الجنيه لم يعد كافيًا.. «عايز 10 جنيه.. أبويا هيموتني لو خدت الجنيه" قاعات الأفراح والمطاعم أصبحت مقصدًا للمتسولين.. ومن يرفض الدفع: «إلهى لا تكسبى ولا تربحى» قد يكون العنوان صادمًا لك، لكن عيناك لم تخدعك، فتلك الحقيقة التي عينتها محررة "المصريون" من خلال جولة في شوارع القاهرة، فلم يعد المتسول يكتفي بما تمنحه إياه عن طيب خاطر، فإذا أعطيته "حسنة قليلة" لم ترضه، يسلك تصرفًا من إثنين، إما أن ينظر إليك بتهكم وسخرية وتشعر وقتها أنك أنت الذي تستجدي منه، أو أن يعلق قائلاً: "إيه ده"، ويحرجك أمام العبور أو المتواجدين، وهناك من لا يجد حرجًا في الرد عليه، واسترجاع ما أعطاه إياه. التسول فى الأفراح لم يعد الشارع أو الوقوف أمام المجلس أو وسائل النقل العام هي الأماكن المخصصة للتسول، بل توسعت الظاهرة وانتشرت في قاعات الأفراح، حيث أصبح من المعتاد أن ترى أحدهم يتجول بين الموائد وهو يحمل في يديه حقيبتين، إحداهما بها "لب" والأخرى بها "سوداني"، وهو ما يثير استغراب غير المعتادين على مثل هذا التصرف، ويجد نفسه مضطرًا لمنحه ما يجود به عليه، لكن الغريب أنه لا يكتفي بما تعطيه ويطلب منك المزيد. يقول محمد وهو شاب عشريني ل"المصريون": "كنت في فرح وجلس أنا وأصحابي ولقينا رجل شكله غلبان بيحط لب قدامنا ما يجوش 10 لبات، خدني دور الشهامة وطلعت 5 جنيه أديهاله، لقيته يبيص لي بقرف وبيقولي إيه ده: قليلة، رديت عليه وقلت له حلوة كده يا عم الحج راح مزعق فيا، قلت له أنا اللي غلطان وخدت منه ال5 جنيه تاني". محلات الأكل الشهيرة تنتشر محال الطعام الشهيرة في معظم المناطق والأحياء، والتي أصبحت ملجأ للأطفال المتسولين، الذين غالبًا ما يدخلون في غفلة من أصحابها، أو ربما يتغاضى البعض عنهم لضيق حالهم ورغبة في مساعدتهم وتركهم يسترزقون. يقول المهندس أيمن محمد ل"المصريون": "كنت أجلس أنا وأسرتي في أحد المطاعم الشهيرة في منطقة المنيل، وفوجئنا بطفلة صغيرة تمر بين الموائد تطلب مساعدة، والبعض يعطيها بعد أن تقوم بتقبيل يده مع عبارات التسول الشهيرة: "ربنا يخليكم لبعض"، "يا رب تتجوزوا"". يضيف: "عندما طلبنا منها أن تشاركنا الطعام رفضت، وقالت إنها تريد نقودًا، وعندما سألناها عن أهلها قالت إنهم "يشحتون" في الشارع الخلفي للمطعم، وعندما أعطيناها 5 جنيهات، بكت، وقالت: "أمي هتضربني دي قليلة"، فلم نجد أمامنا إلى أن نلجأ لمدير المطعم، الذي أكد أنه تفاجأ بوجودها وقام بطردها خارج المطعم، إلا أن رواد المطعم أكدوا أنها تتواجد باستمرار هناك". اشتر بالإكراه وإلا أصابتك اللعنات أصبح شائعًا منذ سنوات طويلة استخدام المناديل الورقية كوسيلة للتسول في الطرقات ووسائل المواصلات العامة، وغالبًا ما يكون البائعون من كبار السن من الرجال والسيدات، ويرق قلبك لمنحهم "حسنة"، خاصة مع محاولة استدرار عطفك التي لا تتوقف مع الدعوات لك: "ربنا يفتح لك أبواب الرزق اللي متقفلة، يا رب تنجحي، يا رب يرزقك"، لكن قد تنقلب الدعوات ضدك، حين يكون ما أخرجته من جيبك غير مقنع له، بالرضا بالقليل. تقول غدير ل"المصريون": "في طريقي إلى الجامعة يوميًا أشتري كيس مناديل من إحدى السيدات اللاتي يفترشن الأرض، رغبة في مساعدتهن، لكنني فوجئت بسيدة منهن تقول لي: إيه ده جنيه، الكيس بجنيه ونص، فأحرجتني وأعطيتها ما طلبته، وذات مرة كنت أشتري من سيدة أخرى فوجدتها تردد نفس العبارة "جنيه ونص، إنتي مش عايشة في الدنيا"، فغاظتني كلماتها فقلت لها: لا أريد، فسمعتها بأذني وهي تدعي علي، وتقول: "إلهي لا تكسبي ولا تربحي، وبصوت مرتفع فشعرت بالإحراج". أما أحمد فيحكي ل"المصريون": "كنت داخل أشتري نص فرخة مشوية من محل مشويات في الدقي، لقيت عيل صغير شكله يقطع القلب هدومه متربة ووشه غرقان تراب، فقلت أديله جنيه رفض وكان هيعيط، فسألته على أهله قالي بيشحتوا في الشارع، قلت له طيب أجيب لك ساندوتش قالي لا إديني 10 جنيهات، قلت له إيه، قالي أصل أبويا هيزعق لي لو خدت الجنيه، فقلت له روح يا بني بعيد عني ربنا يسهلك ويهديلك أهلك". "تحسبهم أغنياء من التعفف"، بهذه الآية القرآنية استهلت الدكتورة فاتن عرفة الأخصائي النفسية والاجتماعي حديثها ل"المصريون"، مضيفة: "كنا زمان بنشوف الإنسان المحتاج مليان بالشرف والعفة حتى وهو محتاج، كان بياخد منك المساعدة وهو مكسوف، لكن في الشوارع دلوقتي الدنيا تغيرت حتى لو هيشحت من طفل بيمد إيده وياخد منه، ومبدأه طالما إنك مش بتشحت زيه يبقي أنت إنسان مستريح ومش محتاج". وتشير إلى أن "بعض المتسولات يتخفين وراء النقاب على الرغم من أن هذه المتسولة لو تعرف معنى ارتداء النقاب للزمت منزلها، أو بحثت عن عمل شريف وعفت نفسها بدلاً من سؤال الناس، وإذا سعي العبد فإن الله يرزقه". وتضيف: "السلوك ليس نتيجة للاحتياج، لكنها أصبحت مهنة توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، مستغلين آيات القران، وأن دعوة المظلوم أو الفقير ربنا هيحققها، طيب ما هو ممكن يدعي لنفسه، أو يدخل يصلي في المسجد ويحكي للشيخ حكايته، والشيخ هيحاول يساعده بشغل بسيط، وليه قاعد على باب المسجد علشان بيستغل الدين". وتؤكد الأخصائية الاجتماعية، أن "هناك نوعًا من "البجاحة والتوحش والهمجية" يسلكها المتسولون، ولسان حالهم يقول: "إحنا شحاتين ولو ما أدوتناش هندعي عليكم، وأحيانا يتصرفون بطريقة "هنضربكم كمان". وتحكي عن تجربة شخصية لها، قائلة: "كنت أشعر بالجوع وأنا في طريقي فقمت بشراء ساندوتش ووقفت أكله في الشارع، فوجئت بمجموعة من السيدات المنتقبات في الطريق وهن متسولات، وجت لي واحدة كبيرة راضيتها صعبت عليا مع إني كنت مش عايزة أدي حد في الشارع لأني عارفة اللي محتاج من اللي بيتصنع، بصيت لقيت واحدة تانية جاية لي وبرضه راضيتها، وببص لقيت مجموعة واقفة مع بعض وكأنهم بيقولوا: "روحي دي هبلة" فلما جت لي، قلت لها معايا باقي الساندوتش تكليه قالت لي: "هو أنا أطول أكل من القمر خدته"، وقلت بألف هنا وشفا، فتابعتها لحد ما لاقيتها رمت الساندوتش جنب الحيط، ما هي لو كانت جعانة فعلاً كانت أكلته، كلنا حالتنا الاقتصادية ضعيفة، لكن هم بيقولوا طالما مش بتشحت زينا تبقي مستريح ولازم تدينا حسنة". ووجهت رسالة للراغبين في مساعدة المحتاجين: "روحوا للغلابة بجد للفقراء بجد للضعفاء بجد بفلوسكم وأدواتكم وكل حاجة امنحوها للمحتاج، وخلوا اللي واقفين في الشارع ما يلاقوش حد يديهم وينزلوا يشتغلوا مش يخدوا شقانة على الجاهز، لو راحوا اشتغلوا في أي بيت هياكلوا ويشربوا ويلبسوا وياخدوا فلوس كمان، بلدنا بتدي قروض للناس البسيطة هاتوا قرض اعملوا بيه أي حاجة حلال أحسن من اللي بتعملوه ده". شاهد الصور..