حياة كريمة فى الغربية.. المبادرة الرئاسية تغير الواقع بقرية دمنهور الوحش    أنا الوحيد الذي تخليت عنه مبكرا، ترامب يكشف أسرارا عن إبستين في رسالة "عيد الميلاد"    بالأسماء.. إصابة 7 أشخاص في حادثي تصادم بالدقهلية    شعبة الأدوية: موجة الإنفلونزا أدت لاختفاء أسماء تجارية معينة.. والبدائل متوفرة بأكثر من 30 صنفا    مسئول بمحافظة الجيزة: عقار إمبابة المنهار عمره يتجاوز 80 عاما.. والسكان لم يبلغوا الحي بالشروخ    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    100 مليون في يوم واحد، إيرادات فيلم AVATAR: FIRE AND ASH تقفز إلى 500 مليون دولار    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    فلسطين.. جيش الاحتلال يداهم منازل في قرية تل جنوب غرب نابلس    وداعا ل"تكميم المعدة"، اكتشاف جديد يحدث ثورة في الوقاية من السمنة وارتفاع الكوليسترول    أول تعليق نيجيري رسمي على "الضربة الأمريكية"    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    انفجار قنبلة يدوية يهز مدينة الشيخ مسكين جنوب غربي سوريا    موسكو تتوسط سرّاً بين دمشق وتل أبيب للتوصّل إلى اتفاق أمني    الشهابي ورئيس جهاز تنمية المشروعات يفتتحان معرض «صنع في دمياط» بالقاهرة    وزير العمل: الاستراتيجية الوطنية للتشغيل ستوفر ملايين فرص العمل بشكل سهل وبسيط    سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل    أمن الجزائر يحبط تهريب شحنات مخدرات كبيرة عبر ميناء بجاية    ارتفاع حجم تداول الكهرباء الخضراء في الصين خلال العام الحالي    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    استمتعوا ده آخر عيد ميلاد لكم، ترامب يهدد الديمقراطيين المرتبطين بقضية إبستين بنشر أسمائهم    زيلينسكي يبحث هاتفياً مع المبعوثَيْن الأميركيين خطة السلام مع روسيا    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    18 إنذارا للمصريين فى 10 مباريات رصيد حكم مباراة الفراعنة وجنوب أفريقيا    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    هشام يكن: مواجهة جنوب أفريقيا صعبة.. وصلاح قادر على صنع الفارق    محمد فؤاد ومصطفى حجاج يتألقان في حفل جماهيري كبير لمجموعة طلعت مصطفى في «سيليا» بالعاصمة الإدارية    أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان    أمم إفريقيا - تعيين عاشور وعزب ضمن حكام الجولة الثانية من المجموعات    «اللي من القلب بيروح للقلب».. مريم الباجوري تكشف كواليس مسلسل «ميدتيرم»    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    متابعة مشروع تطوير شارع الإخلاص بحي الطالبية    ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة    نجم الأهلي السابق: تشكيل الفراعنة أمام جنوب إفريقيا لا يحتاج لتغييرات    محافظة الإسماعيلية تحتفل بالذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق بحفل "كلثوميات".. صور    تطور جديد في قضية عمرو دياب وصفعه شاب    جلا هشام: شخصية ناعومي في مسلسل ميد تيرم من أقرب الأدوار إلى قلبي    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    أخبار مصر اليوم: سحب منخفضة على السواحل الشمالية والوجه البحري.. وزير العمل يصدر قرارًا لتنظيم تشغيل ذوي الهمم بالمنشآت.. إغلاق موقع إلكتروني مزور لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    الزمالك يستعد لمباراة غزل المحلة دون راحة    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    واعظات الأوقاف يقدمن دعما نفسيا ودعويا ضمن فعاليات شهر التطوع    فاروق جويدة: هناك عملية تشويه لكل رموز مصر وآخر ضحاياها أم كلثوم    دهس طفل تحت عجلات ميكروباص فوق كوبري الفيوم.. والسائق في قبضة الأمن    أخبار كفر الشيخ اليوم.. إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب رسميًا    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    حزب المؤتمر: نجاح جولة الإعادة يعكس تطور إدارة الاستحقاقات الدستورية    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البخارى ومسلم من أعظم العلماء فى إخراج الأحاديث لكنهما بشر يصيب ويخطئ
ابن حنبل والشافعى والرازى وابن حزم والألبانى ومحمد عبده

«ليست محاولة للتشكيك فى البخارى ومسلم» هذا هو العنوان الذى نشرته «اليوم السابع» فى عددها الأول, ورغم أنى لست من كتب هذا العنوان, بل هو مما استنبطه الزملاء الأعزاء القائمون على ذلك مما كتبت, إلا أننى قد أعجبت بالعنوان أيما إعجاب، وقلت لعله ينقذنا وينقذنى من سيل اتهامات متوقع لكل باحث حاول رد أحاديث فى البخارى أو مسلم, وبعد ذلك عمدت فى ثنايا المقالات السابقة إلى ذكر الكثير من الاستدلالات التى تؤكد أن تضعيف حديث فى كتابى البخارى ومسلم أمر جائز وطبيعى يخضع لأساليب النقد العلمى ولا يؤدى لكفر ولا فسوق ولا عصيان, ورغم ذلك كله فقد نالتنا ولاحقتنا الاتهامات المتوقعة للدفاع عن البخارى ومسلم لمجرد منازعتهما بتضعيف أحاديث وردت فيهما, وعندها سألت نفسى: ألهذا الحد أصبح العقل المسلم يقدس بشرا ممن خلق الله، ويعصمه من الزلل والخطأ العارض أو المنهجى؟! ولأن شيوخ الضلال صوروا للناس أن كتابى البخارى ومسلم هما القرآن الثانى وأن الأمة فى السلف والخلف اجتمعت على صحة كل حرف فيهما, رغم أن ذلك لا يصح شرعا ولا عقلا, لذا فإن هذه المقالة مهداة للعقول المظلمة المغيبة التى تخلط المفاهيم وتشتم وتسب وتُكَفِّر بلا أدنى أثارة من علم، ولا طرف من دليل, ونبدؤها بالتأكيد على عدة حقائق هامة يجب توضيحها:
1- لا يجب تصديق الكاذبين الذين يدَّعون أن من يُضعِّف ولو حديثا واحدا فى كتابى البخارى أو مسلم إنما يسعى لهدم السُنَّة, لأن ذلك القول هو أكذب الكذب, فإن السنة الفعلية والقولية بكل أنواعها ثابتة كالجبل الراسخ لا يمكن لأحد أن يهدمها أو يشكك فيها, وثباتها الذى نقصده يتخطى بمراحل كتاب البخارى أو غيره, لأن البخارى ولد عام 194 من الهجرة فهل ضاعت السُنَّة وضاع الإسلام قرنين من الزمان من قبل ولادته؟ لا بل كان الإسلام قرآنا ثابتا وسنة صحيحة منقولة قبل البخارى وبعده, فلا يخلطن الكذابون بين تضعيف حديث فى البخارى وبين هدم السُنَّة النبوية، فمال هذا وتلك؟ وكيف للسُنَّة المحمدية بعلو شأنها أن يهدمها تضعيف حديث فى كتاب من صنع البشر! ولو أن ذلك يهدم السُنَّة فهم إذن يتحدثون عن دين هش أوهى من بيت العنكبوت, وما الإسلام العظيم كذلك أبدا, لذا فلا يجب على العقلاء الخلط بين السُنَّة بكامل مفهومها وبين كتابى والبخارى ومسلم.
2- يجب على العقلاء التخلص من آفة فكرية هامة عند الكلام عن هذين الكتابين على عظيم قدرهما, وهى آفة التعامل معهما كالقرآن العظيم من حيث الرفض والقبول, فلا يجب أن نعتقد بأى حال وتحت أى ظرف أن كتابى البخارى ومسلم هما باقة كاملة مثل القرآن فإما قبولهما جميعا أو ردهما جميعا وأنه لا خيار ثالث أمامنا, فذلك فهم عليل وقول مردود, لأن القرآن الكريم وحده هو الذى إذا ما رُدَّ منه ولو آية واحدة فكأنه رُدَّ جميعا وكُفِرَ به, ولكن كتابى البخارى ومسلم ليسا كذلك, فيجوز عقلا وشرعا رد بعض ما أخرجاه بالدليل وقبول البعض الغالب, وذلك لأن ما تضمناه بين دفتيهما إنما هو ما اجتهدوا وظنوا قدر جهدهم أنه من كلام وأفعال وأيام رسول الله, وذلك لا يعنى بالضرورة أن كله على إطلاقه صحيح لأنهم بشر يمر بهم الخطأ العارض كالسهو, ويعتريهم كذلك الخطأ المنهجى.
3- لا يعتقدن أحد بأن تضعيف أو المنازعة بتضعيف حديث فى كتابى البخارى ومسلم إنما يعد كما يروج الجهلاء تكذيبا لرسول الله, فهذا محال من كل وجه, فنحن لو رأينا وسمعنا رسول الله يأمرنا لسجدنا تحت أقدامه مذعنين لأمره, ولكن الحال مع ما جُمع فى الكتب يختلف عن ذلك, لأن الكلام تناقلته أجيال متطاولة لم يكونوا بالصدق ولا النزاهة والكفاءة ولا حتى الذاكرة التى تجعلنا نتيقن أن هذا الكلام أو الفعل صدر عن رسول الله إلا بالدليل, لذا فإننا حين نُضعِّف حديثا عند البخارى أو مسلم, إنما نحن نُكذِّب من نقل عن رسول الله أو حكى عنه أو عليه, ولسنا نُكذِّب المصطفى ولا نستطيع وحاشانا أن نفعل.
4- كما يجب التوضيح أنه ليس كل ما بين دفتى البخارى ومسلم كلاما قاله الرسول أو فعله أو ما يعرف فى علم مصطلح الحديث أنه حديث «مرفوع لرسول الله» بمعنى أنه هو الذى قاله أو فعله, بل البخارى ومسلم وكافة المسانيد والسنن, تمتلئ بالأحاديث الموقوفة-التى تنتهى إلى صحابى -وحتى لو كان الحديث مرفوعا للرسول جاز للباحثين من خلال التقيد بقواعد القبول والرد أن يتعقبوا المتون -النصوص- والأسانيد ولا ملامة فى ذلك ولا معيب.
5- يجب إعادة تدوير وفهم الألفاظ المشهورة التى اخترعها شيوخ الضلال وأشهرها كلمات «الطعن والتشكيك», لأن هذه الألفاظ ألصقت زورا وجهلا بمن يُضعِّف حديثا فى البخارى أو مسلم رغم أن ذلك لا طعنا ولا تشكيكا, فأما الطعن فهو أن يطعن أحدهم مثلا فى شرف أو نسب أو عقيدة البخارى فهذا هو الطعن الذى نعلمه, ومثل ذلك ما وقع بين الإمام الذهلى وبين البخارى وكان بينهما ما كان, أما كلمة «التشكيك» فالتشكيك الذى نعلمه أن يخرج باحث ليشكك فى الأصول التى استقرأها العلماء حول الشروط التى وضعها لنفسه البخارى أو التى كتبها مسلم فى مقدمة كتابه لقبول الرواية, وذلك للتشكيك فى أصل جمع البخارى أو مسلم للأحاديث, فذلك هو التشكيك الحق, أما رد أحاديث بعينها عندهما فليس بطعن ولا تشكيك كما أشاع الجهلة هذه المصطلحات المكذوبة حتى باتت وكأنها الحقيقة.
6- والحقيقة تقول إن البخارى ومسلم من أجَلِّ علماء هذا العلم, وكانا أكثر المتقدمين والمتأخرين من العلماء عناية وحرصا فى إخراج الحديث الصحيح وهذا ما يشهد به كل العقلاء, ولكن ذلك أيضا لا يخرجهما عن كونهما بشرا ممن خلق يأكلان الطعام ويمشيان فى الأسواق, فلا يصح أن يكون كتاباهما قرآنا منزلا من فوق سبع سماوات, بل الحق أن أكثر ما أخرجاه من الصحيح وأقله من الضعيف المردود لمخالفته القرآن والسنة والعقل, لذا فإننا نعتقد أنه قد آن أوان تفعيل المقولة الخالدة لإمام دار الهجرة الإمام مالك: «كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر» ولا شك أن البخارى ومسلم داخلان تحت لواء هذا الكل الذى قصده الإمام مالك.
7- استكمالا للمفاهيم المغلوطة فقد فاجأنى الدكتور عبدالمهدى عبدالقادر رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين, فى الحلقة التى جمعتنى معه فى تلفزيون أوربت بقول أضحكنى وأبكانى فى آن, فقد قال جازما «إن كتاب البخارى معصوم من الخطأ» واستشهد بآية: «وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا» النساء 115, على اعتبار أن من ضَعَّف حديثا فى البخارى فهو قد خرق الإجماع, وسبيله إلى النار حتما, وذلك الاستدلال من أبطل الباطل، فالآية بالأساس لا علاقة لها بالإجماع أبدا, ثم لو تأولناها على ذلك لكان كل من خالف الإجماع حتى الفقهى مآله إلى نار جهنم وذلك ما لم يقل به حتى الشافعى صاحب المذهب ومخترع الإجماع, ولعلمى التام أن وهم الإجماع هذا إن اعتبرته دليلا- على البخارى ومسلم لم يحدث أبدا على مر العصور فقد ولَّد ذلك عدة أسئلة طرحت نفسها ووجب الإجابة عنها.
السؤال الأول الذى يطرح نفسه: هل وقعت بعض الأخطاء المنهجية فى البخارى ومسلم مما يجرى على البشر؟
بالطبع نعم.. ومنها:
1- أخرج البخارى «2661» فى حديث الإفك عما كان من وقعة فى المسجد بين الأوس والجزرج «فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه: إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك». والمعروف إجماعا أن سعدا بن معاذ كان قد استشهد قبل واقعة الإفك وذلك بعد وقعة الخندق فى السنة الخامسة من الهجرة, كما أنه لا شك أن واقعة الإفك التى يذكرها البخارى كانت بعد وقعة بنى المصطلق فى السنة السادسة، لذا فإن البخارى أورد فى القصة قول الصحابى الجليل سعد بن معاذ وكان قد استشهد قبل الواقعة بعام على الأقل, وقد رد على البخارى هذا الخطأ الكثير من العلماء وجاء فى زاد المعاد (3/237-238): «فإن سعدا بن معاذ لا يختلف أحد من أهل العلم أنه توفى عقيب حكمه فى بنى قريظة عقيب الخندق, وذلك سنة خمس على الصحيح وحديث الإفك لا شك أنه فى غزوة بنى المصطلق هذه وهى غزوة المريسيع والجمهور عندهم أنها كانت بعد الخندق سنة ست».
ومعنى هذا أن البخارى وَهِمَ فى ذلك، والغريب أنه قد ورد عن عدد من الشراح أن الخندق وقعت بعد وقعة بنى المصطلق وذلك لحل إشكال رواية البخارى, فسبحان الله حتى التاريخ يمكن تغييره لإثبات عدم وقوع البخارى فى خطأ بشرى, بل الحق أن جمهور الأئمة على صواب وأن البخارى ليس على صواب, وأغلب ظنى أن الله أجرى هذا الخطأ على البخارى ليعيده إلى بشريته عند مقدسيه، وليعلم الجميع أنه ما تم على الكمال إلا كتاب الله المعصوم فقط.
2- أخرج البخارى «7517» حديث الإسراء الشهير عن شريك بن عبد الله:» أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم فى المسجد الحرام».
وهذا وهم من أوهام البخارى, ورده الكثير من العلماء بدون أن يُتَّهموا أنهم طعنوا فى البخارى, لأن الثابت الذى لا خلاف فيه أن الإسراء لم يكن قبل نزول الوحى على الإطلاق, وكذلك فإن فرض الصلاة كان بعد الوحى بلا شك, حتى إن العلماء عدوا اثنى عشر خطأ فى هذا الحديث الذى أخرجه البخارى, وقال النووى فى شرح مسلم (2/209): «وقد جاء فى رواية شريك فى هذا الحديث فى الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء، منها قوله: وذلك قبل أن يوحى إليه، وهو غلط، لم يوافق عليه»، وهذا وهم أخرجه البخارى وذلك ليس تنقصا منه، ولكن لأنه بشر يصيب ويخطئ.
3- أما فى كتاب مسلم فقد أخرج «2501» من حديث عكرمة عن حوار دار بين النبى الكريم وبين أبى سفيان بعد إسلامه بعد الفتح أنه قال للنبى: «عندى أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبى سفيان، أزوجكها», وهو وهم من أوهام مسلم لأن الذى لا يشك فيه عاقل أن النبى تزوج «أم حبيبة بنت أبى سفيان» قبل فتح مكة بعام كامل فكيف يعرض أبو سفيان على النبى الزواج من زوجته, لذا فقد خطَّأ العلماء «مسلما» بدون خوف ولا اضطراب لعلمهم أيضا أنه بشر يصيب ويخطئ, كما جاء فى زاد المعاد (1/107): «فهذا الحديث غلط لا خفاء به قال أبومحمد بن حزم: وهو موضوع بلا شك وقال ابن الجوزى فى هذا الحديث هو وهم من بعض الرواة لا شك فيه». ولو نظرنا قليلا لوجدنا أن أبا محمد بن حزم قال إن الحديث موضوع وليس ضعيفا فقط, ولم ينكر عليه أحد ولم يقل أحد إنه يطعن فى مسلم أو يهدم السُنَّة وذلك لأن الحق أحق أن يتبع.
4- البخارى نفسه رد حديثا فى كتاب مسلم الذى أخرجه «2789»: «خلق الله، عز وجل، التربة يوم السبت» وقال البخارى فى «التاريخ الكبير» (1/413): «إنه لا يرفع للنبى بل هو من كلام كعب الأحبار» وعلل البخارى ذلك بأن أيام خلق الأرض ستة وليست سبعة كما جاء فى الحديث ورد هذا الحديث أيضا «على بن المدينى», ولم يقل أحد أن هؤلاء طعنوا فى مسلم, والجدير بالتأمل أن البخارى رد الحديث دون النظر لإسناده ولكن لمجرد مخالفة المتن -النص- للقرآن الكريم, وهذا ما يؤصل المنهج الذى نسعى إليه, بل إن البخارى اتهم مسلما بطريق غير مباشرة أنه وضع الإسرائيليات فى كتابه.
5- ومسلم نفسه قد تكلم فى مقدمة كتابه عن شرطه فى قبول الرواية, وألمح عن رفضه لشرط البخارى بكلام شديد, يعلمه كل دارس وباحث ومع ذلك لم يقل أحد إن مسلما يطعن فى البخارى ولكنه خلاف علمى لا أكثر, ليس فيه ولا نتاجه جنة ولا نار.
أما السؤال الثانى الذى يطرح نفسه: هل ضَعَّف أو رد أو أعلَّ أحد من العلماء أحاديث فى كتابى البخارى ومسلم؟
والرد: نعم.
وذلك كما قلنا ليس تنقصا منهما، ولكن لأن ما اجتهدا فى جمعه قدر استطاعتهما يظل جهدا بشريا لا يصل للكمال أبدا ولا يتصف بالعصمة كما يزعمون, ولذلك فقد أجمع العلماء على صحة أغلب أو جمهور الأحاديث المخرجة فى البخارى ومسلم, ولكن الإجماع على كل حرف فيهما هو إجماع كاذب ادعاه المتأخرون من شيوخ الضلال ونذكر هنا طرفا من هؤلاء العلماء الذين انتقدوا أحاديث فى البخارى ومسلم:
1- العلماء الأوائل: «أحمد بن حنبل - على بن المدينى - الدارقطنى - الشافعى - البخارى (انتقد مسلما كما ذكرنا) - أبوحاتم الرازى - يحيى بن معين - ابن عمار الشهيد - الجيانى - ابن تيمية - ابن القيم - أبو زرعة الرازي - الترمذى - العقيلى -النسائى -أبوبكر الإسماعيلى - وابن مندة البيهقى - أبو الفضل الهروى - وابن الجوزى - ابن حزم - ابن عبد البر - أبو مسعود الدمشقى - الجصاص (الفقيه الشافعى الذى قال عن حديث سحر النبى إنه من وضع الملحدين). كل هؤلاء وغيرهم انتقدوا أحاديث فى البخارى ومسلم, ولم أر من قال إن هؤلاء طعنوا فى البخارى ومسلم ولا من قال إنهم يريدون هدم السُنَّة, بل هو البحث عن الحقيقة والنقد العلمى الذى لا يبتغى غير مرضاة الله وتنقيح ما جاء عن النبى.
2- أما من المعاصرين ومن سبقهم الذين انتقدوا وضعَّفوا أحاديث فى كتابى البخارى ومسلم: «محمد عبده - محمد رشيد رضا - محمد الشنقيطى الجكنى (فى كتابه مجالس مع) - الشيخ محمد الغزالى - ابن عثيمين»، أما الألبانى الذى يلقبونه بمحدث الزمان, فقد ضعَّف أكثر من عشرة أحاديث فى كتاب البخارى, وضعَّف بعض رجال البخارى وكذلك ضعَّف وتعقب الألبانى الكثير مما أخرجه مسلم فى كتابه, ولا أريد أن أفصل فى هذه المسألة أكثر من ذلك, فهل كل هؤلاء طعنوا فى البخارى ومسلم؟ وأرادوا هدم السُنَّة؟ بل منهم من نافح ودافع عن العقل والحرية فى دين الله, وحاول قدر جهده أن ينقح ما لا يُقبل شرعا ولا عقلا مثل: الأستاذ الإمام محمد عبده، والشيخ الجليل محمد رشيد رضا، وشيخ العقل والتنوير الإمام محمد الغزالى رحمهم الله رحمة تليق بجلاله وبما قدموه من خير للإسلام.
أما السؤال الثالث فهو: هل أخرج البخارى ومسلم فى كتابيهما أحاديث متنها منكر واضح النكارة؟
بالتأكيد نعم.. وسأعطى مثالا واحدا على ذلك وكفى به:
أخرج البخارى حديثا لا يقبله الشرع ولا يصدقه إلا المجانين من ظاهرى الجنون وهو الحديث الشهير فى البخارى «3849» وهو حديث معلق ومقطوع عن التابعى المخضرم عمرو بن ميمون قال: «رأيت فى الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة، قد زنت، فرجموها، فرجمتها معهم».
وهذا الحديث منكر المتن -النص- لا يقبله عاقل ولا حتى مجنون, وقد أنكره على البخارى كثير من العلماء قديما وحديثا, ولكن العجيب أن مقدسى البخارى أخذوا يتنطعون بتكلف ممجوج وأحمق لتصحيح هذه الخرافة بل وصل بهم القول إنهم قالوا «لعل هؤلاء القردة الذين رجموا القردة الزانية كانوا من اليهود الذين مسخهم الله»، والحقيقة أن من مسخه الله على حق هو من يقبل هذا التبرير, ومن أمثلة ذلك الذى لا يُقبل عقلا ولا حتى شرعا ثُلة من أحاديث البخارى ومسلم والتى ردها الكثير من المعاصرين.
إذن.. ماذا نريد القول من كل ذلك؟
نريد أن نؤكد على ما ابتدأنا به المقالة أن كتابى البخارى ومسلم من أجلِّ الكتب فى هذا العلم, ولا شك أنهما يفوقان كل التصانيف الأخرى التى صُنفت، ولكن ذلك لا يغير من بشريتهما شيئا، وأنهما يؤخذ منهما ويرد, وأنهما اجتهدا قدر استطاعة البشر وليس أكثر, لذا فإن مقولة إنهما أصح كتابين بعد القرآن مقولة فيها غلو وتكلف, بل الحق أنه ليس بعد القرآن شىء والأصوب أن نقول إنهما أصح كتابين أُنجزا فى هذا العلم قاطبة ولا يمنع ذلك أن يُظهر الباحثون الضعف فى بعض أحاديثهما وإن كثرت. لذا فقد وجب التأكيد ثانية على عدم الارتباط الشرطى بين تضعيف أحاديث فى كتابى البخارى ومسلم وبين الاتهامات السطحية من هدم للسنة وطعن وتشكيك والتى يطلقها بعض من يدعون أنهم أثريون وعلماء للحديث.
وأخيرا.. فإنه لا عصمة من الخطأ والزلل إلا لكتاب الله العزيز وما عداه فهو اجتهاد بشر له أجران إن أصاب وأجر إن أخطأ, فالعقلاء الذين يضعون كتابى البخارى ومسلم فى منزلتهما اللائقة يعرفون جيدا أنهما لا يسلمان من البحث العلمى والأكاديمى مع الاعتراف بجليل فضلهما فى جمع ما صح لديهما من أحاديث, أما الذين صنعوا منهما آلهة فوق النقد فأقول لهم إنها آلهة من العجوة, فإذا كانت غيرة الجهلاء على البخارى ومسلم أكثر من غيرتهم على دين الله وكتابه ورسوله فإليهم أقول: فلتتحملوا لأن القادم عليكم أدهى وأمر, ومادامت محاولاتنا لمحو بصمة الجهل من على وجه ديننا الحنيف ودحض سطور الإساءة لنبينا تمثل عذابا لكم.. فأبشركم بأنها رحلة عذاب لا ينتهى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.