مع توجه المصريين اليوم إلي صناديق الاقتراع تطوي الأجواء الصاخبة التي صاحبت حملة أول انتخابات رئاسية تنافسية في البلاد لكن بعض ما كشفته الأسابيع القليلة الماضية يصعب التراجع عنه أو إغلاق القوس في وجهه وأوله سقف الحرية والجرأة التي تمتعت بها الصحافة المصرية في شهر عسل غير مسبوق. المتابع لما كتبته هذه الصحافة خلال كرنفال الانتخابات لا يمكن إلا أن يفاجأ بجسارة تناولها لشخصية رئيس الجمهورية تحديدا بشكل غير معهود بالمرة مع أن الصحف المستقلة والمعارضة كانت دائما تحظي في مصر بما لا تحظي به كثير من نظيراتها في البلاد العربية لكن ليس إلي هذا الحد وبمثل هذه القوة. لقد تم تناول، بل تشريح، شخصية الرئيس مبارك من زوايا مختلفة: شخصه من حيث الشكل بجميع تفاصيله من شعر وماكياج وتجاعيد الزمن في وجهه ولباسه وحركاته وكل ما اصطلح عليه استهزاء ب النيو لوك للريس. كل ما يتعلق بذمته المالية وثروته وكم كانت عندما حل محل الرئيس الراحل أنور السادات وكم صارت الآن. عائلته وكل ما يقال عن فساد و استغلال نفوذ، مالي وسياسي، سواء تعلق الأمر بزوجته أو أبنائه لا سيما جمال الذي تصر كثير من الأقلام أنه يعد منذ فترة لتسلم مقاليد البلاد من والده بترتيبات ظاهرها ديمقراطي وحقيقتها توريث للحكم في بلد قال سابقا إنه يختلف عن غيره في البلاد العربية. حصيلته السياسية مع تركيز واضح علي أن القيادة والعبور إلي المستقبل التي اختارها مبارك شعارا لحملته تصطدم بنتائج 24 عاما من حكم من الصعب أن يحقق في الست سنوات المقبلة منه ما عجز عنه طوالها. ما سرد في هذا الشأن كثير وبعضه لاذع للغاية وغير مسبوق بالمرة كما أن وسائل الإعلام الرسمية نفسها وخاصة التلفزيون خرجت بدورها عن جمودها السابق وفتحت ملفات حساسة واستضافت شخصيات ما كان لها من قبل أن تمر حتي من أمام مبني تلفزيون الريادة وكل ذلك من الصعب جدا الآن إطلاق صفارة الانتهاء في وجهه بمجرد الانتهاء من التصويت. ولعل مصر في هذا المجال باتت الأولي مع وجود حالات مشابهة في كل من المغرب ولبنان. ليس مطلوبا من صحافة كل الدول العربية أن تتطاول علي رئيسها أو ملكها لتثبت جسارتها وحريتها ولكن طالما أن القيادات عندنا صنفت منذ سنوات في مصاف الآلهة أو الأنبياء فإنه لم يعد من شك بأن الاقتراب من هذه المقدسات بات المؤشر الحقيقي الوحيد علي مدي الجزم بوجود حرية صحافة وإن كان يخشي أن تكون، في الحالة المصرية، موسمية تدعي بعدها سريعا إلي الانضباط و لزوم الأدب بعد انفضاض حفلة الانتخابات والعيون الكبيرة المحدقة فيما يجري الآن في أم الدنيا . قد تكون حصلت بعض الشطحات في تناول شخص الرئيس مبارك طوال هذه الأسابيع ولكن مثل هذه المبالغات تظل أفضل ألف مرة من وجود إعلام محنط في كثير من الدول العربية يعتمد الدجل والكذب المباشر ويستخف بذكاء وعقول شعبه مع أنه المثير حقا للاستخفاف والرثاء، ولو أن هذا الجانب لم يختف بدوره من الساحة المصرية. -------- صحيفة القدس العربي في 7 -9 -2005