اقتربنا من بداية المرحلة الانتقالية بانتخاب رئيس للجمهورية ووضع دستور دائم للبلاد؛ حتى تستطيع الثورة الوصول للسلطة اللازمة لتحقيق أهدافها, حرية، وعدالة اجتماعية داخليًا واستقلال وطنى خارجيًا, ويستحيل تحقيق ذلك إلا بتسليم السلطة من العسكريين غير المنتخبين إلى المدنيين المنتخبين مع تحديد العلاقة بينهما بخضوع العسكريين للمنتخبين لصالح سيادة الشعب, كل ذلك يتعارض جذريًا مع أولاً: داخليًا مع كل مكونات النظام البائد الذى مازال حاضرًا بقوة (فى رجال سياسيين وإعلاميين وماليين) والمدعومين من كل المستفيدين من الفساد السابق, ثانيًا: خارجيًا يتعارض مع الثوابت والهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، ولقد لاحظنا التصريحات الإسرائيلية ترحيبًا بشفيق رئيسًا لمصر, ومن ثم هناك تحالف جذرى بين القوى الداخلية والخارجية ضد ثورة مصر, وتحديدًا مصر ؛ لما لها من تأثير إقليمى وعالمى. - الخلاصة: أولاً: الرئيس القادم لا بد له من توجه إستراتيجى وليس أمامه إلا طريقان متضادان فكريًا ووطنيًا ومنطقيًا, أما الاستناد إلى الشعبية الداخلية أو الهيمنة الخارجية, لا يوجد احتمال ثالث، ويستحيل اتخاذ حل وسط, حيث إن الهيمنة الخارجية المقصودة تتعارض جذريًا مع هوية وكرامة ومصلحة المصريين، من حيث الأمن القومى والاقتصادى والاجتماعى، ويستحيل أن ينجح الرئيس، أو حتى يبدأ فى مواجهة الهيمنة الخارجية المذكورة إلا بالاستناد إلى الشعب، والذى يتأسس بداهةً بانتماء الرئيس ونظام الحكم إلى هوية ومرجعية وثقافة الشعب؛ ولذلك كان المخلوع محددًا فى اختياره، مستندًا على قوى الهيمنة الخارجية، ومناهضًا لهويتنا وثقافتنا؛ حتى ثار الشعب تلقائيًا ضده دون توجيه من أى رموز أو قوى سياسية. - ثانيًا: ولذلك انصبت وتركزت معركة الرئاسة بالاستقطاب الحاد بين طرفين لا ثالث لهما, التنظيم الصاعد والنظام البائد, تنظيم الإخوان متمثلاً فى"مرسى"، ونظام الوطنى متمثلاً فى"شفيق", وذلك بالرغم من الكم الهائل من الأصوات فى الجولة الأولى، والتى كانت لغير مرسى وشفيق، والسبب أن الحشد للانتخابات يستلزم عملاً شعبيًا تنظيميًا تراكميًا هائلاً، ولا يملك ذلك فى مصر حاليًا قبل "نجاح الثورة" إلا الإخوان والوطنى. - ثالثًا: ومن ثم لا يمكن نجاح ثورة إلا بسلطة ولا يمكن الوصول للسلطة إلا بالانتخابات لبناء المؤسسات؛ ولذلك لا بد من العمل الجماعى الجماهيرى من خلال "تنظيم", ولذلك لم تنجح القوى الثورية فى المنافسة فى الانتخابات، بالرغم من الزخم الثورى الهائل والمتكرر من خلال "مليونيات" كثيرة لا مثيل لها. - رابعًا: مهما كانت أخطاء الإخوان، فهم التنظيم الوحيد المتاح لمواجهة تنظيم الفساد والاستبداد، ولذلك نفس الاستقطاب الذى كان قبل الثورة عاد بعدها بين نفس الطرفين, حتى نبدأ المرحلة الانتقالية للديمقراطية؛ ليتم إنشاء تنظيمات جديدة تتنافس بشرف مع الإخوان. - خامسًا: الإخوان أصحاب فكر ورسالة معروفة للأصدقاء والأعداء، وبغض النظر عن تقييمها من حيث الخطأ والصواب، فهم يتحركون ويعملون سلميًا خلال 80 عامًا صمدوا ضد كل الحكام الذين حكموا دون شرعية, ودخلوا السجون دفاعًا عن آرائهم، فعن ماذا يدافع شفيق الآن؟، وما هى رسالة النظام البائد؟. - سادسًا: هدم الإخوان يعنى هدم المنافس الوحيد للنظام البائد المتحالف مع "إسرائيل". إن نجاح شفيق يعنى كوارث لا حصر لها، نرمز لها بعودة جمال مبارك الابن لمقعد الرئاسة؛ تحقيقًا لمؤامرة "التوريث"، وكأن الثورة "خناقة وانفضت"، وكأن دماء الشهداء ذهبت بلا سبب ولا هدف ولا ثمن ولا قِصاص. تم إرسال هذا المقال للنشر قبل صدور نتيجة الأحكام القضائية والدستورية بخصوص العزل السياسى ومجلس الشعب فى توقيت تم اختياره (لأسباب تثير الشكوك) بين الجولة الأولى والإعادة، فضلاً عن أن هناك توقعات تشكك فى نزاهة جولة الإعادة، ومع كل ذلك لا بد من التنبيه على خطورة الخروج على الشرعية, فطالما كان هناك اعتراف رسمى ودولى بقَبول نزاهة الانتخابات إجمالاً، حتى لو كان هناك بعض المخالفات غير المؤثرة، فلا بد من احترام نتيجة الصناديق وكذلك الانصياع لأحكام القضاء, "الصناديق والقضاء" الآن هم الحِصن الحصين للشرعية، وإلا ليس أمامنا إلا الفوضى. أجواء الاستقطاب التى كانت أيام استفتاء مارس 2011 ، والخاصة بهوية ومرجعية الدولة "معركة الإرادة"، نجدها تعود الآن، لكن لأسباب وطنية "معركة الإعادة"، ويبدو أن نتيجة الصناديق ستكون متشابهة فيما بين "الإرادة" و"الإعادة". رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار [email protected]