أى ثورة شعبية سلمية مثل ثورتنا لا تمثل إلا وسيلة للقضاء على الاستبداد والفساد وصولا لتأسيس نظام سياسى يعمل على تحقيق النهضة, كان لابد للثورة من قيادة تتولى هذه المهام الكبرى, ظلت الثورة بدون قيادة لمدة عام ونصف بسبب مؤامرات لا تخفى على أحد (الثورة المضادة)، ولقد صرح معظم مفكرى العالم فى بداية الامر أن ثورة مصر عظيمة لكنها لن تنجح, لأنها بدون قيادة, وسيعود نظام الفساد لكن برموز جديدة. - ما حدث فى مصر يمثل إنجازا فريدا تاريخيا, صمد الشعب ضد الثورة المضادة ووصل لتنصيب الرئيس ديمقراطيا كقيادة للثورة، حيث لم تنجح قيادة الثورة المضادة فى الصمود أمام قيادة الثورة الشعبية إلا لثلاثة أسابيع، حيث قام الرئيس بحسم الصراع على السلطة بالقضاء على حكم وسيطرة العسكر بالقرارات المعروفة, هذا الإنجاز استغرق فى تركيا مثلا خمسة عشر عاما، فهل بعد كل هذا نترك الثورة معرضة للمخاطر مرة أخرى؟ - نحن مازلنا أمام دولة عميقة ونخبة عقيمة وإعلام فاجر ومال فاسد, والمؤامرات مازالت مشهودة على الساحة, مسئولية الرئيس الأساسية هى القضاء على كل عناصر ومراكز قوى النظام البائد والثورة المضادة (وقد نجح فى القضاء فقط على قياداتها الكبرى)، والمطلوب هو القضاء على كل بؤر الفساد فى كل مؤسسات الدولة، وإلا ستتعرض البلاد لمخاطر جسيمة خصوصا على الصعيد الاقتصادى مما يهدد نظام الحكم الجديد بعد الثورة. - لابد من الكشف عن تفاصيل كل المؤامرات, لا يوجد ما يدعو للتردد فهل يعقل أننا حتى الآن لم نبدأ بعد فى محاكمة رموز النظام البائد والثورة المضادة (سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال وخلافه) على الجرائم السياسية فى حق الشعب. - السادات صارح الشعب بكل تفاصيل مراكز القوى التى كانت ضد الشرعية فى بداية عهده، وكانت نتيجة هذه المبادرة السياسية إيجابية للغاية بالرغم من أنه كان فى موقف أضعف بكثير من الرئيس مرسى الذى يمثل الآن أول رئيس منتخب ديمقراطيا فى تاريخ مصر، والسادات كان فقط وريثا لعبد الناصر الذى يمثل نظاما عسكريا للحكم فشل فى مهمته الأساسية، وهى إرساء الديمقراطية، فضلا عن هزيمته العسكرية فى نكسة 1967, وكذلك أعداء الرئيس مرسى الآن وكل رموز الثورة المضادة هم أضعف بكثير من أعداء السادات، لأنهم كانوا أعداء السادات فقط، لكن أعداء مرسى الآن هم أعداء الشعب والثورة بل ضد الشريعة التى تمثل حاليا مركزية الثورة وشرعيتها. - مصر هى أهم دولة مركزية فى المنطقة التى تشهد حاليا مسرح الأحداث الإستراتيجية للتحولات العالمية الخاصة بالتوازن بين الشرق والغرب, كل المنطقة ستتأثر بمسار ثورة مصر الذى تتابعه القوى العالمية بقلق بالغ. - الأوضاع الاقتصادية لم تصل فى مصر لمرحلة الخطر لكنها شديدة الحساسية, مظاهر الثورة المضادة مازالت حاضرة لإعاقة الرئيس وإحداث فجوة بينه وبين الشعب ولا يمكن التعامل مع هذه الأوضاع إلا بتطهير شامل للمناخ السياسى والإعلامى (على الأقل) بكل حسم وسرعة. -الرئيس أمامه إشكاليتان، أولا داخليا: قيمة الجنيه المصرى، وثانيا خارجيا: إسرائيل. إشكاليتان منفصلتان فى إستراتيجية التعامل معهما لكنهما مرتبطتان تماما فى تأثير النتائج. - الرئيس لابد له من توجه إستراتيجى وليس أمامه إلا طريقين متضادين فكريا ووطنيا ومنطقيا, أما الاستناد إلى الشعبية الداخلية أو الهيمنة الخارجية, لا يوجد احتمال ثالث ويستحيل اتخاذ حلول وسط, حيث إن الهيمنة الخارجية المقصودة تتعارض جذريا مع هوية وكرامة ومصلحة المصريين بجميع المقاييس ويستحيل أن ينجح الرئيس فى مواجهة الهيمنة الخارجية إلا بالاستناد إلى الشعب, ولذلك كان المخلوع محددا فى اختياره مستندا على قوى الهيمنة الخارجية, منبطحا أمام إسرائيل حتى ثار الشعب تلقائيا ضده دون توجيه من أى رموز أو قوى سياسية. - مصارحة الشعب بكل جرائم رموز الاستبداد والفساد (فضلا عن القضايا الأخرى) هى المدخل الأساسى لمحاكمتهم أمام القضاء العادل حتى تتحقق هيبة الدولة والنظام السياسى الجديد ولا يتجرأ أحد (داخليا أو خارجيا) على مخالفة مسار الثورة والإرادة الشعبية. - المصارحة هى المدخل السحرى الآن لمزيد من "الشعبية" لإحساس الشعب بالمسئولية والمشاركة لدعم الرئيس. - على الرئيس المصارحة.. وبناء على ذلك لا ينبغى لأى وطنى شريف، إلا أن يتمنى ويدعم بكل السبل نجاح الرئيس فى مهامه الكبرى. [email protected]