"القصص موجودة حين نتذكرها"؛ فما بالك بقصة مرت عليها أشهر قصيرة، ولم تزل بمراراتها راسخة فى الوجدان الشعبى الحُر، وقصة البرلمان أقسى وأكثر تعقيدًا من قضية الرئاسة؛ فتشويه شخص واحد وشيطنته أسهل كثير من شيطنة المئات، وبالرغم من صعوبة المهمة – المغشوشة– استطاع الجنرالات تمريرها وأجهزوا على أول مولود ديمقراطى شرعى من أب وأم معلومين، يفخر به المصريون ويشمخون بأنوفهم ويرفعون رءوسهم أمام العالم كله، وأيضًا نجح الجنرالات فى ذلك رغم السُخط الشعبى الحقيقى، مع تمثيليات السُخط الغربى وتعبيرات الست هيلارى الغاضبة المصطنعة – إللى كدا وكدا -! البرلمان – الذى يعز على وصفه بالمنحل - انشغل بقضايا وأحوال أقل خطورة وأهمية من قضية الوقت وهى قضية التطهير المعروفة إعلاميًا بالعزل السياسى، وكذلك تطهير المؤسسات وأجهزة الدولة السيادية من سدنة النظام السابق، وأهمل البرلمان عن عمد أو عن غير عمد هذه القضية الثورية التى تمثل أولوية قُصوى، ولم ينتبه إليها إلا فى الوقت الضائع. ساعتها كان الجنرالات – الوصف الشيك للعسكر – يجهزون البديل لهزيمة البرلمان بالخطأ التكتيكى المغشوش. بالطبع لست مُثبطًا ولا مُخذلاً وأنا أول مشارك فى كل حملة وكل أمر يأمر به الرئيس مرسى، ولا أقلل على الإطلاق من أهمية ملفات نظافة الشوارع وتنظيم المرور، لكنها ليست الملفات والقضايا ذات الأولوية القصوى، والتى ربما يتعمد أو لا يتعمد رئيس الجمهورية النائى بنفسه عنها. التطهير.. المحاكمات الجدية الناجعة، إعادة محاكمات قتلة الشهداء وتوفير الأدلة والقرائن والشواهد التى تدينهم – وقد وعد الرئيس بذلك خلال حملته -، كل هذه ملفات وقضايا تدخل أيضًا فى باب " النظافة "، لكنها نظافة أكثر أهمية وضرورة لجسد الوطن من كنس الزبالة وتلميع الميادين ودهان الحوائط . ما يحدث حاليًا عملية أشبه بوضع المساحيق والمكياجات الكثيفة على وجه قبيح، به تقيحات وميكروبات. سنمشى فى شوارع نظيفة، هذا جميل جدًا، لكن ما جدوى نظافة شارع يقابلك فيه ضابط شرطة يُذلك ويتكبر عليك ويلعن ثورتك وبلطجية جاهزون للعمل فى أى وقت، ونعود إلى البيت بعد أن تمشينا فى الشارع النظيف لنجده كما هو متسخ وموبوء بالكائنات الإعلامية المريضة التى أصابتنا بالقرف الفكرى والتلبك الذهنى و"الشنوانى" الذى مات به عمر سليمان! إستراتيجية الرئيس الدكتور مرسى – حفظه الله لنا – القائمة على النائى بالنفس عن الملفات الثورية التى تمثل أولوية قُصوى، وتقديم الرتوش والتجميليات تُخيفنى، وتجعل فزَع تجربة البرلمان يلاحقنى. نخاف إذا استيقظنا فى يوم قائظ على أقدام الجنرالات على خطأ تكتيكى آخر – مغشوش– مع الرئيس، فيسقطوه فى لمح البصر كما أسقطوا البرلمان، وساعتها نندم على عدم مبادرتنا بالعزل والتطهير، قبل المكياج والمساحيق. سعيد أنا بهذه الروح الجماعية الحماسية وهذا التجاوب الشعبى مع الرئيس، وهذا يؤكد أن الشعب مع الرئيس إذا استنهضه للقيام بمهمة مصيرية أو تنفيذ حملة قومية. لنستفيد إذا من حملة "وطن نظيف"؛ فهى تجربة عملية ناجحة، مؤداها أن الجماهير تدعم رئيس الجمهورية المنتخب فى توجهاته ومشاريعه القومية. الشعب كان معه فى نظافة الشوارع من العَك، ولا شك سيكون معه فى الحملة الأهم والجهاد الأكبر ضد صناديد الثورة المضادة داخل أجهزة الدولة ومن يعيقون بقوة وهوس مسيرة التغيير. نظف يا ريس بجد، لنحصل على وطن نظيف بجد.. ونحن معك، والله ناصرك.