من السابق لآوانه الحكم على حكومة الدكتور هشام قنديل، رغم أن الأسماء التى تم اختيارها، تحمل قدرًا من التفاؤل، سواء فيما يتعلق ب"التوليفة" أو فيما يخص منزلة "الأيديولوجيا" من معايير الفرز والاختيار.. إذ غابت جماعة الإخوان تقريبًا من التشكيل الوزارى الجديد. غير أن أهم ما يلفت الانتباه هو تغيير وزير الداخلية، محمد إبراهيم، وتعيين اللواء أحمد جمال الدين، بدلاً منه.. وهو قرار ليس موفقاً وحسب، وإنما جاء مفاجئًا للجميع، إذ استقرت الأخبار المتواترة، على أن إبراهيم باقٍ فى منصبه، بناءً على رغبة من جماعة الإخوان، فى إشارة "خبيثة" إلى وجود دور لمكتب الإرشاد، فى عملية تسمية الوزراء الجدد، فيما تظل حقيبة الداخلية ذات خصوصية دقيقة وحساسة، بالنسبة للقوتين الكبيرتين اللتين تتقاسمان السلطة الآن: الإخوان والمؤسسة العسكرية. فمن جهة، يعتبر البعض علاقة الجماعة بالمؤسسة الأمنية هى علاقة "ثأر" يمكن أن تؤثر على أدوات وفحوى ونيات التعاطى معها.. ومن جهة ثانية فإن الجيش يريد أن يبقى الحقائب التى توصف ب"السيادية" فى قبضته، وليس فى يد "الشرعية المنتخبة" التى يمثلها الرئيس مرسي.. وما يجعل "الداخلية" منعطفًا كبيرًا فى مسيرة العلاقة بين الأطراف الثلاثة التى تتحكم فى كل أوعية صناعة القرار فى مصر: الإخوان والرئاسة.. والجيش. ولا شك فى أن قرار تغيير إبراهيم، ينسف كل التوقعات والمقاربات التى ظلت سائدة فى الشهور القليلة الماضية.. إذ بات من المؤكد بأن قرار استبعاده واختيار بديله، كان وفق رؤية خاصة برئيس الحكومة المكلف.. وهى رسالة تعنى أن ما يتردد بشأن الصراع على من بيده سلطة اختيار وزير الداخلية، كانت مسرفة ومتطرفة إلى حد بعيد.. فيما يظل قرار التغيير، ذات دلالة على وجود مسافة معقولة بين مؤسسة الرئاسة ورئاسة الوزراء من جهة، وبين جماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى. أعرف أن حقيبة الدفاع، ومستقبلها لا تزال بعيدة عن دائرة الضوء المباشر، بل لم يرد لها ذكر، فيما أعلن يوم أمس من أسماء استقر على اختيارها.. ومع ذلك يبقى التعديل الوزارى فى شكله الأخير، ذات فحوى ومضمون بالغ الأهمية، ويشير فى محصلته النهائية إلى أن ثمة جهودًا حقيقية، لاستعادة الصلاحيات والسلطات بشكل متدرج وناعم.. فلأول مرة تجرى ترتيبات التشكيل الوزاري، على النحو الذى يعيد للحكومة ولايتها على واحدة من أخطر الوزارات فى مصر، وهى وزارة الداخلية.. ما يجعلها مسئولة مسئولية مباشرة، ليس لرئيس الجمهورية كما كان فى السابق.. وإنما لرئيس الوزراء .. الذى يبقى مسئولاً بدوره.. أمام البرلمان.. ما يجعلهما تحت الرقابة الشعبية المباشرة.. وهو مكسب هام رغم أنه لا يزال يحبوا نحو اكتمال قمره، وعساه أن يكون قريبًا. [email protected]