أنشأ صاحبنا مقالاً بعنوان: «لو التقى البخارى بستيف جوبز»، يُخاطب فيه النساء كما يبدو من سياق كلامه، ولا أدرى وجهًا لتخصيص الخطاب للنساءِ؛ اللهم إن كان صاحبنا يرى أنَّ البلد (مفيهاش رجالة).. المهم أنَّنى انتظرتُ أن أعرف نتيجة هذا اللقاء المرتقب ولكن على ما يبدو فإنَّ البخارى قد أخلف موعده، وتركَ مستر (ستيف) ملطوعًا على البلاج يعلِّم النساء كيف يجتهدنَ، والغريب أنَّ كاتب المقال نفسه لم يجتهد فى كلامه ولم يأتِ بجديد، إذ لم يزِد على أن نقل بعض تخاريف صاحب: (تجريد البخارى ومسلم من الأحاديث التى لا تُلزم)، وسار على نفس درب أبى حمالة، والطبيب المتفيهق وغيرهما، فى جهادهم المتواصل لإسقاط (أبى هريرة)، والجديد أنَّه لمَّأ رأى عجز أساتذته المقبورين والمعاصرين فى هذا الجهاد الخاسر أراد الاستعانة بالنساء، ولعلَّه استوحى هذه الفكرة من أحد أبطال عمِّنا (أحمد رجب) فى (الحبِّ وسنينه) إذ يقول: «إننى أكره العضلات فى المرأة، و(ناهد) كلها عضلات، وكلُّ عضلاتها تتجمع فى فمها»!. طيب يا أخى مثلما عملت بنصيحة (أحمد رجب) - وهو أديبٌ أريبٌ- اعمل بنصيحة المتنبى شيخ الأدباء: (لا يصنع الأعداءُ فى جاهلٍ ما يصنعُ الجاهلُ فى نفسهِ) أو بنصيحته الأخرى: (ومن جهلت نفسُهُ قدرَها رأى غيرُه منه ما لا يَرى). وإن لم يُعجبكَ المتنبى فاسمع أبا المظفّر السمعانى يردُّ على بعض المتعالمين فى كتابه (قواطع الأدلة) قائلاً: «فكان الأولى به -عفى الله عنه- أن يترك الخوض فى هذا الفنّ ويحيله على أهله؛ فإنَّ من خاض فيما ليس من شأنه فأقلُّ ما يُصيبه افتضاحه عند أهله«.. فإن لم يكن هذا ولا ذاك، فحكمة ابن حجر المأثورة: «إذا تكلَّم المرء فى غير فنِّه أتى بالعجائب»، أو الحكمة المنسوبة للإمام علىّ: «العلم نقطة كثَّرها الجاهلون»، أو ما أُثر عن ابن عمر: «العلم ثلاثة: كتابٌ ناطقٌ، وسنَّةٌ ماضيةٌ، ولا أدرى». لكأنى بكَ المقصود – يا ابن البرى - بقول الإمام الشافعى فى الرسالة: «وقد تكلَّم فى العلم مَن لو أمسكَ عن بعض ما تكلَّم فيه منه لكان الإمساكُ أولى به، وأقربَ من السلامة له إن شاء الله»، أو لكأنَّك المشارُ إليه بقول الجرجانى فى دلائل الإعجاز: «إذا تعاطى الشىءَ غيرُ أهله، وتولَّى الأمرَ غيرُ البصير به، أعضل الداءُ واشتد البلاءُ». واستمع – يا هداك اللهُ – لهذه النصيحة الغالية: إذا كنتَ ذا لُبٍّ فحاذرْ تطفُّلًا ولا تقفُ شيئًا غير ما أنت عارفٌ لكى لا ترى مَن يزدريك لزَلَّةٍ فلِلنَّاس فيما تدَّعيه معارفُ وانتبه أيُّها (الجوبزىُّ)، فإنَّ (اللطمة) التى تلقَّاها أستاذك أبو حمَّالة على قفاه لم تبرد بعد، وذلك حين لم يعرف كيف ينطق عنوان الكتاب الذى ادَّعى أنَّه سيشرحه لنا شرحًا تتصاعدُ منه تنهُّدات النجوم عجبًا، ويأتلقُ له وجه القمر طربًا، فأحضرنا الطروس واليراع وأخذنا مجالسنا متحلِّقين فإذا به يقرأ (أَسَد الغابة) بدل (أُسد الغابة).. ولذلك أنصحكَ بأن تتأكد من أَّنك قد اجتزت الصفوف اللازمة لإتقان قراءة كلام العلم الشرعىّ، أمَّا فهمه – فضلاً عن الاجتهاد فيه – فتلكَ سماءٌ أخرى لا يطار لها ب(جوبز)، ولا يُسعى لها على (جوجل). ورغم ذلك؛ لو كلَّفتَ نفسكَ لرأيتَ كيف أنَّ المُحدِّثين المعاصرين قد استفادوا من التكنولوجيا الحديثة فى التخريج والرجال ودراسة الأسانيد إلى غير ذلك مما يتعلَّق بعلم الحديث وغيره من العلوم الشرعية، ولعلِّى أشير إلى ذلك تفصيلاً فى مقال آخر بإذن الله. وبعدُ؛ فلعلَّك واجدٌ فى كلام ابن القيِّم ما يصرفك إلى ما تتقن وتدعُ ما لا تُتقن، إذ يقول: «لا تعسفِ الشابَّ بعد أن يكبر عن ما يُنافى طبعه وميوله التى يجيدها ويتقنها؛ لأنه سيقصّر فيها أكثر مما يُحسن«. وأختمُ بكلمةٍ إلى شيخنا الجليل أبى إسحاق الحوينى – أطال الله بقاءه فى صحةٍ وحسن عملٍ، وثبته وختم له بالخير: إذا ردَّ أمثالُكم من جبال العلم على هاتيك النكرات اشتُهرت، فأطمَعَت غيرها من النكرات فى التسلُّق على أكتاف الصحابة والعلماء الأفاضل، فدعوهم للصغار من أمثالنا فسنكفيكهم بإذن الله وعونه.