عزيزي جمال .. هذا هو الجزء الثاني من رسالتي المطولة إليك ، والتي ستمتد لأربعة أجزاء حتى انتهاء شهر رمضان المبارك .. وقد دفعتني الأجواء الروحانية لهذا الشهر الفضيل إلى محاولة التواصل المنطقي والموضوعي معك ، بدلا من حالة الاستقطاب والاستنفار التي تسيطر على المشهد السياسي المصري عامة وفي موضوع التوريث خاصة .. وقبل الشروع في قراءة هذا الجزء من الرسالة أتمنى ان تكون قد قرأت الجزء الأول منها ، وهو يعد تمهيدا للرسالة .. أما بقية الأجزاء فسيكون ترتيب عناوينها كالتالي : لماذا يرفض المصريون جمال مبارك ؟ كيف يكسب جمال ثقة المصريين ؟ نصيحة غالية إلى أخي جمال .. سنبدأ اليوم في الإجابة عن السؤال الأول وهو لماذا يرفض المصريون جمال مبارك ؟ .. ولماذا لا يصدقون نفيك الدائم والمتكرر لموضوع التوريث ، حتى تصريحك الأخير للصحفيين الذي قلت فيه انك أيضا ضد التوريث ، لم يأخذه الناس على محمل الجد ، لأنك لم تنف أيضا عزمك على خوض الانتخابات الرئاسية القادمة ، وهذا يا أخي جمال يؤكد نفس المعنى الذي فهم من كلام والدك ل صحيفة السياسة الكويتية بعد تعديل المادة 76 من الدستور وقال نصا : "ان ابني جمال من حقه الترشيح للرئاسة كأي مصري" .. الناس أدركت يقينا أن كل ما يجري في مصر حاليا ومن ضمنه تعديل المادة 76 من الدستور ، هو من اجل إعداد المسرح لصعود النجم القادم من بيت الحكم .. فانا أعرف وأنت تعرف والناس يعرفون أن المشهد يتجهز على قدم وساق لتنفيذ ذلك الأمر ، وما هذه الضجة إلا بروفات ما قبل رفع الستار .. الناس يا أخ جمال تعتبر ان توليتك الحكم بعد ولاية أبيك مباشرة هو توريث محض حتى لو جاء بطريق ديمقراطي شكلي ، لأنهم يعتبرون ان ما وصلت إليه جاء بفضل نفوذ والدك ، ولولا هذا النفوذ ما حققت شيئا مما تتمتع به الآن من مال وسلطة .. وعلى هذا فانك إذا أردت اختبارا حقيقيا لكفاءتك السياسية وقياس مدى شعبيتك عند الناس ، فعليك الانتظار حتى يخلف والدك رئيس جديد يمكث فترة رئاسية واحدة على الأقل ، وبعدها يمكنك طرح نفسك في الحياة السياسية والترشيح للرئاسة .. أما الآن فالدولة بأسرها مسخرة لرغباتك لأنك ابن الرئيس ذي السلطات والصلاحيات المطلقة .. ولأنك رئيس أمانة السياسات التي باتت مسيطرة على الحزب والحكم ، الأمر الذي سيؤثر في حظوظ المرشحين الآخرين ، الذين لا تتوافر لهم أيا من الامتيازات التي تتوافر لديك ، وهو ما يتنافى تماما مع مبدأ الشفافية ومعايير الموضوعية . الناس يرفضونك أيضا يا أخ جمال لأنهم تضرروا كثيرا من فترة حكم والدك التي جثمت طويلا على أنفاسهم ، وأرجو أن تصارح نفسك وتصارح الناس بالحقيقة ، ولا تقل لهم إنها كانت فترة مليئة بالإنجازات ، هنا سيدرك الناس انك تخدعهم ، لأنهم يعيشون واقعا كئيبا اسودا ساهم نظام حكم والدك بنسبة كبيرة في صنعه .. وكما قلت لك في الجزء الأول من الرسالة أن الفقر والحرمان والبطالة والأمراض والإهمال والفساد والنهب وتهريب الأموال والاستبداد والتعذيب والاعتقالات .. هي عناوين كبيرة لفترة حكم والدك ، التي يتمنى الناس انتهائها في أسرع وقت ليتنفسوا الصعداء . الناس يرفضونك لان نظام حكم والدك تسبب في إفقار البلاد وتراكم الديون عليها ، ولأنه ضيع في فترات حكمه – 25 عاما- فرص عديدة لنهضة بلادنا وتقدمها حتى سبقتنا دول كانت أفقر منا وأكثر تعدادا ونسلا .. ولقد اخذ والدك فرص كافية لتصحيح أخطائه ممثله في التمديد له أربع مرات من قبل وها هي الفترة الخامسة تبدأ والحال يسير من سيئ إلى أسوأ .. فالديون تتراكم والنهب يتصاعد والفساد يتوحش والظلم يتوغل والاستبداد يتحكم .. فكيف يقبلك الناس وأنت القادم من وسط هذا الجو الموبوء الذي صدر للناس سمومه الخانقة . الناس يرفضونك لان فكرة توليتك الحكم في حد ذاتها تعني عند الناس استمرار الظلم والفساد والمحسوبية وتزاوج السلطة مع رأس المال وتأسيس مصالح شخصية تتعارض مع مصالح عموم الناس .. والغريب إننا سمعناك توجه النقد إلى رموز الحكم ممن يطلق عليهم (الحرس القديم) الذين حملتهم كل الخطايا والأوزار ، ونسيت أنهم كانوا من اختيار والدك ، ويقومون بتنفيذ سياساته والقيام بخدمته على أكمل وجه .. فقل بربك من يستحق اللوم والنقد في هذه الحالة ؟ .. عزيزي جمال .. لقد استغل والدك هذه الوجوه المكروهة في تفادي شحنات الغضب المكبوتة عند الناس ، وفي توجيه سهام النقد إليهم بدلا من توجيهها إليه .. فما يوسف والي وصفوت الشريف وفتحي سرور وكمال الشاذلي وفاروق حسني وإبراهيم سليمان .. إلا موظفون كبار ينفذون توجيهات الرئيس .. وهم في النهاية مجرد أحجار في رقعة شطرنج يحركها الوالد كيف شاء وكما يريد .. فقل بربك من يستحق كراهية الناس .. ومن يتوجب عليه الانسحاب من الحكم ؟ . الناس يرفضونك يا أخ جمال لأنك تعتمد نفس سياسة والدك التي خبروها جيدا .. في تغليب المصلحة الشخصية للبقاء في الحكم على المصالح الوطنية .. وها انت تبدأ عملك السياسي وسط كوكبة من رجال الأعمال المحتكرين والإقطاعيين ، الذين ينهبون البلاد وينتفعون من أزمتها الاقتصادية .. والناس لن تنس مطلقا انك قدمت أوراق اعتمادك للأمريكان وصندوق النقد الدولي بصدور قرار تعويم الجنيه ، وهو القرار المشئوم الذي تسبب في انفجار الأسعار واكتواء جميع طبقات الشعب بنارها . والناس تعرف انك وراء اتفاقية الكويز وتصدير الغاز إلى إسرائيل ، في محاولة مكشوفة لإرضاء الإدارة الأمريكية وعدم ممانعتها في توليتك الحكم .. والناس تعرف انك وراء بيع أملاك القطاع العام بأبخس الأثمان كهدايا نفيسة للإقطاعيين الجدد .. وأخيرا الناس يرفضونك يا أخ جمال لأنهم يريدون الحرية والانعتاق من الاستبداد والحفاظ على النظام الجمهوري ، ولأنهم لا يريدون الارتداد إلى عصور الملكية والتوريث .. ولأنهم يترقبون حاكما عادلا طال انتظارهم وشوقهم إليه . هل عرفت الآن لماذا يرفضك الناس ؟ [email protected]