[ قد آن يا كيخوت للقلب الجريح أن يستريح فاحفر هنا قبرا ً ونم وانقش على الصخر الأصم : " يا نابشا " قلبى حنانك . ها هنا قلب ينام ، لا فرق من عام ينام وألف عام هذى العظام حصاد أيامى ، فرفقا ً بالعظام أنا لست ُأحسب بين فرسان الزمان إن عُدَّ فرسان الزمان لكن قلبى كان دوما ً قلب فارس كره المنافق والجبان مقدار ما عشق الحقيقة ] تذكرت هذه الأبيات الخالدة ، التى وردت فى مفتتح رائعة الشاعر والفنان العظيم الراحل ، " نجيب سرور " ، " لزوم ما يلزم " ، وأنا أعود إلى بيتى بعد توديع القائد والمفكر السياسى والزعيم الوطنى البارز ، د. أحمد عبد الله رزه ، إلى مثواه الأخير ظهر يوم الأربعاء ، 7 يونيو ، الماضى . فأحمد عبد الله رزه هو صاحب هذا القلب الجريح ، المجهد الروح والعقل والوجدان ، بسبب عشقه لوطنه وحبه لناسه ومعاناته المتواصلة سعيا ً لخيرهما ، وقلقا ً على مصيرهما . ولا شك أن كثيرين سيتسائلون باندهاش عن هوية هذا الشخص الذى أسبغت عليه – وأسبغ كل من كتب عنه من زملائه وأصدقائه وعارفيه – صفات الفارس وعاشق الحقيقة والمتيم بحب الوطن والناس ؟! ، ففى زمن " تامر حسنى " ، ولاعبى الكرة الذين يتقاضون الملايين " فى شوطة رجل ! " ، لن يكون مستغربا ً بحال من الأحوال أن يدور هذا التساؤل فى ذهن الكثيرين ، فأحمد عبد الله رزه ، لم يكن واحدا ً من المحظوظين فى هذا الوطن ، بل عاش راهبا ً للفكر ، زاهدا ً فى المغنم ، عاكفا ً على العمل المخلص من أجل أمته وقضيته ، بعيدا ً عن الضجيج والعجيج والأضواء ، ورائحة العفن والصفقات النتنة ، التى تشيع فى الأرجاء ! . ولمن لا يعرف أحمد عبد الله رزه ، أقول أنه زعيم جيل كامل ، هو جيل السبعينيات دون منازع ، وهبه الله فصاحة اللسان وشجاعة البيان ، ومنحه قبولا ً جماهيريا ً عارما ً ، وقدرة غير عادية على القيادة والتأثير ، وفى ليل هزيمة 1967 كان أحمد وقلة من رفاقه ، على رأس انتفاضات هذا الجيل ، التى ثارت فى وجه أسباب الهزيمة والمتسببين فيها ، وطالبت بالثأر من المحتل وتطهير تراب الوطن من رجس الاحتلال ، وتحقيق الديمقراطية للشعب ، وبناء مصر الحرة المستقلة ! . كان أحمد زعيم لحلم راود جيله ، أن نعيش فى وطن العدل والحرية ، لكن قوى الظلام لم تسمح لهذا الحلم بالتحقق ، وحتى حينما تحقق جزء منه – بحرب العبور فى عام 1973 – تآمرت عليه ، وحولته إلى منصة للصلح المنفرد ، مع العدو ، ومنطلقا ً لتدمير مقومات القوة وأسباب المناعة للوطن والأمة ، وخرج الشعب منها – بعد كل ما قدم من تضحيات – بخفى حنين ، كما يقولون ، وتعرض جيل السبعينيات – من جرائها – لحملة انتقام منظمة ، استهدفت أفكاره وقضيته ورموزه ، وعملت على نزع الوعى الوطنى من الشباب حتى لا تتكرر مأثرة هذا الجيل النبيل مرة أخرى ، مهما كانت الأسباب . ولقد عاش أحمد عبد الله رزه ، ودفع ثمن مبادئه " كاش " وعلى" داير المليم " ، فلم يسمح له أبدا ً بأى موقع يناسب مواهبه القيادية الفائقة ، ولا ما ناله من علم ومعرفة رفيعة [ حصل على الدكتوراه من جامعة كمبريدج فى العلوم السياسية ، وكتب عشرات المراجع الأكاديمية المميزة ، وشارك فى المئات من المؤتمرات المتخصصة ، وأسس وأدار مركزا ً لدراسات الشباب والأطفال . . ألخ ] ، وعاش دائما ً من كد عرقه وجهد ذهنه المتقد وقلبه الموجوع ، حتى أصبح مثالا ً فى طهارة اليد ونقاء الضمير . ولأن حب هذا الوطن قاتل للحساسين النبلاء ، من عينة د. أحمد عبد الله رزه ، فقد شاءالله عز وجل أن يرحل فى ذكرى هزيمة 5 يونيو المريرة ، تلك الهزيمة التى دفعتنا جميعا ً – وفى قلبنا د. أحمد ذاته – للثورة ، ونحن فى سن الفتوة والشباب . سأظل أفخر ، دائما ً ، أنى كنت واحدا ً من اولئك الذين أسعدهم حظهم بالتعرف على هذا القائد الفذ ، والقائد الجسور ، ومشاركته النضال فى صفوف الحركة الطلابية الديمقراطية المصرية ، فى عقد السبعينيات المجيدة ، عضوا فى " اللجنة الوطنية العليا للطلاب " ، التى قادت الانتفاضة الطلابية آنذاك ، وظللت قريبا ً منه طوال فترة عمره الذى انقضت كلمعة الشهب فى الليل البهيم . العزاء لمصر فى فقدها واحدا ً من أخلص أبنائها ، وأكثرهم نبلا ً وكفاءة ، ولنا الصبر ، ولأهله السلوان .