لقد اعترضت كثير من القوى الوطنية على إقالة النائب العام. بحجة أن هذا يعد تعديا على السلطة القضائية من السلطة التنفيذية وإهدارا لمبدأ الفصل بين السلطات ومخالفة ذلك للقانون. ومع تقديري بالفعل لاحترام القانون ولكن أحب أن أوضح أن هؤلاء تناسوا جميعا أن هذا الوطن حدثت به ثوره. وهذه الثورة أسقطت النظام السابق واسقطت الدستور ، وهو أبو القوانين. مما يعنى انه لا يجب ان يكون هناك دستورا ولا قانونا يمنع من تحقيق المطالب الثورية. وإقالة النائب العام ومحاكمته كانت أحد مطالب الثورة كجزء من مطلب تطهير القضاء. إن عدم إقالته ومحاكمته هي خيانه للثورة. وعدم محاسبته لما استتبعه بعد ذلك من إضاعة حقوق الوطن وحقوق مواطنيه وشهدائه بضعف التحقيقات وعدم تقديمها للأدله الدامغه للإدانه لهو خيانه أخرى للوطن ولدماء الشهداء يجب محاسبته عليه. وأظن أنه إذا لم يكن هناك طريق قانوني للإقاله والمحاسبة ، فإن التجاوز على القانون بالإقاله والمحاكمة يكون رقيا بالمقارنة بما تفعله الثورات في البلاد الأخرى من التجاوز في العنف من تنفيذ الأحكام الشعبية بطريقة مباشرة تفتقر للأبعاد الإنسانية الراقية وقواعد العدالة في المحاسبة. وما مقتل القذافي منا ببعيد. بل أن إقاله النائب العام رغم مخالفتها للقانون ، لكنها قد تكون مقبوله في الحالات الغير طبيعيه. وللأسف الشديد فقد نسى أو تناسى السياسيون ما قام به السادات من إقالة النائب العام في ثورة التطهير رغم مخالفتها للقانون وللدستور آن ذاك. ولكن ضرورتها لحماية المصلحة الوطنية أكسبتها الشرعية الازمة ، والتى لا تختلف إن لم تقل عن ما نحن فيه. لذا لم نرى معارضة فى ذلك الوقت ، ولا هذه النغمة من تعدي السلطة التنفيذيه على القضائية و.. خلافه. وذلك لأن الأمور كان يحكم على صحتها بمطابقتها للمصلحة العامة ، وليس لرفض أو قبول من يصدرها !! وهو ما لا يحدث الآن. بل ان معارضة بعض الأمور الآن أو قبولها أصبحت لا تتغاطى فقط عن المصلحة العامة ، ولكن أصبحت كذلك لا تراعي الإرادة الشعبية ولا مطالب الثورة ولا الثوار !! إن أساس هذه المشكلة والتي وضعت قيودا على الإرادة الشعبية هو خطئين :- 1- النص على عدم عزل القضاه وغيرهم. 2- استخدام مسميات وتوصيف خاطئ لمجلس الشعب ولرئيس الجمهورية من سلطة تشريعية وتنفيذيه. إن الخطأ الاول هو النص على عدم عزل القضاه وغيرهم. ولو لأسباب صحيه !! فإذا علمنا أن سن المعاش للقضاه يصل إلى السبعين عاما. وما قد يصاحب المرء في حياته من تغيرات مرضيه كانت أم خلقيه. فالزهايمر من أمراض العصر. والمراهقة المتأخرة لا خلاف على وجودها ، وكل منا يتذكر ما فعله مدير صندوق البنك الدولي السابق. فهل يطمئن أي منا لعدالة قد يؤثر عليها أي مرض جسدى او فساد خلقى ؟!! إن القضاه ليسوا آله ، يصيبهم ما يصيبنا. بل أن الخوف من إصابتهم أشد لأن أيديهم قد تعطوا حقوقا وتسلب حقوق. ولا تستقيم أي دولة إلا بإستقامة العدل فيها. فكما نطالب بإستقلال القضاء لضمان العدل فيها ، فإننا نطالب بضمان إستقامة القضاء لنفس ذات السبب. لذا فإنه لا يجب أبدا أن يكون هناك أحدا غير قابل للعزل ولا للمساءله من رئيس الجمهورية إلى أعضاء مجلسي الشعب والشورى إلى القضاء إلى النائب العام إلى أعضاء المحكمة الدستورية العليا إلى رؤساء الهيئات الرقابية إلى .... خلافه. ولو سبق وفعلنا هذا ما كنا لنرى اليوم محاسبة رئيس هيئة الرقابة الإدارية السابق بتهمة الفساد وهو الذي أمضى سنوات على رئاسة واحدة من أكبر أجهزة مكافحة الفساد !! ولو صح إتهامه ، فهل الجهاز طوال سنوات رئاسته كان يعمل للحماية من الفساد أم لحماية الفساد !! وهل عدم القابلية للعزل ولا للمحاسبة ضمان لحيدتها أم حماية لمفاسدها !! إنني على يقين من أن الشخص النظيف لا يخاف من المحاسبة ولا بالتالي من العزل. هذا مع الالتزام بأن تكون هذه المحاسبة أو العزل بضوابط وحدود قوية تمنع أن تكون هذه الإجراءات إنتقامية أو تصفية حسابات أو محاولة إخضاع وتأثير. وبالنسبة للقضاه فيجب أن يكون محاسبتهم أولا أمام التفتيش القضائي. والذي لا يجب أن يتم نقله من تبعيته لوزارة العدل إلى تبعيته لمجلس القضاء الأعلى. ولكن ليكون جهة رقابية قضائية مستقله. فمع تقديري لمجلس القضاء الاعلى ، ولكنهم قضاة ممارسون. فكيف يكونوا رؤساء لمن يمكن ويجب أن يحاسبهم !! ثم بعد ذلك يراقب عليهم الشعب من خلال مجلسه ولجان استماعه. ويحق لأى مواطن شكوى او مخاصمة أى قاضى او مستشار وذلك بتقديم شكوى الى التفتيش القضائى الملزم بالرد عليه. وفى حالة رفض شكواه ، يمكنه التقدم بشكوى لممثلى الشعب (مجلس الشعب). الذى يتولى فحص الشكوى من خلال لجان الاستماع به وبحضور التفتيش القضائى. وفى حالة إدانة القاضى يحاسب معه التفتيش القضائى لإخفاقه فى المحاسبة. ويصدر القرار فى هذه الحالة بموافقة ثلثى أعضاء المجلس. وفى حالة أعتراض التفتيش القضائى على القرار ، يمكنه رفعه للرئاسة (الممثل الثانى للسلطة الشعبية) ليفصل بينهما. وفى حالة موافقته لرأى مجلس الشعب ، يتم عزل مسؤلى التفتيش القضائى (علاقات السلطات فى المقال القادم ان شاء الله). وبالنسبة للجهات الرقابية. فهي أجهزة مساعدة لمن تقدم تقاريرها إليه. وبالتالي فهو صاحب الحق الأصيل في تعيين من يراه كفء لمعاونته أو عزله عند تقصيره. إلا في حالة وجود خصومه بينهما فيتم الرجوع إلى الحكم بين السلطات الموضح عاليه. إستكمالا للأخطاء التى وضعت قيودا على الإرادة الشعبية ، إن الخطأ الثانى هو اعتبار السلطات الثلاث متساوية (التشريعية والتنفيذيه " الرئاسة " والقضائية). وبالتالى اعتبار قيام رئيس الجمهورية بعزل أحد القضاه (النائب العام) تعديا من السلطة التنفيذيه على السلطة القضائية. وسبب خطأ هذا الاعتبار هو استخدام هذه المسميات وهذا التوصيف لهما من سلطة تشريعية وتنفيذيه. فمجلس الشعب ورئيس الجمهورية هما سلطتان منتخبتان ليكونا ممثلي ووكلاء صاحب الحق الأصيل وهو الشعب. وبالتالي فهما يمثلان السلطة والإرادة الشعبية تمثيلا مباشرا. وبالتالى يجب ان يسما بهذا الاسم ويتم التعامل معهما بهذه الصفة. فهما يمثلان الشعب فيما يريده ويقرران بصفتهما ممثلية ، بدلا من اللجوء للشعب مباشرة في كل قرار. وبالتالي فبدلا من إضطرار الشعب للقيام بثورة لإصلاح وضع لا يرتضيه وفي فعله هذا يمكن أن يهدر دستورا أو يعزل فردا أويسقط نظاما ، يجب أن يكون لممثله جزء من هذه القدره بضوابط لعدم الإضطرار لقيام الشعب مباشرة بالثورة ومالها من تبعات. وفي حالة تراخي ممثليه عن القيام بهذا الدور فإنه من المؤكد أن الشعب سيقوم مباشرة بنفسه بالثورة ، ويسحق في طريقه في هذه الحالة ممن يسحق ، ممثليه الذين تراخوا في حماية مصالحه والدفاع عنها. لذا فإن للسلطة المنتخبه شعبيا سلطة فوق باقي السلطات لأنها تمثل الشعب الذي يراقب جميع أجهزة الدولة وسلطاتها .. ويحاسب ويعاقب ويعين ويعزل من يحقق رغبات وآمال هذا الشعب. إن معالجة هذا الفهم الخاطئ سوف يعمل على علاج مشكلتين وهما : • قيام هذا الفهم وهذه الصلاحيات بتحقيق الإرادة الشعبية مباشرة بدون الحاجة إلى ثوارت وبدون قيود صارمة على هذه الإرادة. وهذا لا يمنع من محاسبتها هى شخصيا فى حالة تجاوزها وذلك إما جنائيا أمام القضاء أو سياسيا أمام الشعب بإستفتاءات شعبية كالموضحه تاليه. • إن الأحداث التي مرت ووصلت بالعلاقة بين السلطات الثلاث (التنفيذية و التشريعية والقضائية) إلى مرحلة التصادم. كما وصل التصادم الى ان يكون بين احد هذه السلطات وجهات او فئات أخرى ، كالخلاف الذى حدث بين السلطة القضائية ونقابة المحامين. مما أصبح يستلزم سلطة تفصل بينهم ، وإلا أصبحت الدولة مفككة ولا رابط لها. فلذا فمع إصرارنا على الفصل بين السلطات الثلاث. فإنه يلزم من ان يكون هناك حكم بينهم. والحكم الطبيعي بين سلطات الوطن هو صاحب الحق الأصيل وهو الشعب. وإن لم يكن هذا ممكنا ، فالطبيعي أن يكون ممثله أو وكيله أي مجلس الشعب أو رئيس الجمهورية. وأفضل أن يكون الحكم بين السلطات هو مجلس الشعب لوجود حوالي 500 عضوا به ، مما يقلل إحتمالية التجاوز والشطط. وعلى أن يكون التصويت فى هذه الحالة بموافقة ثلثى الاعضاء. وفى حالة أن يكون مجلس الشعب ذاته خصما ، فيكون رئيس الجمهورية في هذه الحالة هو الحكم. وفي حالة الخصومه بين مجلس الشعب ورئيس الجمهورية فصاحب الحق الأصيل الذي انتخبهما وهو الشعب يكون الحكم بينهما بإستفتاء شعبي. بل يمكن أن يصل الأمر أن يطلب أحدهما حل الآخر من خلال إستفتاء شعبي. والمحاسبة هنا بين مجلس الشعب ورئيس الجمهورية هي محاسبة سياسية غير المحاسبة الجنائية المنصوص عليها بالدستور السابق وأوافق عليها. واقترح ان موافقة مجلس الشعب على محاسبة رئيس الجمهورية والدعوة للأستفتاء عليها يجب ان تكون بموافقة ثلثى أعضاء المجلس. وفي حالة استمرار مجلس الشورى فهو سلطة منتخبه كذلك فيمكن معاملته على هذا الاساس مع مراعاة إختصاص كل منهم. لذا فإنني أطالب للمعالجة وللحماية المستقبلية بمعالجة هذه الأخطاء ووضع هذه المفاهيم في الدستور القادم حتى لا يضطر الشعب للقيام بثورات جديدة يهدم فيها كل القوانين والقواعد والمحاذير والمحاسبة العادلة. وفي القضية الحالية (عزل النائب العام) فإنني مازالت أقول أن الثورة لم تنتهي بعد ، لأنها لم تحقق مطالبها. وبالتالي فإنه يجب الإنصياع لمطالب الجماهير المباشرة التى نادت بها من تطهير القضاء وإقالة النائب العام ومحاكمته. وذلك لأنه لا سلطه ولا قانون يعلو سيادتها. وأن عدم تحقيق المطالب المباشرة للثورة تعني خيانتها وتعديا على الإرادة الشعبية. [email protected]