أمة لا تعرف تاريخها، الله يرحمها ويتولانا بفضله، والتاريخ باب مفتوح لمن أراد أن يتعطر بسير الأسياد الآساد، والآساد جمع أسد، والأسد ليس بالاسم، بل بالسيرة، وسيرة هذا الشهر الأكثر دموية فى تاريخ الشام، ومن الشام جاء إلى الأزهر قبل أكثر من مائتى عام، حاملا همة طلب العلم، وفطرة الدين، فصار دين سليمان الحلبى الأزهرى السورى، جهادا، مع أنه فى الأصل طالب أزهرى وكاتب عرضحالجى، وعابر سبيل ومغترب فى رواق الشوام، والشوام اسم وفعل وعلم يدل على الرجولة والشهامة والفتوة، وفتوة عمر الواحد والعشرين بلغها الفتى، وبلغ الفرنسيس القاهرة عام 1798 بقيادة بونابرتة، وغار بونابرتة تاركا القيادة للجنرال كليبر، واقتحم كليبر الأزهر، أو "ودخلت الخيل الأزهر" – والله يرحم عمنا محمد جلال كشك - وسرق الفرنسيس الكتب وأعدموا ستة من كبار المشايخ، منهم الشيخ محمد الشرقاوى أستاذ سليمان الحلبى، ونكلوا بطلبة الأزهر، فرجع الحلبى إلى حلبه، حاملا مصر فى قلبه، ومصر من يشرب من نيلها، يعود إليها، فعاد البطل، وصلى على رسول الله الذى أمرنا بالجهاد، وألزم به نفسه، وفى صباح يوم من أيام الله بمنتصف يونيه عام 1800، كتب الفتى الحلبى بخط يده اليمنى الشريفة دعاء وابتهالا وتضرعا إلى الله وثبت الأوراق فى محراب الأزهر، وتوكل على الله، ووصل إلى (بركة الأزبكية).. إلى حيث يقيم كليبر بقصر محمد بك الألفى، وألف تحية لك يا فتى مصر والشام... والشام بلد كل شهم، والشهم الحلبى تسلل وواجه سارى عسكر ورفاقه، وأين مكان الوجع يا كلاب، فهذه أرضى أنا وهذا أزهرى أنا، وأنا الفتى الحلبى الأبى، وقتل كليبر وأصاب الفرنسى الآخر، ولم يفر حتى تأكد من مقتل كبيرهم، فقبضوا عليه. وقل يا زمن ما تشاء من وصف ومن مدح، وعذبوه وأحرقوا يده اليمنى حتى الرسغ، ليدلهم على خلايا المجاهدين، لكن لو نطق الجبل، ما نطق البطل... وقبضوا على رفاق سكنه برواق الشام، وقطعوا رأس أربعة منهم أمامه، ثم حكم اللئام عليه بالإعدام على الخازوق، وتركوه لتأكل منه الطير. فطارت الحملة بعدها بقليل غير مأسوف عليها ورحلت. وعاد الجنرال مينو إلى فرنسا حاملا عظام كليبر النتنة، وعظام سليمان الحلبى العطرة، وخنجره الشريف، وظلت الجمجمتان تعرضان بمتحف "انفاليد". نقطة غريبة أو هى نكتة كئيبة: هى جهالة بعض من يدعون التأريخ، ويحاولون قتل أى رمز، فالحلبى سيدنا... لكن المهم، هل رأيت كيف كان قلب فتى الشام على مصر، ومصر لا تنسى ولا يجب أن تنسى نصرة أحفاد سليمان الحلبى، وإكرامهم. وكرامة يا تاريخ أمتى! محمد موافي [email protected]