لن ييأسَ الإسلاموفوبيون فى محاولة النَّيل من الإسلاميين، وسيزداد سُعارهم كلما اقترب موعدُ الانتخابات البرلمانية القادمة. ومَعَ فشلِهم الذريعِ فى محاولة عرقلة التشكيل الوزارى بالاعتذاراتِ السريَّة والاعتراضات العلنية؛ فمن المتوقع أن ينتقلوا إلى ثلاث إستراتيجيات لإفشال التيار الإسلامى وعرقلته تمهيدًا لإزاحته، أو على الأقلِّ تقليص شعبيته. وهذه الإستراتيجيات باتت واضحة كلَّ الوضوح فى تحرُّكات الإسلاموفوبيين، ومن العيبِ الأسيفِ ألا يكون الإسلاميون قد تنبَّهوا لها، وأعدُّوا العُدَّة لمواجهتها. *** أمَّا الإستراتيجية الأولى؛ فهى إسقاط الجمعية التأسيسية، بدعوة ممثِّلى التيار المدنى والكنيسة والعسكر إلى الانسحاب. وعندها يكونون قد نجحوا ليس فقط فى إعادة المشهد الضبابى لبدايته، وإنما فى تفخيخه بصورة كارثية؛ لأنَّ صدامًا أكيدًا سيحدث بين مؤسسة الرئاسة ومن ورائِها الإسلاميون من جهة، وبين المؤسسة العسكرية ومن ورائها لاعِقو البيادات من جهةٍ أخرى، وسيدخل البلد فى جدل قانونى جديدٍ سيُسبِّبُ - ولا شكَّ - احتقانًا داخل المؤسسة القضائية قد ينتهى هذه المرَّة بما لا يُحمدُ عقباه. وهذا السيناريو يطمحُ إلى قطع الطريق على الحكم المُتوقَّع باستمرار الجمعية بعد تحصينها بتصديق الرئيس على قانون عملها، بما يُبعدها عن اختصاص المحكمة الإدارية. وهم يتحسَّبون كذلك لعامل الوقتِ الذى أصبح فى صالح الجمعية بعد التأجيل لردِّ الدائرة، ثمَّ التأجيل المتوقَّع فى حال إحالة الأمر للدستورية العليا، وقد جاء تحسُّبهم هذا من خلال الدعوى التى أقامها نجيب جبرائيل لوقف عمل الجمعية لحين البتِّ فى أمرها، وحسب توقُّعات كثير من القانونيين فقد تحكم المحكمة بتعليق عمل الجمعية فِعلًا؛حتى تقوم الدستورية فيما بعد بإبطالها، وهذا غاية أمانى الإسلاموفوبيين. *** الإستراتيجية الثانية للإسلاموفوبيين هى اللعبة الأزلية (فرِّقْ تَسُدْ)، وذلك بضرب التيَّارات الإسلامية ببعضها وتفكيك أى تحالفٍ أو تنسيقٍ بينها، وقد يُساعدُ على نجاح هذه الإستراتيجيةِ التشكيلُ الوزارى الذى تجاهل التيارَ السلفى صاحب مركز الوصافة فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والذى كان من أهمِّ عوامل الحسم فى معركة الرئاسة لصالح مرسى ضد الفلول. وحتى الآن فإنَّ السلفيين أبلوا بلاء حسنًا فى كيفية التعامل الحكيم مع هذا الموقف دون تصعيدٍ رغم الإثارة التى حاولت بعض الفضائيات والصحف إياها افتعالها لتهييج المشاعر السلفية ضد الإخوان، والجميل أنَّ الأمر لم يشغل كثيرًا التنظيمات السلفية لا على مستوى القيادات ولا على مستوى القاعدة الشبابية العريضة التى تعتبر المحرِّك الرئيس للماكينة السلفية. وفى السياق نفسه، تأتى المحاولات المستميتة من تيَّار مُدَّعى المدنية لضمِّ حزب الوسط إلى تحالف ما يُسمَّى ب(الطريق الثالث) أو التيار المدنى، وغالب الظنِّ أنَّ حزب الوسط لن ينساقَ فى هذا الطريق المشبوه، إذ إنَّ الحزب يستمدُّ مكانته من كونه حزبًا إسلاميًّا معتدلًا قدَّم للشارع المصرى العديد من القيادات الكاريزمية مثل المناضل عصام سلطان الذى طالما كشف ألاعيب هؤلاء الإسلاموفوبيين وفساد الفاسدين منهم، فأضحت شعبيته العريضة فى الشارعِ أكبر دعايةٍ للحزبِ. وقد يخسر الوسطيون كثيرًا إن فكَّروا فى الانضمام لهذا التحالُف. *** الإستراتيجية الثالثة هى الاعتداء على مقارِّ حزب الحرية والعدالة بالحرق والتخريب، كما حدث فى الجيزة والإسكندرية. والغرض من هذه الأفعال البلطجية إظهار الإخوان وكأنهم نازيون مكروهون من عامة الشعب، فالشعب لم يتطاول بالحرق إلا على مقارِّ الحزب الوطنى الساقط، وداخليته الغاشمة. وحين يُصوَّر هذا الاعتداء الإجرامى الخسيس على أنَّه غضبٌ شعبى جارفٌ فانتظروا بيان التنحى الذى ربَّما يلقيه مرسى بنفسه لأنَّ عمر سليمان والرجل الواقف وراءه أصبحا من التاريخ! أمَّا كيفَ سيُصوَّر هذا الإجرامُ على أنَّه غضبٌ شعبى وإرهاصات ثورة ثانية؛ فهذه مهمة تافهة يمكن أن تقوم بها مراكز الثورة المضادة (أقصد الفضائيات إياها) فى أسبوعٍ على الأكثر. وستُفرد مئات الساعات يوميًّا لاستديوهات تزييف الوعى التى ستكون مواضيعها كالآتى: ما دلالة حرق المواطنين الثوار لمقارِّ الإخوان؟ لماذا انقلب الشعب على الإخوان بهذه السرعة؟ موجةُ الغضب الشعبى والثورة ضد الإخوان. هل يمكن لثورة الشعب على الإخوان أن تنجح كما نجحت ثورته على نظام مبارك؟! وطبعًا؛ لن تخرج المانشيتات الصحفية الصفراء عن هذا الإطار. أمَّا كيف يتعامل الإخوان مع هذه الأحداث؛ فيجب عليهم أن يهتموا بتأمين مقارِّهم جيدًّا بكوادرَ تجيد العمل الأمنى باحترافية لأن الجيزة والإسكندرية لن تكونا الحلقة الأخيرة فى هذا المخطَّط القذر، كذلك يجب الاهتمام بمعرفة العناصر التى قامت بهذه الأفعال البلطجية وتقديمها للمحاكمات العادلة، ورفع الدعاوى القضائية أمام المحاكم الجنائية ضدّ مَن دَعوا للتظاهر على الإخوان وحرق مقارِّهم، وعلى رأسهم طفل ساويرس النجيب، وتصريحاته موثَّقةٌ بما فيها من تحريضٍ على أعمال بلطجة وترويعٍ للآمنين لم تصدر من الثوريين السلميين الشرفاء الذين أسقطوا النظام البائد. أمَّا لو تساهَل حزب الحرية والعدالة فى حقه كما يتساهل الرئيس فى حقِّه فلا يلومون إلا أنفسهم. وختامًا يجب على الإخوان أن يُخلصوا هذه المرة فى القيام بواجبهم فى التنسيق مع الكيانات الإسلامية الأخرى من خلال سياسات أكثر شفافيةً واحترامًا لإمكاناتِ الآخرين وعقولهم.