير حكومي، وخصوصا التلفزيوني منه. فيما الأصل أن يكون هذا الإعلام إعلام دولة، بالمفهوم الواسع للدولة الذي يشمل مكوناتها كلها، أحزابا ومنظمات ونقابات وتشكيلات مدنية وأهلية أخرى، فلا يقتصر على تسويق الحكومة وترويج نشاطاتها. ومن هذا الباب يكون من الطبيعي مثلا تغطية التلفزيون الأردني قبل أيام افتتاح المؤتمر العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الأردني، وليس دلالة على انفتاح أثار الإعجاب، طالما أن الحزب المذكور مرخص وشرعي. ويكون دلالة على حالة سياسية متقدمة أن يتيح التلفزيون المغربي منذ سنوات مساحات زمنية لبرامج الأحزاب المتنافسة في الانتخابات النيابية، ما يظل استثنائيا في المشهد الإعلامي العربي، الرسمي بحسب التصنيف الشائع. لكي يتقدم ذلك التطور المصري الطفيف، ويتجاوز ظرفيته، ويمضي إلى آفاق جدية غير ديكورية، يصير مطلوبا أن تتبنى مؤسسة الحكم في مصر، وهي تعد بالإصلاحات السياسية والدستورية، خيارا يأخذ الإعلام التلفزيوني والمكتوب إلى حيث البديهي من أعراف الديمقراطية وحريات التعبير واتساع فضاءات المشاركة السياسية. ومصر مؤهلة لذلك، بما فيها من خبرات وقدرات وطاقات، أدرى بالأنسب لبلدها، تستطيع التخفيف من ثقل الإعلام الدعائي والمدائحي إياه، وترسيخ ممارسة إعلامية لا تتهيب من الاختلاف والمغايرة، ولا تقصي أهل الرأي والفكر على اختلاف وتنوع خياراتهم واجتهاداتهم، ولا تلجأ إلى استخدامهم في مناسبات ووقائع دون غيرها (تفجيرات شرم الشيخ مثلا). من أجل مصر، نترقب أن تعرف تلفزاتها الرسمية إعلام دولة حقيقيا، بعد الانتخابات الرئاسية التي لا ضير من اعتبارها تمرينا مهما في العبور إلى آفاق إصلاحية مشتهاة. ------------------------------------------------------------------- صحيفة الخليج الإماراتية في 29 -8 -2005