يبدو أن مفاوضات سد النهضة الأثيوبي الممتدة منذ سنوات دخلت نفقًا مظلمًا، لا سيما بعد إعلان القاهرة عن عدم ارتياحها لطول أمد المفاوضات مع أديس أبابا الخاصة بالسد. يأتي ذلك عشية استضافة مصر اجتماعًا وزاريًا يضم مصر والسودان وإثيوبيا ويستمر يومين، في محاولة لدفع مفاوضات السد المتعثرة، في ظل اعتراض مصري على الفترة الزمنية التي حددتها إثيوبيا لملء السد. ووجه السفير حمدي سند لوزا، نائب وزير الخارجية المصري للشؤون الإفريقية، دعوة لسفراء الدول الأوروبية المعتمدين لدى القاهرة لإطلاعهم على آخر مستجدات المفاوضات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي. وأعرب عن «عدم ارتياح مصر لطول أمد المفاوضات»، موضحًا أن مصر قدمت للجانب الإثيوبي طرحًا عادلًا لقواعد ملء وتشغيل السد يحقق أهداف إثيوبيا في توليد الكهرباء من سد النهضة ويحفظ في نفس الوقت مصالح مصر المائية. وأكد أن طرح مصر مبني على المناقشات التي تمت بين البلدين في هذا الشأن وعلى الالتزامات الواردة في اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015 بالخرطوم، والذي يقضي باتفاق الأطراف الثلاث على قواعد الملء والتشغيل لسد النهضة. وشدد على أهمية سير المفاوضات بحسن نية في مناقشة كافة المقترحات، بما فيها الطرح المصري، وأن رفض ذلك يعني الإصرار على فرض رؤية أحادية دون الاكتراث بمصالح الآخرين أو الاهتمام بتجنب الأضرار التي ستقع على دولتيّ المصب، وبالأخص مصر التي تعتمد على نهر النيل كشريان حياة للشعب المصري. وعلى مدار 8 سنوات دخلت مصر والسودان وإثيوبيا في أكثر من 20 اجتماع على المستوى الوزاري وعشرات الاجتماعات الفنية والزيارات المتبادلة بين الثلاث دول دون نتيجة. الدكتور عباس شراقي، مدير مركز تنمية الموارد الطبيعية بإفريقيا بمعهد بحوث الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، قال إن «الخطوة الأخيرة التي اتخذتها مصر بشأن مفاوضات سد النهضة في الغالب جاءت بعد مراوغة الجانب الإثيوبي فيما يخص موعد عقد الاجتماع المقرر له منتصف سبتمبر الجاري». وأضاف: «تصريحات وزير الخارجية في جامعة الدول العربية وتصريحات حمدي لوزرا ولقاءه بسفراء الدول الأوربية لشرح لهم الوضع، أستشف منه أن إثيوبيا تراوغ في هذه الاجتماع أو أنها لا تريد عقده وبالتالي صدرت هذه التصريحات». وفي تصريحات إلى «المصريون»، أضاف «شراقي»، أن «تطور الأحداث دفع مصر إلى اتخاذ خطوة جديدة في هذا الملف المهم، وهذه المرة الأولى التي يتم فيه إصدار مثل هذه التصريحات في محفل دولي، حيث لم يتم استخدام لفظ «مراوغة» بشكل دبلوماسي من قبل». وأشار إلى أنه «من المفترض أن هناك اجتماعًا بين ممثلي الدول الثلاثة غدًا، غير أن التصريحات تشير إلى أنه لن يتم، وإلا ما صدرت»، متسائلًا: «إذا كان الاجتماع في موعده والأمور تسير بشكل طبيعي فلماذا هذا التطور؟، وكيف سيواجه شكري وزير الخارجية السوداني والإثيوبي؟، وكيف تصدر مثل هذه التصريحات قبل أيام من الاجتماع؟». مدير مركز تنمية الموارد الطبيعية بإفريقيا، قال إن «هذه المرة الأولى التي يتم فيها تدويل قضية سد النهضة في المؤسسات الدولية، مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة، مضيفًا أن الخطوة جاءت متأخرة ولكن كان من الضروري اتخاذها». وأضاف: «إذا لم تجتمع الدول الثلاث فيجب اللجوء إلى الأممالمتحدة وتقديم المستندات والوثائق التي تثبت حق مصر وأنها قامت بكافة الخطوات الممكنة، متابعًا: «لابد من توضيح كافة الجوانب أمام هذه المحافل». من جهته، قال نور أحمد نور، الخبير المائي، إن «أي خطوة تصب في صالح مصر بشأن مفاوضات سد النهضة لابد من اتخاذها، ومن ثم التواصل مع سفراء الدول الأجنبية خطوة جيدة ولا مشكلة فيها». وبينما أشاد «نور» بخطوة التواصل مع سفراء الدول الأوروبية، أكد أن «حل الأزمة لن يتم إلا عن طريق التفاوض»، لافتًا إلى أن «الاختلاف بين الدول الثلاث حول مدة التخزين وطريقة التشغيل». الخبير المائي، أشار إلى أن التطورات الواقعة على الساحة لها تأثير على المفاوضات، فمثلًا ما حدث في إثيوبيا منذ فترة أثر، وما يحدث في السودان حاليًا له تأثير على توقف وبطء المفاوضات. وشدد على ضرورة طرح أزمة السد بشكل مستمر، قائلًا: «لابد أن تكون القضية حاضرة ولابد أن لا يحدث فيها خمول، وجيد عرضها على المحافل كافة». والأسبوع الماضي، طالبت مصر بوضع جدول زمني لمفاوضات السد، معلنة تأجيل اجتماع سداسي مع إثيوبيا والسودان للشهر المقبل لبحث التوصل لاتفاق. ورغم تواصل اجتماعات الدول الثلاث بشأن الدراسات الفنية لبناء السد، بين وقت وآخر إلا أنه لم يتم الوصول إلى حل يرضي الدول الثلاث. وتتخوف القاهرة من تأثير سلبي محتمل للسد الإثيوبي على تدفق حصتها السنوية من مياه النيل والمقدرة بنحو 55 مليار متر مكعب، فيما يزعم الجانب الإثيوبي أن السد سيمثل نفعًا له، خاصة في مجال توليد الطاقة، ولن يمثل ضررًا على دولتي مصب النيل "السودان ومصر". وكان الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، قال إن مصر أحاطت وزراء الخارجية العرب لأول مرة ب"صعوبات" تواجه مفاوضات سد النهضة ووجود "مراوغات" من جانب إثيوبيا، حيث جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي في ختام الدورة ال152 لمجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري. وأضاف أبو الغيط أن «تطورًا هامًا للغاية حدث في الاجتماع هو قيام وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بإحاطة المجلس الوزاري بنتائج المفاوضات المصرية الإثيوبية حول سد النهضة»، موضحًا أن «الوزير طرح الصورة وأشار للصعوبات التي تواجه هذا الموضوع». وأشار إلى أنه «على الجانب الآخر، استمع الوزراء العرب بأكبر قدر من الاهتمام لهذه الإحاطة وتحدثوا عن أن الأمن المائي المصري هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي». ونوه بأن «أغلب مداخلاتهم عبروا خلالها عن تضامنهم الكامل مع مصر والسودان في حماية أمنهما المائي، والترحيب بجهد مصر المستمر للتوصل لتوافق يحقق المصالح المشتركة لمصر والسودان وإثيوبيا أيضًا». وأكد أنهم «أيدوا الرؤية المصرية التي تتطلع لتكثيف المفاوضات الثلاثية وفقًا لإطار زمني مقبول للتوصل لاتفاق ملزم قانونا يراعي مصالح الأطراف الثلاثة». وتابع: «إنها المرة الأولى التي أشهد فيها هذه الإحاطة المصرية للدول العربية ما يمثل تطورًا جديدًا في الموقف المصري والعربي في المفاوضات بين الأطراف الثلاثة». ولفت أبو الغيط إلى أن «شكري عبر عن النوايا المصرية الصادقة للتوصل لتفاهم مع إثيوبيا، إلا أن الوزير قال إن مصر لاحظت في الفترة الأخيرة تشددًا في الموقف الإثيوبي وبعض المراوغات وأن الوضع ليس مريحًا». وتتواصل من حين إلى آخر اجتماعات للدول الثلاث بشأن الدراسات الفنية لبناء السد، لكنها لم تتوصل إلى حل يرضيها. وتتخوف مصر من تأثير سلبي محتمل للسد الإثيوبي على تدفق حصتها السنوية من مياه النيل (55 مليار متر مكعب). بينما تقول إثيوبيا إن السد سيمثل نفعًا لها، خاصة في مجال توليد الطاقة، ولن يُضر بدولتي مصب النيل، السودان ومصر.