بعد الانتهاء من تشكيل حكومة قنديل - رغم تحفظنا على بعض وزرائها ممن ينتمون للنظام السابق - أصبح مرسى مطالبًا بالإسراع فى تنفيذ برنامج المائة يوم الرئاسى فورًا، ومطالبًا أيضًا بأن يصارح شعبه أولاً بأول حال وجود أى ضغوط داخلية أو خارجية عليه؛ حتى لا تتكرر تجربة عصام شرف؛ لأنه سيتحمل المسئولية كاملة أمام التاريخ، وأمام الشعب الذى اختاره رئيسًا لمصر وقائدًا منتخبًا لثورتها.. وعليه أن يعى جيدًا أنه الآن فى مفترق طرق، وسيواجه مصيرًا من اثنين: إما مصير نجم الدين أربكان، وإما أردوغان، فالأول رغم إخلاصه ونواياه الطيبة انتهى إلى مصير لا نرجوه لمرسى، والثانى تتشابه بداياته تمامًا مع مرسى، فكان العسكر والإعلام والقضاء يريدون إسقاطه ولكنه تعلم جيدًا من درس أربكان وفهم قواعد اللعبة جيدًا وبدأ بإنجازات سريعة المفعول، واضحة النتائج، استطاع من خلالها كسب ثقة الكثير من الأتراك ليحتمى بالشعب، وقضى على الفساد الإعلامى فى خطوات سريعة ومتلاحقة، ليفقد الدولة العلمانية العتيدة أهم أسلحتها، فكان من السهل عليه تطهير القضاء والقضاء على سطوة العسكر. ومع بعض الاختلافات البسيطة بين حال تركيا ووضع مصر الراهن فإن مرسى يستطيع باستخدام ما لديه من أدوات من خلال حكومة الثورة أن يقوم بتطهير أعمق ما فى الدولة العميقة، وأقصد بهذا القضاء والإعلام، على أن يتم ذلك دفعة واحدة وإلا فلن تصمد تلك الحكومة. وجاءت الخطوة الأولى فى هذا الطريق مبشرة جدًا باختيار المستشار أحمد مكى وزيرًا للعدل فى حكومة قنديل كأجمل وأروع ما فى التشكيل الوزارى، وكبداية للطريق الصحيح لاستكمال أهداف الثورة، رغم أن بعض ترزية الأحكام وخدم النظام السابق ممن ينتمون للسلطة القضائية يعتبرونه ضربة موجعة لهم ولنظام مبارك، ويشعرون بخيبة أمل، ويستعدون لمعركة رهيبة لتكسير عظام الرجل.. إلا أن الشعب المصرى الواعى لن يتركه فريسة لهؤلاء ويدرك جيدًا أن اختيار مكى وزيرًا للعدل كان أحد أهم مطالب الثورة التى تأخرت كثيرًا إلى أن أصبح مكى الآن بمثابة التدخل الجراحى الذى سيسفر بإذن الله عن تطهير القضاء واستعادة هيبته، ويعيد للقضاء استقلاله حتى يستعيد المواطن المصرى ثقته فى القضاء، ويشعر بأن مصر دولة قانون وليست دولة يطوع فيها القانون لخدمة من بيده السلطة. كما أن اختيار وزير الإعلام الجديد أصاب فضائيات الفتنة وترزية الإعلاميين المحسوبين على النظام السابق ممن يأكلون على كل الموائد بإحباط شديد، وجاء بمثابة رسالة تطمينية للمجتمع المصرى بأن أحد أهم أولويات حكومة الثورة هو القضاء على الفساد والعهر الإعلامى، وتطهير المنظومة الإعلامية ممن يملكون ضمائر معطلة ويفتقدون أخلاق مهنتهم ويسترضون أولياء النعم، وتفرغوا فقط للقيام بقيادة الثورة المضادة وشيطنة الثورة المصرية وتشويهها وتسطيحها وتفريغها من معناها. وبالإضافة إلى ذلك، فهناك تحديات كثيرة ستواجه حكومة قنديل أولها: مدى قدرتها على اتخاذ مواقف حاسمة تجاه الفساد المستشرى داخل الوزارات والهيئات الحكومية، وثانيها: كيفية تصديها للتدخلات السافرة التى نتوقعها من المجلس العسكرى، وثالثها: الخروج من المطبات والعراقيل التى سيتفنن فى وضعها بعض المرتزقة، والتقيحات ممن يسمون أنفسهم بالنخبة ممن يتمنون إسقاط الدولة. [email protected]