حين يلح أعضاء اللجنة العامة للانتخابات علي اقناعنا بأن الانتخابات القادمة لن تكون كسابقاتها، فإن الاشارة تدعونا الي التفاؤل بالمستقبل بقدر ما أنها موحية بإدانه الماضي، ولعلي أضيف من جانبي أن التدخل في الانتخابات صار تقليدا راسخا في الحياة السياسية المصرية، بحيث يتعذر الاقلاع عنه دفعة واحدة، ولذلك فإنني ازعم أن ماقيل عن الماضي دقيق ولكن الاشارات التي تعلقت بالمستقبل فيها نظر ولا أستطيع أن اسارع بالتعبير عن التفاؤل في هذا الصدد، ولكني افضل أن أضع احتمالات المستقبل تحت عنوان التشاؤل مستعيرا في المصطلح الشهير الذي صكه الكاتب الفلسطيني الراحل اميل حبيبي. نغالط أنفسنا اذ تصورنا أن أجهزة الادارة لن تتدخل في الانتخابات التشريعية القادمة في مصر حتي أزعم أن سؤال الساعة هو: كيف سيتم التدخل، وهل سيكون ناعما أم خشنا؟ (1) حين يلح أعضاء اللجنة العامة للانتخابات علي اقناعنا بأن الانتخابات القادمة لن تكون كسابقاتها، فإن الاشارة تدعونا الي التفاؤل بالمستقبل بقدر ما أنها موحية بإدانه الماضي، ولعلي أضيف من جانبي أن التدخل في الانتخابات صار تقليدا راسخا في الحياة السياسية المصرية، بحيث يتعذر الاقلاع عنه دفعة واحدة، ولذلك فإنني ازعم أن ماقيل عن الماضي دقيق ولكن الاشارات التي تعلقت بالمستقبل فيها نظر ولا أستطيع أن اسارع بالتعبير عن التفاؤل في هذا الصدد، ولكني افضل أن أضع احتمالات المستقبل تحت عنوان التشاؤل مستعيرا في المصطلح الشهير الذي صكه الكاتب الفلسطيني الراحل اميل حبيبي. اذا سألتني لماذا انا متشائل فردي كالتالي: ثمة علاقة بين الحزب الحاكم وبين أجهزة الادارة توثقت علي مدي ثلاثة عقود علي الاقل بحيث يتعذر فصمها بسهولة، اذ في غياب التداول المفترض للسلطة فان الزواج المؤقت بين الطرفين سمه زواج متعة إن شئت، تحول بمضي الوقت الي زواج كاثوليكي يراد له أن يكون مؤبدا، وبسبب ذلك الزواج تغيرت ذهنية الادارة المصرية بحيث تعاملت مع أحزاب المعارضة للوطني ليس باعتبارها كيانات منافسة لها الحق في التطلع الي تداول السلطة وانما صنفتها بحسبانها احزابا ضد الحكومة يتعين اقصاؤها. ولان تغيير الذهنية أمر ليس سهلا فانني لاأتردد في القول إن التدخل حاصل حاصل، ولست اتحدث عن احتمال او افتراض لان التدخل حدث بالفعل، والشواهد الدالة علي ذلك تحفل بها اخبار الصحف اليومية، فقد قرأنا عن استئثار مرشحي الحزب الوطني بالرموز الانتخابية الاكثر جاذبية الهلال والجمل والنخلة كما تابعنا اخبارا متناثرة عن عمليات للقيد الجماعي تمت لصالح مرشحي الحزب الوزراء بالاخص في بعض الدوائر اذ قيد22 ألفا من عمال المصانع الحربية في دائرة وزير الانتاج الحربي بحلوان وجري تسجيل موظفي وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي في دائرة وزير الزراعة بمحافظة البحيرة، وسجل موظفو وزارة المالية علي دائرة وزير المالية في شبرا، الخ كما قرأنا عن قيام وزير الاسكان بتوزيع500 شقة علي سكان أحد أحياء القاهرة الواقعة في دائرته الانتخابية، الامر الذي لاتخفي دلالته في استخدام امكانيات الدولة لترجيح كفة الوزير في مواجهة منافسيه علي الدائرة. ذلك فيما يخص وجه التشاوم في المشهد، أما مايسرب الي بعضا من التفاؤل فهو أن الانتخابات هذه المرة تتم في ظروف متغيرة، الاعين فيها مفتوحة عن آخرها، ومؤسسات المجتمع المدني متمسكة بحقها في مراقبة حيدتها، والمجتمع الدولي معني بها بدرجة أوبأخري، حتي أن ثمة اتصالات رسمية في هذا الصدد أجرتها بعض السفارات الغربيةبالقاهرة وصل من لندن هذا الاسبوع خبير في مراقبة الانتخابات اسمه ستيفنز وهذه ليست مصادفة وقبل هذا كله وبعده فالشارع الوطني في مصر مستنفر بدرجة عالية، والتجمعات المعبرة عنه صارت اكثر جرأة وإقداما، وهذه كلها ملابسات يفترض أن تشكل كوابح لمحاولات التدخل وأرجح أن تحد منه بحيث يصبح اكثر احتشاما واقل فظاظة. (2) في ظل الزواج الكاثوليكي بين الحزب الوطني والحكومة يصبح التدخل حقيقة لا مفر من التسليم بها، لذلك فانني ادعو الي التفكير في الامر بصورة أخري تفرق بين تدخل ناعم وتدخل آخر خشن، واقصد بالتدخل الناعم ذلك التحيز الذي يتم أثناء التحضير للانتخابات عبر التلاعب مثلا في جداول قيد الناخبين وتوزيع الرموز علي المرشحين، وتنظيم الدعاية الانتخابية، أما التدخل الخشن فهو التحيز الذي يحدث اثناء عملية التصويت سواء في الحيلولة دون وصول البعض الي صناديق الانتخاب، او استخدام البلطجة في ترهيب المنافسين وانصارهم أو اعتقال مندوبي المرشحين في اللجان أو التلاعب في احتساب النتائج.. الخ. أرجو الا اكون بحاجة للقول إن كل صور التدخل ينبغي أن ترفض من الاساس، ولكن لأننا نتحدث عما هو كائن وليس عما ينبغي ان يكون ولان فك الارتباط بين الحزب والحكومة أمر يتطلب اجواء مغايرة تماما وجهدا خاصا يستمر عدة سنوات، فليس أمامنا في الوقت الراهن سوي اعتماد تلك التفرقة التي أدعو اليها، ولاأري غضاضة في ان نمرر التدخل الناعم ونحتمله مؤقتا في حين نعتبر التدخل الخشن خطا احمر لاينبغي تجاوزه. قبول الفكرة يعني أن كل الاطراف المعنية ينبغي ان تستنفر للحيلولة دون حدوث التدخل الخشن بمختلف تجلياته، والتعويل في ذلك شديد علي ادوار جهات ثلاث هي: القضاء الذي يجب أن يكون إشرافه كاملا علي العملية الانتخابية، وعلي مراحل التصويت بوجه أخص داخل قاعات اللجان وخارجها لان جانبا لايستهان به من التدخل الخشن يتم خارج القاعات، الجهة الثانية هي منظمات المجتمع المدني التي اجتمع ممثلو25 منظمة منها مع المجلس المصري لحقوق الانسان في الاسبوع الماضي لتنسيق هذه المسألة مع وزارة الداخلية. أما الجهة الثالثة فتتمثل في التجمعات الاصلاحية التي برزت خلال هذا العام وجاءت تعبيرا عن شوق المجتمع الي التغيير، اذ يرجي ان تستتنهض تلك التجمعات همة ناشطيها لحراسة العملية الانتخابية والمراقبة عن بعد وإشهار صوت الاحتجاج ضد اية تجاوزات تعترضها. (3) من حق الحزب الوطني ان يتطلع الي الفوز والحصول علي اغلبية مقاعد المجلس التشريعي وهو ماسيحققه علي الارجح. اولا بسبب تصنيف المنافسين له بأنهم ضد الحكومة، الامر الذي يدفع عامة الناس الي الاعراض عن أولئك المنافسين، لانهم لايحتملون كلفة اغضاب الحكومة. وثانيا، لان اغلبية الاعضاء الذين ينجحون كمستقلين لايلبثون ان ينضموا الي الحزب بعد نجاحهم كما حدث في انتخابات عام الفين التي فاز فيها الحزب عمليا بما لايزيد علي38% من المقاعد، وثالثا لان الحزب تتوافر له امكانات هائلة للدعاية واغواء الناخبين لايقارن بها تواضع امكانات كل الاحزاب المنافسة، فأجهزة الدولة مع الحزب الوطني وكذلك وسائل الاعلام الرئيسية، كما انه يتلقي دعما غير محدود من رجال الاعمال الذين ترشحوا علي قوائمه، أو الذين لم يترشحوا، وموقف هؤلاء مفهوم لأنهم بتحالفهم مع الحزب الوطني يقفون تلقائيا في مربع الحكومة ويؤمنون مصالحهم معها. ومما هو جدير بالملاحظة في هذا الصدد انه لم يترشح علي قوائم احزاب المعارضة أي واحد من رجال الاعمال بما في ذلك حزب الوفد الذي يصنف تاريخيا بحسبانه حزب الرأسماليين والاقطاعيين. برغم الظروف المواتية للحزب الوطني الا أنه يعاني من نقطتي ضعف رئيسيتين، الاولي أن الثقة فيه محدودة، لانه عجز عن أن يقوم بالاصلاح السياسي المنشود طيلة سنوات احتكاره للسلطة خلال العقود الثلاثة الماضية وغاية ماتحقق علي هذا الصعيد انه تم تعديل مادة في الدستور برغم أن ذلك يحسب لرئيس الجمهورية وليس للحزب الامر الذي يسوغ لنا أن نتساءل: اذا كنا قد انتظرنا نحو ربع قرن لكي نغير مادة واحدة في الدستور فكم من الوقت نحتاجه لكي نغير الدستور كله الذي يتضمن192 مادة؟! نقطة الضعف الثانية في موقف الحزب الوطني أن قوائم المرشحين التي أعلنها تضمنت اغلب الوجوه المثيرة للغط، التي ارتبطت بمرحلة عجز الحزب عن النهوض باستحقاقات الاصلاح وهو مايوحي بأن شيئا لم يتغير في تفكيره او خططه. لمواجهة الحزب الوطني اقامت احزاب المعارضة لاول مرة خلال نصف القرن الاخير تحالفا نسبيا لم يخل من ثغرات وهو أمر نفهمه في ضوء حداثة الخبرة بفكرة التحالف ومعاناة بعض الاحزاب من ضعف البنية او تصدع البنيان، ولان التحالف مع المخالفين يتطلب استعدادا للتنازل في الفروع ودرجة من انكار الذات مع درجة من الاستعلاء فوق المرارات والخصومات، كما يتطلب توافقا علي تقديم مصلحة الوطن علي مصلحة اي تنظيم أو جماعة، فلا مفر من الاقرار بأن هذه الشروط لم تتوافر دائما. مع ذلك فمن الانصاف أن نقرر ايضا ان الفكرة ولدت علي شكل جبهة داعية الي التغيير، وتضافرت جهود عدة لإنجاحها من خلال التنسيق بين القوي السياسية المختلفة، وهي عملية صعبة اختبرت فيها قائمة الاستحقاقات التي أشرت اليها توا، ولان الحزب الوطني اطل علينا بالصورة غير المشجعة التي ذكرت فان ملف قضية الإصلاح ستتحمل الجبهة عبأه ومسئوليته. (4) يتطلع قادة الجبهة الي الفوز بأغلبية الثلثين في المجلس القادم لكي يتمكنوا من اطلاق حملة الاصلاح السياسي، وهو حلم لايتحقق الا في ظل معجزة تهبط علينا من السماء، أما الحسابات القائمة علي الارض فانها تجمع علي ان الاغلبية ستظل من نصيب الحزب الوطني، ولكن لأنه يستقوي بالعوامل التي أشرت اليها. من ثم فالسؤال المطروح علي الذين لاينتظرون المعجزة ولا يتوقعونها هو: هل ستكون اغلبية الحزب الوطني كاسحة كما كانت خلال العقود الثلاثة الماضية، أم انه سيسمح بهامش معقول لتمثيل المعارضة؟! الاغلبية الكاسحة هي السيناريو الأسوأ لأنها ستوحي علي الفور بأن ريمة قد عادت الي عادتها القديمة الامر الذي يعني أننا سنكون بصدد طبعة جديدة من ذات المشهد السابق الذي كان البرلمان فيه عبئا علي الاصلاح، ناهيك عن انه كان صدي للحكومة بأكثر منه رقيبا عليها. السيناريو الارجح والاكثر معقولية في حالة الاكتفاء بالتدخل الناعم، يتمثل في فوز جبهة التغيير بما لايقل عن35% من مقاعد المجلس الذي يضم440 عضوا الامر الذي يوفر للمعارضة حضورا يمكن ملاحظته وتمييزه، كما يتيح لها أن ترفع صوتها وتمارس قدرا من الضغوط التي يتعذر تجاهلها داخل المجلس، وصيغة من هذا القبيل تمكن المعارضة من مساءلة الحكومة او ملاحقتها دون أن تمكنها من تحدي رغباتها بحكم وجود الاغلبية الي جانبها، وهذا الافتراض يظل قائما اذ ماحافظت الجبهة علي تماسكها ولم تتعرض للاختراق أو الانفراط. واذا كان لنا أن نتصارح فإنني ازعم بأن موقف أجهزة الادارة ومدي تدخلها المفترض هو الذي سوف يحدد لنا ما اذا كان الحزب الوطني سيتمتع بأغلبية كاسحة او معقولة، وما اذا كانت جبهة التغيير سيكون لها حضور حقيقي وملموس أم رمزي وتجميلي، الامر الذي يسوغ، لنا أن نلخص المشهد في المعادلة التالية: قل لي كيف والي أي مدي ستتدخل أجهزة الادارة في تصميم النتائج، أدلك علي مصير قضية الاصلاح في المجلس. (5) أرجو الا نبالغ في حجم التوقعات الاصلاحية المعلقة علي المجلس النيابي القادم، ليس فقط نظرا لمحدودية الصلاحيات الممنوحة للبرلمان في الدستور القائم الذي لايمكنه من سحب الثقة من الوزير مثلا، ولكن لأن مسئولية التحول الديمقراطي اكبر من أن يتحملها البرلمان وحده، ناهيك عن أن الاغلبية المتوقعة للحزب الوطني لاتبعث علي التفاؤل بامكانية التقدم في ذلك الاتجاه. مع ذلك فإن الانتخابات القادمة لن تخلو من دلالة مهمة، ذلك أنها تمثل امتحانا لمدي جدية وعود الشفافية والتوجه الديمقراطي لدي السلطة، حتي أزعم ان دلالتها ستكون أهم من نتائجها. بذات القدر فإنها ستكون اختبارا لمدي استعداد احزاب الجبهة للعمل المشترك داخل إطار التحالف، وهو مايدعونا الي اعتبارها انتخابات كاشفة للنيات والقدرات بأكثر منها مساهمة في تعزيز المسار الديمقراطي. ----------------------------- الاهرام : 26-10-2005