كنت دايمًا أسمع عن كلمة "التسول" رغم إني مش فاهم معناها، وده يرجع لصغر سني أو لأني كنت عايش خارج بلدي، ومع مرور الوقت والاندماج في بلدنا المحروسة، فهمت معنى كلمة "التسول" من جميع نواحيها. ظاهرة بنقابلها يوميًا، عبارة عن منظومة وكأنها دولة جوه دولة؛ وللأسف بنكبر في المنظومة من غير قصد، فاكر من كام سنة وأنا رايح مدرستي بشوف راجل عنده إعاقة في الساق وكان دايمًا لابس جلباب شكله متبهدل، وفيه حجات متقطعة، حتى إن لونه مكنش ظاهر.. الراجل ده فضلت أشوفه لعند ما دخلت الجامعة، وكنت بسأل نفسي سؤال طول العشر سنين من التسول، "معقولة مبقاش معاه مبلغ يعيش عيشة كريمة قبل ما يموت؟".. قعدت أفكر فيها لو كل إنسان مش لاقي شغل وعاش على التسول، طب إزاي هيكون مستقبل بلادنا، وأزاى الجيل إلى هيرسم الابتسامة على الوطن هيكون؟! وبالعكس لقيت إن بلدنا هتكون رقم واحد في التسول ده إن كان مش حقيقي إنها فعلًا البلد الأولى. في يوم، وصل بيا التفكير إنى أحسبها لو أنا هجرب مهنة التسول، وأقف في عربيات المترو وأقول "حاجة لله.. أو ساعدوني أنا بتعلم مش عارف أصرف على نفسي.." واشتغلت ساعتين بس في اليوم و في كذا شهر يكون معايا مبلغ مش بطال، وفجأة اكتشف إني غني طبعًا مش بقول إنك تعمل كدة بالعكس الفكرة في الموضوع إن التسول مش بقى مجرد ظاهرة للناس الفقراء فقط أبدًا حتى إنى اكتشفت أن معظم الشباب بقت بنفس الطريقة، وأقابل شاب أكبر مني بيجي كام سنة، وبيمد أيده ويقولي ساعدني عندي ظروف.. ده حتى أنا ببقى محروج منه !. وأستغرب أنا جدًا، من التنوع في طرق التسول، عندك مثلا تبقى ماشي في ملكوت الله وتلاقي شخص غريب بيوقفك ويقولك "أنا غريب عن البلد.. ومحتاج بس أي مبلغ عشان أروح" ويمكن لو مش حفظ شاكلك لو قابلته تاني يقولك نفس الكلام .. حتى وصل الموضوع إنك تبقى راكب مواصلة وتلاقي راجل قد والدك باين عليه صحة جيدة، الله ما لا حسد، وبيطلب منك مساعدة حتى بفضل أسأل نفسي أما البلد كلها كدة أمال باقي مين مش عايش على التسول.. وأسوأ ظاهرة بتحصل في بلدنا ولابد من حل ليها تسول أطفال الشوارع اللي بيحرجك أعلى إحراج سواء إن كنت قاعد بتتغدى في مكان عام، أو مع صحابك على القهوة تلاقي كذا طفل جاي، وبدون أي إحراج يقولك "حاجة لله" وعينه هتخترق الحاجة اللي قدامك، ولو لم يأخد منها لازم يحصل أي شيء، يا يدعي عليك، يا يجرالك حاجة بعدها !! بدأت أحس من التعامل مع البشر، إن التسول بقا أسهل حاجة ممكن تعملها حتى صفة "الخجل" فقدها معظم البشر، وبقت "البجاحة" عنوان معظمنا للأسف.. وعاوزني إزاي أتعاطف مع اللي بيطلب مني مساعدة وأصدق إن محتاج فعلًا من كل الظواهر الموجودة قدامي.. سؤال دايمًا بيطاردني "أيه الدافع من الشاب أو الراجل الكبير أنه يعيش على التسول رغم إن ربنا أعطاه صحة كفيلة بأنه يشتغل ويعول نفسه".. لو دورت مش هتلاقي إجابة بالعكس هتحتقره، طب وفين كرامته أصلًا.. ولو فاكر في أول كلامي قولت إن إحنا اللي بنكبر المنظومة، وده عن طريق الفلوس اللي بندفعها بهدف إننا بنساعد ونأخذ دعوة، "طب وأنت ليه ضامن إن ربنا هيستجيب منه؟". وطول ما المتسول لاقي ترويج من الناس هينتشر أكتر، إنت ممكن تعمل حاجة عظيمة إنك تدفع فلوسك في مكان زي جمعية مثلًا يعمل مشروع يشغل الشباب أو حتى العواجيز اللي بنقابلهم كل يوم.