أنفق الرئيس وقتًا طويلاً في الكلام عن "القروض".. ونقلها من "الجدل السياسي" إلى "الاشتباك الديني".. وتكلم عن "الربا".. وقطع بأنها "حلال" وليست "حرامًا". المناسبة التى ألقى فيها الرئيس مرسي كلمته، كانت "سياسية" بامتياز.. ولا تثريب على الرئيس الذي ينحدر عن "جماعة دينية" ويحكم شعبًا متدينًا بطبعه.. أن يكون أكثر رحما بالضمير الديني.. بل تعجبني كثيرًا طريقته في استدعاء روح "الداعية" في خطابه السياسي.. غير أن اللافت أن الدفع بموضوع "القروض" إلى "الجدل الديني".. يبدو لي وكأنه ل"الشوشرة" على فحوى ومعنى الأزمة الحقيقية.. ولتغييب الوعي العام عن خطورة القرض في جانبه الاقتصادي وليس الديني. هناك فارق كبير بين قرض "البنك الدولي".. وقرض "صندوق النقد".. الأخير هو الأخطر بكثير لأن له استحقاقات ولا يقدم بدون شروط وإنما بمقابل "مؤلم" إلى حد كبير.. وربما يكون خرابًا على البلد كله. من المعروف أن آخر قرض قدمه الصندوق لمصر، كان في 1994/1995.. وانتهى بكارثة اقتصادية وفساد مالي لم تشهده مصر في تاريخها كله. مقابل هذا القرض.. بيع 426 شركة قطاع عام.. بخسارة قدرها 106 مليارات دولار!! وهذا الكلام ليس من عندي وإنما قاله تقرير نشرته "واشنطن بوست" في 19 /10/2011.. نقلاً عن ماجدة قنديل المدير التنفيذي للمركز المصري للدراسات الاقتصادية. مصر كلها "ضاعت" بفضل هذا المركز الذي أُسس على "المعونة الأمريكية".. ويضم حيتان الحزب الوطني وأمانة السياسات والذي يقضى ثلث أعضائه الآن عقوبة السجن في طرة.. وثلثه الثاني هارب خارج البلاد.. وثلثه الأخير لا يزال طليقًا بل وتسند إليه المناصب الاستشارية الكبيرة رغم ثورة الشعب المصري على "كبيرهم" الذي علمهم النهب. هذا المركز.. بالتعاون مع مكتب المحاماة اليهودي "بيكر آند ماكينزي".. تولى عملية بيع القطاع العام.. وتمرير التشريعات والقوانين التي سهلت استيلاء حيتان الوطني على الشركات.. نظير القرض "المشئوم" الذي قدم لمصر في ذلك الوقت!! ولعله من الأهمية الإشارة هنا إلى أن رئيسة صندوق النقد الدولي الحالية "كريستين لاجارد".. والتي تغرر بالرئيس وبالحكومة لتمرير القرض الجديد.. هي ذاتها التي كانت تشغل منصب رئيس المكتب الرئيسي ل"بيكر آند ماكينزي" في واشنطن.. يعني هي التي أشرفت على بيع القطاع العام.. في ذلك الوقت... وتقوم حاليًا بمشاغلة القاهرة بالقرض الجديد.. دون أن يعرف المصريون "المقابل" الذي تطلبه!! المسألة تحتاج إلى شفافية.. ومصارحة الشعب المصري بالقرارات والإجراءات والسياسات الاقتصادية المطلوبة نظير القرض.. لأنه هو الوحيد الذي سيتحمل سداد فاتورتها الباهظة والمهلكة. لم يبق في مصر إلا 117 شركة قطاع عام.. وليس أمام الحكومة المصرية إلا أن تختار: إما بيعها أو رفع الدعم عن السلع الاستراتيجية.. والخيار الأخير هو الذي بدأ يلوح به الرئيس في خطابه الأخير. المسألة إذن ليست دينية على هذا النحو الذي نراه الآن بشكل "مضحك" وإنما كارثي إلى حد كبير.. وتحتاج إلى الشفافية بدلاً من الضحك على هذا الشعب الطيب. [email protected]