بالأمس أقر مجلس الحكام للوكالة الدولية للطاقة الذرية المكون من 35 دولة تعيين الدكتور محمد البرادعي مديرا عاما لها لولاية ثالثة ، وذلك بعد يوم واحد من تبني المجلس قرارا أوربيا قد يؤدي إلى إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن عندما يقدم البرادعي تقريره التالي للمجلس بشأن إيران في نوفمبر القادم . والمعروف أن الولاياتالمتحدة كانت ترفض بشدة التجديد للدكتور البرادعي ليس لكونه مصريا ، وإنما لأنه كما زعمت لم يتعامل بالحزم اللازم مع الملف الإيراني. أما حقيقة رفض الأمريكيين له فيرجع إلى أمرين : أولا رفضه الرضوخ إلى التصديق على أكاذيب الإدارة الأمريكية بشأن إمتلاك صدام حسين لبرنامج نووي ، والذي كانت تحتاجه إدارة بوش كتبرير إضافي لغزو العراق. وثانيا لأنه يرفض تطويع تقاريره عن إيران لكي تتوافق مع الأجندة الأمريكية المتربصة بهذا الملف. وعلى الرغم من محاولات أمريكية عديدة للضغط على أعضاء مجلس الحكام للعثور على بديل للبرادعي ، فشلت أميركا في مسعاها لإقتناع الأعضاء بكفاءة المدير الحالي ، وصعوبة العثور على بديل له. وكان الخلاف حول البرادعي هو تقريبا الخلاف الوحيد بين الأوربيين والأمريكيين في الوكالة الدولية بعد إنقلاب الترويكا الأوربية (إنجلترا وفرنسا وألمانيا) على إيران ، ومحاولتها دفع الملف الإيراني إلى مجلس الأمن لفرض عقوبات عليها ، وهي المحاولة التي فشلت بسبب رفض روسيا والصين لها. غير أن الترويكا أعادت المحاولة بإصرار بعد تخفيف القرار إلى إحالة لاحقة محتملة ، وهو ما حظى بأغلبية الأصوات بعد إمتناع روسيا والصين عن التصويت عليه. وكان أكثر ما صدم الإيرانيين في هذه المسألة تحول موقف الهند من مساندة الحق الإيراني إلى تأييد الموقف الغربي والتصويت بالموافقة على القرار. وكانت الترويكا الأوربية ، المتفقة كلية مع الهدف الأمريكي بعدم السماح لإيران بالتمكن من التكنولوجيا النووية ، قد عرضت على الإيرانيين عدد من الرشاوى الاقتصادية المهينة (وصفوها ب "الحوافز") لكي تتخلى مقابلها عن المشروع النووي القومي الذي يجمع عليه الإيرانيون بكافة فصائلهم وتياراتهم السياسية. توقعت الترويكا ومن ورائها الأمريكيون أن يسيل لعاب حكام إيران كما يسيل لعاب حكام العرب أمام الإغراءات ، ومارسوا تكتيك الشرطي الطيب كما أوضحت بالأمس حتى تندفع إيران مستغيثة بهم من بطش الشرطي القاسي (أميركا) . وعندما لم يفلح هذا الأسلوب عمدوا إلى تغيير التكتيك ، حيث أعلن بوش أنه إتفق مع قادة الترويكا (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) على "تكتيكات تفاوض جديدة" (نيويورك تايمز 24/2) تظهر من خلالها أميركا وكأنها تقدم تنازلات. فقد إتسم الموقف الأمريكي الأول من إيران بالتشدد على أساس أنها تستحق العقاب ، وليس المكافأة ، على إخفاء برنامجها النووي عن الوكالة الدولية للطاقة. أما عندما تتنازل إدارة بوش " وتقبل مشاركة الأوربيين في تقديم حوافز إقتصادية وتقنية وسياسية مقابل تخلي إيران عن برنامجها النووي بالكامل ، ووقف (وليس مجرد تعليق) تخصيب اليورانيوم ، فإن رفض إيرن لهذا العرض سيفاقم الضغوط عليها ويظهرها في صورة الطرف المتعنت . وحتى يزيد الأمريكيون الطينة بلة في الملعب الإيراني ، رفضت إدارة بوش الإنضمام إلى المفاوضات كما يطالب الأوربيون لأن ذلك سيكون "بمثابة مكافأة لإيران على سلوكها السئ ، ولأن الكونجرس سيحتج بشدة على قبول الإدارة الجلوس مع ممثلي دولة شاردة". وهذه ورقة أخرى يمكن أن يستخدمها الأمريكيون في الوقت اللازم على الأرجح إذا نجحوا في إحالة الملف إلى مجلس الأمن لتأكيد الإنطباع بأن إيران هي الطرف المذنب والمتعنت . [email protected]