أخيرا، وبعد أن أوشكْتُ على وقف سلسلة المقالات الموجهة إلى (حكومة الثورة)، لحثهم على سرعة إصلاح الخرائب التى تركها المخلوع (مع تقديم المقترحات اللازمة لكل وزارة)، يأسا من الاستجابة.. جاء الفرج وعاد الأمل عندما قرأت بالأهرام: (رئيس الوزراء يطلق أول مشروع لتطوير قرى المنتج الواحد خلال أيام), وكنت قد نشرت يوم 6 ديسمبر الماضى مقالا بعنوان: (حان الوقت لتطوير وتحديث القرى المصرية) جاء فيه: (وتتميز القرى المصرية عن المدن بالعلاقات الاجتماعية الجيدة بين سكانها، وسيادة ما عرف بأخلاق القرية، بالإضافة إلى شيوع فضائل التضامن والتكاتف وحب القرية والتضحية من أجلها، لدرجة أن أغلب المرافق الموجودة بالقرى من مساجد ودور ضيافة ومدارس ومعاهد أزهرية ونوادٍ، أقيمت بالجهود الذاتية من تبرعات أهلها. وكان يمكن استثمار هذه الفضائل لتطوير القرى المصرية والارتقاء بها وتحويلها إلى قرى سياحية تجتذب السائحين من العالم كله، ولكن أنظمة الحكم البائدة كانت تنظر إلى القرية نظرة متخلفة وتفرض عليها التجاهل الكامل. ولا شك أن القرى بمزاياها التى لم تستثمر بعد مهيأة لأن تكون حجر الأساس للنهضة المرتقبة بعد الثورة، وذلك بالتخطيط لتخصيص نشاط اقتصادى لكل قرية بما يناسب موقعها ورغبات شبابها. ونقترح فى هذا المجال (على الحكومة المنتخبة المرتقبة) إنشاء هيئة تشرف على إعداد دراسات جدوى ومراكز تدريب لمشروعات تناسب القرى، مثل: صناعة السجاد - إنتاج العسل - إنتاج وغزل الحرير - إنتاج وغزل الصوف - إنتاج وتصنيع منتجات الألبان - زراعة الأسماك - تصنيع الفخار ومنتجاته- تصنيع الأثاث، الملابس، لعب الأطفال... إلخ، وتقوم هذه الهيئة بزيارة كل قرية ودراسة المشروعات المناسبة لها واختيار مشروع يناسب إمكانات الشباب والخريجين فيها، وتدريبهم وإمدادهم بالأدوات والمواد اللازمة، لتتخصص كل قرية فى مشروع إنتاجى خاص بها، وتتحول إلى مزار سياحى للمتسوقين. ويتطلب الأمر أيضا مساعدة هذه الهيئة للمنتجين فى تسويق منتجاتهم محليا وخارجيا. ويمكن لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية أن تسهم فى تعليم الناس وتدريبهم على إتقان هذه الحرف والصناعات الصغيرة المرتقبة، كما يمكنها أن تساعد فى ترويج وتسويق هذه المنتجات، وهذا يفتح الباب بالتالى للتحول إلى شَعب منتج.. فالأنشطة الخاصة المؤدية للربح وزيادة الدخل تجتذب الناس وتدفعهم للتنافس فى زيادة الإنتاج. ولا شك أن إطلاق حكومة قنديل لهذا المشروع يدل على تفهمها لأهمية القرية المصرية، وإدراكها للظلم الذى وقع عليها لمئات السنين. ونرجو ألا يقتصر المشروع على مجرد تطوير القرى المنتجة، القائمة بالفعل.. بل يمتد ليشمل كل القرى، كما أسلفنا. ونذكر الحكومة أن القرى المصرية تغيرت تماما وصارت مليئة بالخريجين المعطلين عن العمل، والذين كانوا أغلب المشاركين بثورة 25 يناير.. كما نذكرها بأن كل المشروعات التى نفذت بالقرى على مدار العقود السابقة كانت بلا خطة علمية للتطوير أو التحديث، وإنما كانت بأسلوب (خبطة هنا وخبطة هناك!)، ولم تكن عادلة فى توزيعها على القرى وإنما كانت تخضع للواسطة ونفوذ بعض أبنائها المرتبطين بالحزب الحاكم. والقرى المصرية واعدة.. ويمكن الاستفادة من مناظر الخُضرة الجميلة الممتدة على مرمى البصر فى تحويلها إلى مزارات سياحية، بعد تطويرها وتنظيفها. كما ننبه الحكومة إلى استحالة استمرار سياسة المخلوع فى حرمان القرى من ميزانية الدولة؛ إذ إن أهلها يسهمون فى الميزانية بأكثر من إسهام المدن، لأن الضرائب تخصم من المنبع دون تهرب ضريبي، كما يحدث من أغلب تجار وصناع المدن.. وأهل القرى هم الذين يطعمون الشعب المصرى كله من خلال إنتاجهم الزراعي. لابد من تحديد ميزانية معروفة ومعلنة تتناسب مع عدد سكان كل قرية، وينبغى إجراء مسح شامل لمعرفة متطلبات تطوير كل قرية، ووضع خطة زمنية لإنجازها، خصوصا مرافق المياه والصرف والكهرباء والغاز.. ثم رصف الطرق. ونحن ندرك بالطبع صعوبة تطوير وتحديث القرية المصرية فى زمن قياسى، نظرا لضخامة الميزانية المطلوبة، ولكن - كما سبقت الإشارة - فأهالى القرى كرماء، ويمكن أن يساهموا فى الإصلاح بجهودهم الذاتية إن وجدوا اهتماما من الحكومة، ثم رأوا خطة زمنية لاستكمال مرافقهم. ونعتقد أن وضع خطة لرصف الطرق (بعد استكمال المرافق التى تحتاج إلى الحَفر) وإعلان الحكومة بأن القرية التى تُكمِل مرافقها سوف تكافأ بأولوية الرصف، يمكن أن يشجع أغلب القرى على الإسهام فى إنجاز هذه المرافق. وبدلا من الرصف التقليدي؛ يمكن استخدام بلاط الأرصفة (السميك المتين) الذى يستخدم فى أنحاء العالم (وليس المغشوش المستخدم فى مصر)، والذى يمكن فكه وإعادة تركيبه بسهولة، يمكن استخدامه فى رصف شوارع القرى، وهو أقل تكلفة من الأسفلت. إن نجاح مشروع (تطوير قرى المنتج الواحد) سوف يسهم بلا شك فى تشجيع أهالى القرى على تطوير قراهم من عوائد النشاط الاقتصادى الجديد.. والمهم أن نخطط ونبدأ. همسة: • حرية الرأى والتعبير كانت من أهم أهداف وبواعث ثورة 25 يناير.. ولكن لا نظن أن أحدا من الثوار كان يقصد حرية السب والقذف والهدم، أو حرية النقد المغْرِض غير البنّاء. إن الحرية نعمة عظيمة تؤدى إلى مجتمع صحى يستطيع أن يتفرغ للإبداع والإنتاج والتنمية والنهضة والتقدم، ولكن استغلال أعداء الشعب للحرية استغلالا سيئا سوف يؤدى إلى العكس تماما.. وهذه خيانة عظمى ينبغى وضع حد لها. [email protected]