كنت عند حلاق شعرى مؤخرا ً ، وجَّرنا الحديث – كالعادة – للسياسة وتطوراتها . قال لى الحلاق الأريب : " ياسيدى إياكم أن تتصوروننا – نحن أبناء الشعب – ٌسذجا ً أو غير فاهمين . نحن نعرف كل شيئ ، وندرى تفاصيل ما يدور حولنا ، ولقد منحناه – أى ( الرئيس المنتخب !! ) مبارك فرصة أخيرة : لقد وعدنا بتشغيل أبناءنا العاطلين ، وإسكان أسرنا المشردة ، وإعالة مواطنينا الجائعين ، وهو طلب أصواتنا مقابل الوفاء بهذه الالتزامات ، وسوف نمنحه ستة أشهر ، أو حتى فلنقل سنة . . وبعدها سيكون لنا حديثا ً آخر ، وسأجمع أنا بنفسى الناس ، ونلتحق بكم فى مظاهرات " كفايه " . . . إذا لم ينجز لنا وعده ! " . فالناس سكتت على استمرار النظام الراهن لفترة خامسة كرها ً ، لأن رمزه وعدهم ب " المن والسلوى " إذا بقى ، وهددهم بفقدان الأمن والاستقرار إذا رحل ، لكنها لم تعطه " شيكا ً على بياض " ، ولم تعلن وقوفها خلفه للأبد وبلا ضمانات ، بل أنها حتى لم تمنحه نسبة التفوق التى بذل مرشح الحزب الوطنى السيد حسنى مبارك ، وبذل حزبه الوطنى ، قصارى جهدهم لنيلها ، وإنما أنجحته على " الحركرك " [ بستة ملايين صوت وكسور من إجمالى عدد المصريين البالغ 72 مليونا ً وكسور أى بما لا يزيد عن 8% من إجمالى تعداد الشعب المصرى !] ، وفى المقابل تنظر بترقب وَتحَفٌزْ : ماذا سيصنع لهم فى حياتهم البائسة التى تتردى يوما ً بعد يوم ؟! ، وكيف سيتعامل مع مشاكلهم المزمنة ، التى تراكمت على امتداد ربع القرن الماضى ، دون أى جهد حقيقى لحلها ؟! وكيف سيتصرف إزاء ما ألزم به نفسه من وعود ، وما تعهد بتقديمه من إنجازات ؟! . والمشكلة التى وضع فيها ( الرئيس المنتخب !! ) السيد حسنى مبارك نفسه ، ووضع فيها حزبه ، فى اعتقادى ، أنه – فى غمرة بحثه وبحث حزبه ( الوطنى ) عن الفوز بالانتخابات الرئاسية ، بأى صورة من الصور ، تماديا فى تقديم مجموعة من الوعود للناس يصعب – موضوعيا ً – الوفاء ، ولو بجزء مقبول منها ! ، فهى وعود مجانية مبالغ فيها ، لا يملك النظام فرصة تحقيقها ، لسببين أساسيين : أولهما : افتقاد القدرات المادية الضخمة التى تحتاجها لكى تتحول إلى حقيقة واقعة . وثانيهما : شيوع الفساد فى بنية النظام ( الفساد المؤسسى ) ، بصورة تمتص كل فرص ممكنة للإنجاز ، وتفرغها من مضمونها ، وتحول كل الإمكانات المتاحة – بفرض توافرها – إلى مكاسب ذاتية لأفراد وفئات اجتماعية ومرتبطة بالنظام ، بما يعنى – فى النهاية – تبديد أية إمكانية لتحقيق إنجاز فعلى على أرض الواقع . وإذا تغاضينا عن موضوع الفساد ، الذى يطول الحديث عنه ، ولا يملك الحكم إرادة التخلص منه ، أو قدرة الإطاحة بتجمعاته ورموزه ، أو إمكانية تغيير المناخ الذى انتعش فيه ، لأنه يمثل ركيزة من ركائز النظام الأساسية التى يصعب عليه الاستمرار فى الحياة بدونها ، فبحسبة بسيطة للغاية يمكن التأكد من استحالة الوفاء بما وعد به مبارك الشعب ، وبنى دعايته الانتخابية على الالتزام بتحقيقه ، وتعالوا نحسبها : 1 وعد السيد حسنى مبارك الشعب بتوفير ( 4.5 ) مليون فرصة عمل ، وحسب بيانات للهيئة العامة للإستثمار والمناطق الحرة ( التقرير السنوى 2002 / 2003 ) ، أوردها الباحث الاقتصادى المعروف د. أحمد السيد النجار ، فإن فرصة العمل الدائمة فى المشروعات الاستثمارية تتكلف 250 ألف جنيه ، وتقول الحكومة نفسها أن كل فرصة عمل عادية جديدة تحتاج لتوظيف استثمار قدره ( 150 ) ألف جنيه . • أى أن الوفاء بهذا الوعد يتطلب ، فى الحد الأدنى ، توفير ما قيمته ( 000 000 000 675 جنيه ) أى ( 675 مليار جنيه ) ، [ فضلا ً عن أن النظام لم يحقق طوال ال 24 سنة الماضية سوى 291 ألف فرصة عمل سنويا ً ، حسب إحصاءات البنك المركزى المصرى – يونيو 2500 ] . 2 وعد المرشح للرئاسة السيد حسنى مبارك الشعب بتوفير ( 000 800 ) وحدة سكنية ، تتكلف الوحدة منها [ مساحة70 م2 – حسب تقدير د. محمود محيي الدين ، وزير الاستثمار – جريدة ( روز اليوسف ) – 15/9/2005 ] ، ما قيمته ( 50 ) ألف جنيه ، على الأقل . • أى أن الوفاء بهذا الوعد يتطلب توفير ما قيمته ( 000 000 000 40 جنيه ) ، أى ( 40 مليار جنيه ) . • وعد المرشح للرئاسة السيد حسنى مبارك الشعب باستصلاح مليونى فدان مصرى ، وتشير بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ( 1995 – 1972 ) ، التى أوردها د. النجار فى دراساته ، إلى أن إجمالى ما تم استصلاحه من أراض ٍ ، ( طوال الفترة الممتدة ما بين أعوام 1970 – 1972 و 2002 – 2003 ) ، قد بلغ 1.85 مليون فدان ، بمتوسط سنوى بلغ 59.7 ألف فدان ، أى أن الوفاء بالتزامات ( السيد الرئيس المنتخب ! ) فى هذا الشأن وبهذه المعدلات ، يقتضى فترة زمنية طوالها 33 عاما ً على أقل تقدير ! . • فضلا ً عن أن التكاليف المطلوبة للوفاء بهذا الوعد – بافتراض أن تكلفة استصلاح الفدان من الأرض ، وتهيئتها للزراعة ، فى حدود دنيا مقدارها عشرة آلاف جنيه لا غير – ستصل إلى 20 مليار جنيه . • وبعملية جمع بسيطة ستكشف أن هذه البنود الثلاثة فقط ، تحتاج لمبالغ تصل إلى 735 مليار جنيه مصرى لا غير . وإذا أضفنا لما تقدم ، ما هو معروف وشائع ومنشور من أن حجم الدين الداخلى ، الذى يتوجب الوفاء به خلال الفترة القريبة القادمة ، حتى لا يؤدى إلى تفجر الأوضاع فى البلاد ، قد وصل إلى 641 مليار جنيه ، وأن حجم الدين الخارجى حوالى 40 مليار دولار ( نحو230 مليار جنيه ) أخرى ، فالاحتياجات الضرورية تصل بنا إلى رقم إجمالى خرافى فى حدود ( 000 000 000 400 1 جنيه ) ( تريليون و 400 مليار جنيه ) ، أو ألف وأربعمائة مليار جنيه ، وهو رقم مذهل فى ضخامته ، أشك حتى أن فى قدرة الولاياتالمتحدة – بجلالة قدرها – ناهيك عن قدرة دولة كمصر ، الدولة الفقيرة المنهكة المنهوبة ، الوفاء به ، أو تحمله ، أو حتى التفكير فى تدبير جزء معقول منه . • • • الرئيس ( المنتخب ! ) ، السيد محمد حسنى مبارك ، [ وبصرف النظر عن مشروعية العملية الانتخابية ، أو ما شابها من انتهاكات فاضحة وتجاوزات واضحة ، وبالتجاوز عن النسبة المتواضعة التى حازها ، والأساليب التى لجأ إليها لضمان إعادة التمديد له للفترة الرئاسية الخامسة ] قدم – خلال حملته الانتخابية – ( برنامجا ً ) طالب الشعب بالتصويت له على أساسه ، فى مقابل تعهده بتنفيذ بنود هذا البرنامج ، إذا ما اختاره الناس لفترة رئاسية جديدة [ وهل كان هناك فرصة لاختيار غيره ؟!! ] ، وقد تضمن هذا البرنامج وعوداً ضخمة ، أقر( الرئيس ) مبارك بقدرته على تحقيقها ، والتزم بالوفاء بها ، وتنفيذ بنودها ، وهى عهود مقطوعة ، ووعود ٌمعلن عنها أمام الملأ ، وعلى رؤوس الأشهاد ، وبكل الوسائل الإعلامية المتاحة : التليفزيون والصحافة والإنترنت . . وخلافه ، أى أن انكارها مستحيل ، والتراجع عنها غير ممكن ، والتملص من الوفاء بها يعنى الكثير ! . • • • وبناء على الحسابات الأولية التى أشرت إلى جانب فقط من جوانبها ، فيما تقدم من سطور ، يمكن الجزم باستحالة الوفاء بهذه الوعود ، أو تنفيذ جانب من هذه الأحلام التى نشرها ( الرئيس المنتخب ) ، مبارك ، وحزبه الوطنى ، ونثرها ، فى سماء الوطن ، حتى يكفل الانتصار فى المعركة الانتخابية . " عم أحمد " ، الحلاق الذكى ، الذى يمثل حكمه شعب مصر ، وصبره ، وعمق بصيرته ، قال ما نصه : " لقد وعدنا . . . وسوف نمنحه ستة أشهر أو فلنقل سنة . . . وبعدها سيكون لنا حديث آخر ! " . . وآه من حديث الأغلبية الصامتة لو تكلمت ! . [email protected]