حلب لم تعد على مرمى سحابة، كما أنشد شاعرنا أبو سنة, لم تنثر ضفائرها, بعدما قصوا ضفائرها، وخلعوا أظافرها, ما عاد فستق دمعها يشكو الصبابة, انتحر الدمع, وتحجر الفستق, وسمل التتار الجدد الأعين, فيا ليتهم قطعوا من العرب الألسنة. دمشق تحترق, الحقول رماد, والسماء دخان. رحم الله زمان التفاح.. حماة نست مذبحة حافظ الأسد, فالمصائب ينسى بعضها بعضا, والولد فاق الوالد وحشية, وأمتنا العربية أمة افتراضية, لا وجود حقيقي, من الخليج إلى المحيط, لا استثناء لبلد, ولا استقلال باسم شخص محدد, فنحن موجودون فقط على صفحات الفيس بوك, وتصورنا أن الله قد بعث لنا التويتر قائدا, نجاهد خلاله بتغريداتنا, خلق الله لنا أصابع, فكادت لا تعرف غير شكل الحروف على لوحة المفاتيح, حتى خطنا العربى نسينا شكله على الورق. منزل قبانى الدمشقي, شراشف أم نزار, ومحال الحلوى التى فاخرت الشام بها حلاوة الدنيا وزينتها, لم تعد موجودة, أصبحت رسماً درس, نسيناها فى ازدحام عناوين الأخبار المزدحمة بأعداد القتلى, لا أعرف أعداد القتلى, ولا تتسع كهرباء مخى لحصرهم, سبعون ألف.. ثمانون.. تسعون, هل من مزيد؟ ربما هناك مزيد, لكن الأكيد أنه ليس هناك مبارز. كم نحتاج كشعب عربى أو إسلامى حتى نتحرك؟ صرنا أمة لا تقشعر جلودها لذكر الموت, فقد تكسرت النصال على النصالِ كما قال المتنبي, لم يعد شعر رأسنا يقف من هول فواجع الأخوات المغتصبات المقتولات الفارات المسلمات القانتات العابدات السائحات باتجاه الحدود التركية أو بحثا عن ملاذ آمن بالقاهرة. لم يعد للقتل تأثير علينا, أرهقتنا نشرات الأخبار حتى اعتدناها, فبضغطة إصبع يتغير مزاجك فى لحظة, من خبر القتلى إلى فيلم أجنبى على قناة أخرى, أو فيلم عربى قديم جديد معاد مستعاد, كذابون نحن فيه ونصدق أنفسنا أننا أمة الحرب والقتال والجهاد. هل أزيدكم؟ طيب.. كل ما كتبه أحمد شوقى تباكيا على دمشق من عدوان فرنسا, لم يكن يستحق منه كل تلك المعاناة, ولا يستحق منا كل تلك الرعاية, فرنساالمحتلة الصليبية, قتلت أقل من ثلاثة آلاف سورى على طول احتلالها, بينما القتل على الكيف والهوية وبعشرات الآلاف وهو يستعد لدخول موسوعة جينيس, ونحن مازلنا نتفاخر بأبيات شوقي. صدق السوريون فقد مات العرب, ولم يعد إلا: "يا الله مالنا غيرك يا الله". والله سميع عليم. [email protected]