وزير الزراعة يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب بالإسكندرية    أحمد موسى عن لقاء الرئيس السيسي مع قيادات 52 شركة كبرى: توقيع اتفاقيات لتوفير 75 ألف فرصة    دبلوماسي روسي: الولايات المتحدة رفضت توضيح موقفها بشأن التجارب النووية    الخارجية العراقية: تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بشأن الانتخابات تدخل مرفوض    فيفا يضرب الزمالك مجددًا.. أزمة فرجاني ساسي تُربك الحسابات    الاتحاد السكندري يفوز على سبورتنج وديًا استعدادًا للجونة بالدوري.. ومصطفى: بروفة جيدة    تموين الإسكندرية تحبط محاولة لبيع نصف طن زيت وسكر تمويني بالسوق السوداء    طارق العريان: «السلم والثعبان 2» يركز على العلاقات.. ولا يوجد به جرأة    عاد لزوجته قبل وفاته بأيام ولحق بابنه «ضاضا».. 3 مآسٍ في حياة المطرب الراحل إسماعيل الليثي    ترامب يعفو عن متهمين بارزين بمحاولة إلغاء نتائج انتخابات الرئاسة 2020    المستشارة أمل عمار: المرأة الفلسطينية لم يُقهرها الجوع ولا الحصار    ميليسا فيلمنج: طلبت لقاء بعض اللاجئين السودانيين الذين استضافتهم مصر بسخاء    بمشاركة ممثلين عن 150 دولة.. مؤتمر ومعرض الحج 2025 يناقش تطوير خدمات ضيوف الرحمن    وزير التموين: توافر السلع الأساسية بالأسواق وتكثيف الرقابة لضمان استقرار الأسعار    أخبار الإمارات اليوم.. محمد بن زايد وستارمر يبحثان الأوضاع في غزة    «سلّم على الدكة وقال الزمالك نادي كبير».. تصرفات «زيزو» بعد فوز الأهلي بكأس السوبر تثير جدلًا    قريبًا.. الذكاء الصناعي يقتحم مجالات النقل واللوجستيات    مجلس الدولة يؤجل نظر دعوى إلغاء قرارات غلق البارات وحظر الخمور خلال رمضان    غرفة عمليات الجيزة: لا شكاوى من حدوث تجاوزات في انتخابات مجلس النواب حتى الآن    وزير الصحة يستقبل نظيره اللاتفي لتعزيز التعاون في مجالات الرعاية الصحية    سارة نتنياهو تثير غضبا كبيرا في طبريا    مراقب أردنى عن انتخابات مجلس النواب: استعدادات جيدة وتيسيرات لذوى الإعاقة    قلوبهم جامدة.. ما هي الأبراج الأكثر قوة؟    دعاء مؤثر من أسامة قابيل لإسماعيل الليثي وابنه من جوار قبر النبي    هل يظل مؤخر الصداق حقًا للمرأة بعد سنوات طويلة؟.. أمينة الفتوى تجيب    ابدأ من الصبح.. خطوات بسيطة لتحسين جودة النوم    وكيل صحة الإسماعيلية تشدد على حسن معاملة المرضى بمستشفى الحميات (صور)    طريقة عمل الكشرى المصرى.. حضري ألذ طبق علي طريقة المحلات الشعبي (المكونات والخطوات )    فيلم عائشة لا تستطيع الطيران يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش السينمائي    نماذج ملهمة.. قصص نجاح تثري فعاليات الدائرة المستديرة للمشروع الوطني للقراءة    شقيق الفنان محمد صبحي: حالته الصحية مطمئنة ويغادر المستشفى غداً    العمل تسلم 36 عقد توظيف للشباب في مجال الزراعة بالأردن    انطلاق اختبارات مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن بكفر الشيخ    الآثار: المتحف الكبير يستقبل 19 ألف زائر يوميًا    علاء إبراهيم: ناصر ماهر أتظلم بعدم الانضمام لمنتخب مصر    ما حكم المشاركة في الانتخابات؟.. أمين الفتوى يجيب    الأربعاء.. فن الكاريكاتير وورشة حكى للأوبرا فى مركز محمود مختار بمناسبة اليوم العالمى للطفولة    انتخابات مجلس النواب 2025.. إقبال كثيف من الناخبين على اللجان الانتخابية بأبو سمبل    تشييع جثماني شقيقين إثر حادث تصادم بالقناطر الخيرية    البنك المركزي: ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.1% بنهاية أكتوبر 2025    تعرف على مدة غياب كورتوا عن ريال مدريد بسبب الإصابة    تاجيل محاكمه 17 متهم باستهداف معسكر امن مرغم بالاسكندريه    الاتحاد الأفريقي يدعو لتحرك دولي عاجل بشأن تدهور الوضع الأمني في مالي    صور| رئيس منطقة الغربية الأزهرية يتابع انتظام الدراسة بالمعاهد في طنطا    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    بالصور| سيدات البحيرة تشارك في اليوم الأول من انتخابات مجلس النواب 2025    كشف هوية الصياد الغريق في حادث مركب بورسعيد    تأجيل محاكمة «المتهمان» بقتل تاجر ذهب برشيد لجلسة 16 ديسمبر    وزير النقل التركي: نعمل على استعادة وتشغيل خطوط النقل الرورو بين مصر وتركيا    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    انطلاق قوافل التنمية الشاملة من المنيا لخدمة المزارعين والمربين    جامعة قناة السويس تحصد 3 برونزيات في رفع الأثقال بمسابقة التضامن الإسلامي بالرياض    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    شيكابالا عن خسارة السوبر: مشكلة الزمالك ليست الفلوس فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاكمة جديدة لسليمان الحلبي في ذكراه المئتين (1 2)
نشر في محيط يوم 17 - 09 - 2011

لا شك أنه من حق سليمان الحلبى علينا بعد مرور هذه المدة الطويلة علي استشهاده، وفي ظل الظروف الراهنة التي تجري علي الساحة السورية، والتحديات العالمية التي تواجه هذا البلد الشقيق ، أن نتذكره ونترحم عليه ، وأن نبحث فى قضيته ، وان نعيد محاكمته محاكمة عادلة منصفة ، لنرى إن كان هو القاتل فعلا أم لا ،وسوف نتتبع وقائع القضية منذ بدايتها ، وإليكم المشهد بالتفصيل .
ظروف مقتل كليبر:
بعد فشل معاهدة العريش يناير 1800 ، انقض كليبر على العثمانيين – بدون سابق إنذار – وشتت قواتهم فى عين شمس وعاد إلى القاهرة ليجدها مشتعلة بالثورة. وقد نجح فى القضاء على الثورة بعنف ووحشية لم تعهدها القاهرة فى تاريخها . ولم يكتف بما أحدثه من خراب بالمدينة ، بل شرع فى اعتصار ما تبقى بها من رمق الحياة ، وفرض عليها غرامة بلغت 12 مليون فرنك. ولكن القدر لم يمهله لكى يحتفل بانتصاراته ، فامتدت إليه يد خفية بطعنة خنجر أردته صريعا مضرجا فى دمائه . ولكن هل كانت هذه اليد هى يد سليمان الحلبى ؟ هناك كثير من الأمور التى اعتبرناها حقائق ومسلمات ، ثم ثبت خطؤها وزيفها بعد ذلك ، والحقيقة أننى لا أفتح ملف هذه القضية بدافع الإثارة أو لفت الأنظار ، فكثيرا ما كنت أقرأ وقائع محاكمة سليمان الحلبى ولا أجدنى مقتنعا بها لا شكلا ولا موضوعا ، فبدأت أقلب أوراق هذه القضية وأتقصى أخبارها ، فتكشفت لى عدة حقائق سوف نناقشها بعد عرض ملخص لأحداث القضية حتى لا تفوت من لم يقرأ أحداثها متعة المتابعة .
أحداث يوم القتل كما ذكرتها المصادر الفرنسية :
كان ذلك فى صباح يوم السبت 14 يونيو 1800 ، عندما كان كليبر فى دار الجنرال داماس رئيس أركان الحرب الذى أعد وليمة للقائد العام دعا إليها طائفة من القادة ، وانتهى الغداء فى الساعة الثانية بعد الظهر فانصرف كليبر بصحبة المهندس المعمارى بروتان عائدين إلى دار القيادة (سراى محمد بك الألفى) لمباشرة أعمال الترميم التى تتم بها بعد أن طالتها يد التخريب أثناء الثورة ، وكانت حديقة السراى تتصل بدار الجنرال داماس برواق طويل تظله تكعيبة عنب ، وبينما هما سائران فى هذا الرواق خرج عليهما رجل اقترب من الجنرال كمن يريد أن يستجديه ، فلم يرتب الجنرال فى نية ذلك السائل ، لكنه لم يكد يلتفت إليه حتى طعنه بخنجر فى صدره ، فصاح الجنرال "إلىَّ أيها الحراس " ، ثم سقط على الأرض مضرجا فى دمه ، فأسرع بروتان فى تعقب الجانى فلما أدركه تماسك الاثنان فطعنه القاتل ست طعنات سقط منها على الأرض بجوار كليبر ، وعاد الجانى إلى الجنرال كليبر فطعنه ثلاث طعنات ليجهز عليه ، بيد أن الطعنة الأولى كانت القاضية لأنها نفذت إلى القلب ، ولاذ الجانى بالفرار .
انتشر الخبر بسرعة البرق فى القاهرة ، وضُرب النفير العام لجمع الجنود فأقبلوا من كل مكان إلى ميدان الأزبكية يتنادون بالانتقام ويتهددون بحرق المدينة ، فاستولى الفزع على الناس وسارعوا بإغلاق الدكاكين وخلت الطرق من المارة .. وسرعان ما عثر الجنود على القاتل مختبئا فى الحديقة التى حدث فيها القتل واقتادوه إلى دار أركان الحرب . وكانت ملابسه ملوثة بالدماء ، وعثر بعد ساعة على الخنجر مدفون فى المكان الذى قبض عليه فيه ، فاستجوبه الجنرال مينو وواجهه بالمهندس بروتان الذى تعرف عليه من بين جماعة من العمال وُضع بينهم للتأكد من صحة التعرف . وشهد الشهود بأن القاتل كان يتتبع خطوات الجنرال منذ عدة أيام فقد رأوه فى الجيزة يسعى فى الدخول إلى مقر القائد العام بحجة تقديم عريضة ولكن بيروس – سكرتير كليبر – رفض الإذن له بالمقابلة . وفى صباح الجريمة اندس القاتل بين جماعة من الخدم ورآه ديفوج – أحد ياوران كليبر – وكان يظن أنه من العمال الذين يعملون فى عمارة السراى ، فأمر بطرده من الحديقة . ومع هذه البينات القاطعة أنكر القاتل فاتبع معه بارتلمى الرومى طريقة التعذيب لإكراهه على الاعتراف فاعترف . فإذا هو حلبى يدرس فى الأزهر واسمه سليمان ، وأبوه تاجر اسمه الحاج أمين وأخبر أن الذين حرضوه على القتل ضابطين تركيين هما : أحمد أغا ويس أغا ، وأنه حضر للقاهرة منذ 31 يوما ونزل عند مصطفى أفندى البروسة لى الخطاط الذى كان يعلمه صنعة الكتابة عندما كان يدرس فى الأزهر . ثم انتقل من عنده وسكن الأزهر ، وأنه أفضى بسره إلى أربعة من المجاورين الشوام هم : محمد الغزى وأحمد الوالى وعبد الله الغزى وعبد القادر الغزى ، فأمروا بإحضار الشيخ عبد الله الشرقاوى شيخ الأزهر والشيخ أحمد العريشى قاضى مصر ، وحجزوهما إلى منتصف الليل ، وألزموهما بإحضار الأربعة المذكورين ، فركبوا صحبة الأغا إلى الجامع ، فأحضروا ثلاثة ولم يجدوا الرابع – عبد القادر الغزى – وسألوهم فأنكروا فضربوهم فاعترفوا بأنهم علموا بنيته ولم يتوقعوا منه هذا الأمر ورموه بالطيش والجنون .
وقائع المحاكمة :
أصدر مينو فى اليوم نفسه أمرا بتأليف محكمة عسكرية لمحاكمة قتلة كليبر مؤلفة من تسعة أعضاء من كبار رجال الجيش . وانعقدت المحكمة فى اليوم التالى15 يونيو بحضور الجنرال مينو ، وبدأت أعمالها – حسب النص العربى الذى أورده الجبرتى – بالاطلاع على التقريرين الطبيين لكل من كليبر وبروتان ، ثم تم استجواب سليمان الحلبى فأنكر صلته بالجريمة أو الخنجر ، وأنهم قبضوا عليه خارج الحديقة ، فأمر مينو بضربه "حكم عوائد البلاد فحالا انضرب لحد أنه طلب العفو ووعد أنه يقر بالصحيح" وأقر بما سبق وأقر به بعد الضرب فى اليوم السابق . ثم استجوبوا المشايخ الثلاثة ، فأنكروا أيضا واحدا وراء واحد وكرر عليهم الضرب حتى اعترفوا ، وسئل الشهود وهم بروتان المهندس ، والحارسان اللذين قبضا على سليمان ، وديفوج ياور كليبر . وفى اليوم التالى – 16 يونيو – انعقدت المحكمة للنطق بالحكم وطُلب من المتهمين تعيين من يدافع عنهم فقالوا انهم لا يعرفون أحدا فتعين لوماكا الترجمان للدفاع عنهم . وقام المدعى العام فبالغ فى مدح القتيل وندد بالقاتل وطالب بحرق يده اليمنى ثم وضعه على الخازوق حتى يموت وتترك جثته تأكلها الطيور ، وقطع رءوس شركاءه الثلاثة وبراءة مصطفى أفندى . ولم يظهر من نص المحاكمة أن لوماكا دافع عنهم أو حتى طالب بتخفيف الحكم أو شكك فى الإجراءات ، كما رفض المتهمون الدفاع عن أنفسهم . وقررت المحكمة بإجماع الآراء تنفيذ الحكم الذى طالب به المدعى العمومى ، بعد دفن كليبر مباشرة ، وهو ما حدث فعلا فى اليوم التالى ، 17 يونيو 1800 .
أدلة براءة سليمان الحلبي:
والآن وبعد أن عرضنا لوقائع القضية حسب المصادر الفرنسية – لأنه لا توجد مصادر عربية يعتد بها حتى الجبرتى نفسه لم يشهد الحادثة ولا المحاكمة – سوف نقوم بدور لوماكا المحامى ونقدم لهذه المحكمة أدلة براءة سليمان من خلال استعراض الحقائق التالية :
أولا – لم يكن من عادة الفرنسيين إجراء محاكمات مشابهة فى جرائم القتل :
الحقيقة أن الفرنسيين لم تكن العدالة شعارهم ولا هدفهم طوال سنوات بقائهم فى مصر فهل تشكلت محاكمة للنظر فى تهمة محمد كريم قبل إعدامه؟ وأين محاضر التحقيق التى لو كانت موجودة لنشروها كما حدث فى قضية سليمان . وهل حاكم بونابرت أسرى يافا الذين أعمل فيهم السيف بلا ذنب ولا جريرة ؟ وحتى بعد محاكمة سليمان لم يجر الفرنسيون أى محاكمة أخرى وكانوا يقتلون بالجملة ويأخذون بدون جريرة وبأدنى شبهة ، ومن يرد التأكد من ذلك عليه مراجعة يوميات الجبرتى ، حيث جمعت على عجل أكثر من ثلاثين مثالا ذكرها الجبرتى لقتل مصريين دون محاكمة وسوف أكتفى هنا بذكر مثال واحد حتى لا أطيل ، يقول الجبرتى فى مظهر التقديس ( حضر رجل إلى الديوان يشكو ويستغيث بأن قلق الفرنسيس قبض على ولده وحبسه عند قايمقام (بليار) ، وهو رجل زيات ، وسبب ذلك أن امرأة جاءت لتشترى منه سمنا ، فقال لها : لم يكن عندى سمن ، فكررت عليه السؤال حتى حنق منها فقالت له : كأنك تدخره حتى تبيعه على عسكر العثمنلى ، تريد بذلك السخرية ، فقال لها نعم رغما عن أنفك وأنف الفرنسيس ، فنقل مقالته غلام كان حاضرا معهما حتى أنهوه إلى قايمقام فأحضره وحبسه ، ويقول أبوه أخاف أن يقتلوه ، فقال الوكيل (فوريه) "لا يقتل بمجرد هذا القول وكن مطمئنا ، فإن الفرنسيس لا يظلمون " فلما كان اليوم التالى قتل ذلك الرجل ومعه أربعة لا يدرى ذنبهم وذهبوا إلى رحمة الله)
* أستاذ التاريخ الحديث بجامعة قناة السويس
من اوراق دورة تطوير مناهج البحث في علم التاريخ بجامعة القاهرة دورة يوليو 2011
* أعده للنشر عمرو عبد المنعم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.